الشواطئ مثل البشر في الجزائر، من حيث الانتماء إلى الطبقة الفقيرة أو الطبقة الثرية، والوقع الذي يحدثه ذكرُها في الأسماع والأذهان والأرواح، والإمكانيات المتاحة للوصول إليها، فالصورة التي يلتقطها الفيسبوكي الجزائري في شاطئ "زرالدة" غرب الجزائر العاصمة أو "مرسى بن مهيدي" في أقصى الغرب، وهما من شواطئ الأثرياء والنجوم، غير تلك التي يلتقطها في شاطئ يقصده عامة الشعب، مثل شاطئ "سيدي عبد العزيز" في جيجل، أو "تيشي" في بجاية أو "قورصو" شرق العاصمة.
ليس هناك أسعار ثابتة ومعروفة للخدمات في شواطئ الجزائر وعادة ما تلعب عين الشاب صاحب الخدمة دورها في تحديد السعر، بحسب هيئة الزبون ولغته
ما إن تشرق الشمس التي تراوحت درجاتها هذه الأيام في الساحل الجزائري ما بين 35 و40 درجة مئوية، حتى يبدأ الدبيب في الشواطئ في ساحل يبلغ طوله 1500 كيلومتر، من القالة شرقًا إلى تلمسان غربًا، ويشرع التجار الموسميون في ترتيب أنفسهم لاقتناص المصطافين الوافدين في شكل عائلات أو جماعات أو وفود تنتمي إلى الكشافة أو نقابة أحد الأسلاك، ذلك أن معظم الشواطئ الشغالة تقع بعيدًا عن المدن، بحكم ضيق شواطئ المدينة الجزائرية أو تلوثها، فقلة من المدن لا تتخذ من البحر مكبًّا لنفاياتها ومياهها المستعملة.
اقرأ/ي أيضًا: إجازة الجزائريين الصيفية.. بين تونس والجزائر
فوضى الأسعار
ليس هناك أسعار ثابتة ومعروفة مسبقًا، لأية سلعة من السلع أو خدمة من الخدمات، وعادة ما تلعب عين الشاب صاحب الخدمة دورها في تحديد السعر، بحسب هيئة الزبون ولغته، فإن رأى أنك تتحدث بالفرنسية وتلبس لباسًا مختلفًا، بما يوحي أنك مهاجر جاء ليقضي عطلته في "البلاد"، أو أنك من أثرياء الداخل، فإن السعر يمكن أن يتضاعف مرتين، كما يمكنه أن يزيد إذا كنت "سهلًا" وقابلًا للاستغفال، إذ يمكن للشمسية مع أربعة كراسي أن تؤجر بـ1500 دينار، ما يعادل 15 دولارًا أمريكيًا، كما يمكن تأجيرها في المكان نفسه بنصف السعر.
الشباب المشرفون على توفير هذه الشمسيات والكراسي وألعاب الأطفال والمراكب البحرية، يحصلون على الترخيص من البلدية التي يتبع إليها الشاطئ، مقابل مبلغ جزافي يدخل خزينة البلدية كل موسم، عادة ما يكون مبلغًا بسيطًا لا يتناسب مع المبلغ الفعلي الذي يحصلون عليه، ذلك أن هامشًا كبيرًا يدخل جيوب مسؤولي البلدية مقابل منحهم الرخصة لشباب معينين، بعيدًا عن أي مزايدة قانونية تجرى علنيًا.
