تجتهد السلطات الجزائرية لجلب الاستثمارات الأجنبية بالسرعة القصوى، حيث كلف رئيس الجمهورية وزراء ومسؤولين في الحكومة بمهام "تحويل البلاد في ظرف قياسي إلى قطب استثماري بالمنطقة، وأكبر وجهة لرجال المال والأعمال بشمال أفريقيا".
رئيس وكالة تطوير الاستثمار: تسجيل 55 مشروع استثمار أجنبي منذ افتتاح الوكالة إلى غاية شهر ماي الماضي
ولبلوغ هذا الهدف؛ باشرت السلطات ثورة تغييرات في القوانين الاقتصادية، وكشف مشرّعون عن خمسة نصوص جديدة في دورتين برلمانيتين متتاليتين، وهي الاستثمار والمناطق الحرة والقانون النقدي والمصرفي والصفقات العمومية والعقار الاقتصادي التابع لأملاك الدولة.
ودخل قانون الاستثمار الجديد حيّز التنفيذ سنة 2022، وصدرت نصوصه التطبيقية الثمانية مباشرة بعد نشره في الجريدة الرسمية، كما تم استحداث الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، ودخلت حيز الخدمة في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتمت مناقشة قانون المناطق التجارية الحرة في الدورة البرلمانية الماضية، وينتظر المستثمرون اليوم صدور القانون النقدي والمصرفي الجديد في الجريدة الرسمية، ليدخل حيّز التنفيذ في القريب العاجل.
وبالمقابل، يوجد على طاولة البرلمان مشروعا قانوني الصفقات العمومية وكيفيات وطرق منح العقار الاقتصادي التابع لأملاك الدولة، واللذان يتضمّنان إجراءات جديدة وغير مسبوقة من شأنها وضع حد للعراقيل التي يصطدم بها المستثمر، وإنهاء البيروقراطية ومنح تسهيلات أكبر في مجال الأعمال.
وبالموازاة مع ذلك يُشرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على تحريك دبلوماسية اقتصادية نشطة خلال زيارات الدولة التي تقوده إلى عدة بلدان على غرار مصر والخليج والبرتغال وروسيا، بالإشراف على منتديات ومجالس الأعمال ونقل وفود أرباب العمل معه لمناقشة صفقات جديدة.
كما أعلن الرئيس عن رغبة الجزائر في ولوج تكتل "بريكس" وأكد إيداع الطلب رسميًا، يخضع حاليًا للدراسة من قبل أعضاء المجموعة، فهل تتحوّل الجزائر خلال الأشهر المقبلة إلى جنة أفريقيا للاستثمار؟
الصفقات العمومية والعقار
قبل اختتام الدورة البرلمانية الحالية سارعت الحكومة إلى إيداع مشروعي قانوني الصفقات العمومية، وطرق وكيفيات منح العقار الاقتصادي لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني لمناقشتهما والمصادقة عليهما في القريب العاجل.
وقام وزير المالية لعزيز فايد بتاريخ 10 جوان/حزيران بعرض مشروعي القانونيين أمام أعضاء لجنة المالية والميزانية، والذي تضمن تلخيصًا لأهم الامتيازات التي سيحظى بها المستثمرون عبر النصين الجديدين.
ووفقًا لعرض مكتوب للوزير تلقى موقع "الترا جزائر" نسخة منه، فمشروع القانون المتعلق بالعقار الاقتصادي يعتمد مقاربة اقتصادية محضة لتشجيع الاستثمارات، تقوم على آليات وإجراءات محكمة ومرنة، من خلال حصر منح العقار الاقتصادي في الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار.
وبخصوص الصفقات العمومية، سيتم "إنشاء هيئة لدى الوزير المكلف بالمالية، مختصة في مجال الصفقات العمومية ويتعلق الأمر بالمجلس الوطني للصفقات العمومية كهيئة تحكيم إداري مستقل".
في السياق يكشف رئيس الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار عمر ركاش في آخر حصيلة له عن تسجيل 55 مشروع استثمار أجنبي، منذ افتتاح الوكالة إلى غاية شهر ماي/ أيار الماضي، حيث بلغت قيمة الاستثمارات المسجلة حسبه سواء الوطنية أو الأجنبية سبعة ملايير دولار، ويتوقع ركاش في حديث لـ "الترا جزائر"، ارتفاع حجم الاستثمار بشكل غير مسبوق عند الشروع في توزيع ومنح العقار الاقتصادي بالطرق الجديدة التي يتضمنها مشروع القانون، والذي يمنح هذه الصلاحية بشكل مطلق للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار.
تعثر بسبب الرقمنة
ويدعو أعضاء البرلمان إلى ضرورة إرفاق الترسانة القانونية الجديدة، بتكريس الرقمنة التي تعد حجرة عثرة في طريق تقدم مشروع تطوير الاستثمار، بفعل المقاومة التي تشهدها هذه الأخيرة من طرف بعض الإداريين، وضعف شبكة الإنترنت.
ويقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني هشام صفر في تصريح لـ "الترا جزائر" أن الاستثمار في الجزائر حقق خطوات كبيرة خلال الفترة الأخيرة، ويبرز ذلك من خلال اهتمام السلطات العليا بتطويره، لاسيما وانه يندرج ضمن أهم أولويات رئيس الجمهورية.
في هذا السياق، لمس عدد من نواب البرلمان أهمية القانون الجديد عند عرضه عليهم، والذي حدد آليات واضحة لاستقطاب المستثمرين المحليين والأجانب إلا أن الأمر يتطلب حسب صفر، تفعيل الرقمنة التي تشهد تأخرًا ملحوظًا بعدد من القطاعات ولا تزال تصطدم بضعف سرعة الإنترنت.
وإضافة إلى رقمنة الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وتقديم تسهيلات للراغبين في استثمار أموالهم، فالقوانين الجديدة المتواجدة على طاولة البرلمان، والخاصة بالصفقات العمومية والعقار الاقتصادي، ستساهم في رفع العراقيل عن الاستثمار ومنح العقار الذي يعد أهم آلية لدفع المستثمرين والذي سيكون متبوعًا بنصوص تنظيمية، في حال حل معضلة البيروقراطية وتفعيل الحلول التكنولوجية.
ومن أجل تحقيق قفزة نوعية في مجال الاستثمار في الجزائر يجب، حسب المتحدث، تطبيق كل ما تم سنه من تشريعات في مجال الاستثمار على غرار المناطق الحرة، مشددًا: "من حيث النصوص، القوانين موجودة، لكن نحن اليوم بحاجة إلى تفعيل حقيقي لها، وتوفر الرغبة لدى القائمين على تنفيذها للعمل ميدانيًا، فالإرادة السياسية متوفرة لدى أعلى هرم في السلطة، ويتضح ذلك من توصيات رئيس الجمهورية وحرصه على تفعيل عجلة الاستثمار، لكن التنفيذ لا يزال متأخرًا، لذلك يجب تحرك الإطارات والولاة".
وأردف النائب البرلماني قائلًا: "نقترح أن تدخل القوانين الجديد حيز الخدمة بالسرعة القصوى، وأن تصدر النصوص التنظيمية المكملة لها في اقرب وقت، كما ندعو جميع القائمين على الملف إلى توفير المناخ الملائم للاستثمار ".
الهدف بلوغ "بريكس"
في هذا الاتجاه، يقول الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي، إن إقرار الحكومة لقانون استثمار جديد يعد تحديًا كبيرًا لبعث عجلة الاقتصاد، وأيضًا أحد أهم الأسلحة التي تستعملها الجزائر لتحسين المؤشرات الاقتصادية وبلوغ أرقام تؤلها لولوج تكتل "بريكس".
وثمن الحيدوسي النتائج التي تم الوصول إليها في مجال الاستثمار لحد الساعة، قائلًا في تصريح لـ "الترا جزائر": "شهدنا إقبالًا كبيًرا على الاستثمار منذ دخول النص الجديد حيز التنفيذ، بدليل أن رقم التسجيل على مستوى منصة الاستثمار فاق الألف، كما أن ما يميز هذه الاستثمارات أنها تهتم بالمجال الصناعي الذي تعول عليه الحكومة لرفع نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج الإجمالي، وبالتالي تسهيل انضمام الجزائر إلى تكتل بريكس".
ويشدد محدث "الترا جزائر"، على أن ما يدعو إلى التفاؤل اليوم هو عودة الاستثمار الأجنبي بعد غياب طويل، خاصة في أعقاب قانون المالية التكميلي لسنة 2009، والذي أقر القاعدة الاستثمارية 51/49، التي نفرت المتعاملين الأجانب منذ ذلك الوقت ولأزيد من 10 سنوات".
الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي: سُجّلت عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد تغيير النصوص والمصادقة قانون استثمار جديد
لكن، يرى الخبير على أنه بعد تغيير النصوص ودخول قانون استثمار جديد حيّز التنفيذ، سُجّلت عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهي مشاريع نوعية رغم أنها لم تبلغ بعد مائة مشروع، إلا أنها يرتقب أن تكون ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وأن تساهم في نقل التكنولوجيا والخبرة وتكوين اليد العاملة وأن تلعب دورًا في جلب استثمارات أخرى للجزائر التي بدأت تشهد عهدًا جديدًا للاقتصاد.