الحرمان من اللعب
الهدوء الواضح على الكبار في الشاطئ، إذ قليلًا ما يغادرون طاولاتهم وكراسيهم المنصوبة على بعد أمتار من الماء، بما يوحي أنهم يجرّون أتعاب عام كامل، تقابله حركة كبيرة للأطفال ذكورًا وإناثًا، تصل أحيانًا حد النزق الخطير على حياتهم، بما يجعل هذه الأسئلة مبررة: متى تنتبه المنظومة الاجتماعية والمدرسية الجزائرية إلى حرمان طفلها من اللعب، بغياب المساحات المخصصة لذلك في البيت والشارع والمدرسة والمدينة؟ ما معنى أن يفتقد تجمع سكني يبلغ عدد سكانه مائة ألف ساكن إلى حدائق ومسابح وملاعب ومسارح وقاعات ألعاب؟ متى تفهم المدرسة الجزائرية أنها تتعسف في حق تلميذها بحشره داخل أقسام الدروس منذ دخوله، وضربه على أدنى حركة يقوم بها في ساحة المدرسة؟
جرعة زائدة من العنف
لاحظنا إحدى عشرة طفلة يلعبن دور المعلمة بالتناوب، وكلهن استعملن العصا أثناء "التدريس"، فلوحن بها وضربن وهدّدن وطردن "التلميذات" طالباتٍ منهن إحضار الآباء والأمهات، كما لاحظن أن كثيرًا من حركات الأطفال، التي تفرضها عليهن طفولتهن، تقابل إما بالصفع وإما بالركل وإما بالشتم وإما بتشبيه بحيوان كريه، حتى التقبيل كان يرفق بالعض الذي يخلف البكاء، مما يوحي بأن هناك عنفًا زائدًا يكبر داخله الطفل الجزائري، ويدعو المنظومة التربوية في البلاد إلى مراجعة مفهومها للإصلاح التربوي الذي تحصره في طبيعة اللغة المستعملة وتغليب المواد العلمية على الأدبية.
اقرأ/ي أيضًا: 3 أفكار لقضاء إجازة بتكاليف أقل
أطفال الشمس
لا يغادر طاولتك طفل يعرض سلعة معينة، حتى يأتيك آخر يقدم السلعة نفسها أو غيرها، قد تكون حلوى أو ماء معدنيًا باردًا أو مناديل ورقية أو ساندويتشات أو مشروبًا غازيًا أو سجائرَ، وكلهم دون الثامنة عشرة، أي أنهم متمدرسون يستغلون عطلتهم في توفير مال يعينون به أسرهم وكسوة أنفسهم عند الدخول المدرسي. عرفنا ذلك من خلال حديثنا مع بعضهم في شواطئ أربع محافظات زرناها هي تيزي وزو وبومرداس والجزائر العاصمة وتيبازة.
هذه الظاهرة ليست جديدة في الشاطئ الجزائري، لكنها استفحلت هذا الموسم بشكل مزعج ولافت للانتباه، بما يؤشر على أن هبوط أسعار البترول في البلاد وما تبعه من تقشف شامل، بدأ يثمر ظواهر اجتماعية جديدة ويعزز أخرى كانت موجودة، بعيدًا عن أية دراسة أو إجراءاتٍ وقائية. يقول سامي، 15 عامًا، إنه لم يكن يحصل على إذن أبيه في السنوات الثلاث الماضية بأن يبيع في الشاطئ، لكنه سمح له هذا العام بذلك، حتى يوفر مصاريف الدخول المدرسي لنفسه ولثلاثة من إخوته، لأن أباه وجد نفسه مخيّرًا بين أن يشتري كبش العيد وأن يكسو صغاره للعودة المدرسية.
يقتحم بعض رجال الأمن الشواطئ الجزائرية أحيانًا وهو إجراء يخلق حالة من الارتباك ويقلل من الحرية الشخصية بين المصطافين
رقابة في غير محلها
ليس مستبعدًا أن يقتحم رجال الأمن بزي رسمي أو مدني الشاطئ، ويقومون بتفتيش الخيام المنصوبة، فقد يكون داخلها شباب وفتيات غير متزوجين، أو يطلبون بطاقات الهوية من شباب مصطافين، بل إن بعضهم عاينوا ما كان موضوعًا فوق الطاولات من قارورات الماء، فقد توضع "فودكا" من باب التمويه، وهو الإجراء الذي يخلق حالة من الارتباك ويقلل من الحرية الشخصية بين المصطافين الذين جاؤوا أصلًا ليروحوا عن أنفسهم. سمعنا أحدهم معلقًا: "لماذا لا يؤسسون هيئة للأمر بالمعروف مثلما هو موجود في السعودية، هكذا يصبح الأمر واضحًا".
هذه الظروف المحيطة بالسياحة الداخلية في الجزائر، جعلت الشاطئ التونسي يستقطب سنويًا مليونين من السياح الجزائريين الذين تقول الدراسات إنهم من أكثر سياح العالم إنفاقًا، ذلك أنهم يجدون فيه الحرية الشخصية واستقرار الأسعار وحسن المعاملة وتوفر المرافق النظيفة، فالسياحة في النهاية كما قال لنا شاب في شاطئ "برج البحري" شرق العاصمة تحتاج إلى "نظافة العمارة والعبارة".
اقرأ/ي أيضًا: