يتشبّث الجزائريون بممارسة طقوس وعادات قابلة للتفاوض في عيد الأضحى، يميزّها تحضيرات لأطباق دسمة تعطي للعيد نكهةوبهجة فريدة تختلف عن بقية الأيام، ولا تجدها إلا في "العيد الكبير" كما يطلق عليه في عديد مناطق البلاد، وإن اختلفت تسميات هذه الأطباق من منطقة إلى أخرى وتمايزت الوصفات وطريقة التحضير، فإن هناك إجماعًا بالقدر الكافي على مجموعة من المأكولات التي لا تغيب عن عيد الأضحى.
يحضّر الجزائريون خلال أيام العيد طبق الكسكسي بالعصبان وهو طبق يعتمد في تحضيره على أحشاء الأضحية
تتوحد الأطباق في عيد الأضحى بين الأفضل والأحسن والأهم في أول أيام العيد، إذ تجتمع الأسر بعد نحر الأضحية وسلخها ثم تنظيفها وتقطيعها لتكون جاهزة للتقسيم واستعمالها في التفنن في تحضير الأطباق التقليدية الجزائرية.
عقب الفراغ من صلاة العيد ونحر الأضحية، وسلخها وتنظيف كلّ أعضائها، ثم تقطيع البعض من أجزاءها لتحير وجبة الغذاء، تحرص العائلات على وتقطيها، يتمّ تحضير غذاء الأضحية في أوّل أيام عيد الأضحى المبارك عن طريق تقطيع الكبد والرّئتين والقلب، لتحضيرها إما لطهي الملفوف على الجمر أو قليها في الزيت وتقديمها مع البطاطا المقلية ومختلف أنواع السلطات، كغذاء خفيف، لكن لا يمكن تجاوزه إذ يعتبر أهمّ طبق تجتمع حوله الأسرة الجزائرية.
ونظرًا لأهمية المناسبة، يعتبر عيد الأضحى أكثر المناسبات التي تجمع العائلات بعدما طغت على يومياتهم السّرعة وظروف الحياة المهنية، إذ غالبًا ما يحضر الغداء ليكون جاهزًا تلتئِم حوله كلّ أفراد العائلة.
عمليا تنظيف الأضحية تأخذ وقتًا نسبيًا، وتحتاج إلى تظافر جهود أفراد العائلة خاصة النساء، فمنهن من تعتني بتنظيف رأس الذبيحة وشويها على الفحم مع الرجلين أيضًا، وأخرى تقوم بتنظيف الأحشاء والأمعاء ثم تقطيعها، ليكون رأس الأضحية جاهزًا للطهي في إناء كبير مع الماء حتى ينضج نهائيًا.
وتبعًا لذلك، تعتبر سمية بن عبد الرحمان من منطقة عين التين بولاية ميلة شرق الجزائر، أن تحضيرات وجبات عيد الأضحى لها نكهة خاصة، إذ تشارك والدتها في تنظيف أجزاء الأضحية وخصوصًا الأحشاء التي تحتاج حسب محدّثة " الترا جزائر" إلى التئام أفراد الأسرة في العملية التي تأخذ وقتًا وجهدًا كبيرين.
بين التنظيف وإعداد أشهى الأطباق
يصف رياض اليوم الأول من عيد الأضحى هو يوم للذبح والسلخ بينما تنهمك النساء في تنظيف الأضحية وإعداد غذاء العيد، مضيفا لـ"الترا جزائر": لا أحد يتناول شيئًا قبل الغذاء خاصّة وأن أول أكلة تعدها النساء هي إعداد الكبد والقلب والكليتين والاستمتاع بلذة مذاقها مع أنواع من المقبّلات ".
ويقدّم رأس الأضحية كطبق رئيسي في أول أيام عيد الأضحى في الجزائر، أو كما يسمّى في العديد من المناطق الجزائرية بـ" البوزلّوف" أو " الزلّيف" أو "الرّاس" فيما يفضل البعض طهي أرجل الأضحية مع الرأس وذلك بعد شويها على النار ثم تنظيفها جيدًا وتقسيمهم جميعًا لتوضع في إناء مع ماء على النار حتى تنضج، وغالبًا ما يكون وجبة دسمة دون خبز أو أي إضافات تقدّم جاهزة لأفراد العائلة في مساء يوم العيد.
يعتر طبق "الدوّارة" أو "الكرشة" أهمّ طبق في الجزائر في عيد الأضحى، إذ يتمّ غسل كل أعضاء جوف الأضحية ثم يتمّ تقطيعها قطعًا صغيرة، إذ هناك من يقوم بطهييها لوحدها وتسمّى طبق "الدوارة" مع خلطها مع القليل من الثّوم والبصل والتّوابل والطماطم والحمص.
كما تستخدم أحشاء الأضحية أيضًا في تحضير الكسكسي بالعصبان، وهو من بين الأطباق المشهورة خلال أيام العيد في الجزائر، قوامه أحشاء الأضحية أو كما يسمّى في بعض مدن الشّرق الجزائري بـ"الكرشة" أو "أمعاء الذبيحة"، إذ تتجمع بنات العائلة الواحدة في تنظيفها جيدا بالماء والملح حتى تكون جاهزة لتقسيمها إلى قطع صغيرة، ثم يقمن بتقسيم جزء من الأمعاء ليتم حشوها بقطع من أحشاء الأضحية مع الثّوم والبصل والحمص والأرز ، ثم خياطتها في شكل دوائر صغيرة، وتوضع في قدر كبير مع إضافة قطع من الكبد والقلب والرئتين مع إضافة التوابل والطماطم وتركها تغلي لحين أن تنضج جيدا، وتكون بذلك عبارة عن مرق الكسكسي.
من عادات الجزائريين يتم تناول هذا الطبق في اليوم الثاني من العيد، إذ تستعمل أحشاء الذبيحة لطبخ طبق الكسكسي، فضلًا عن الخضر والحمص.
تكافل وتضامن
الملاحظ أنه في الغالب لا يتمّ تقطيع اللّحم إلا في اليوم الموالي أي ثاني أيام عيد الأضحى، إذ يتمّ وضع الأضحية كما هي في مكان بارد حتى "ينشف الدّم" أو يجف لحم الأضحية قليلًا حدّ تعبير الجيلالي صياد لـ"الترا جزائر" مشيرًا إلى أنه يترك الأضحية معلقة في مكان إلى غاية اليوم الثّاني من العيد، فيقوم كبير العائلة بتقطيعها إلى أجزاء يترك الثّلث منها في البيت، كعادة معظم الجزائريين والبقية توزع على الفقراء أو تسلّم إلى جمعيات الحيّ الخيرية.
مناسبة عيد الأضحى فرصة لزيارة الأقارب وتفقد الأرحام والاطّلاع على أحوال الفقراء من الجيران ومواساتهم
في مقابل ذلك، تسعى العديد من الجمعيات الخيرية من خلال نشاطاتها في مثل هذه المناسبة الدينية، إلى توفير الأضاحي قبل قُدوم العيد أو توفير حصص من اللّحم لتوزعها على العائلات التي لم تتمكّن من شراء الأضحية، وذلك من خلال الصدقات والتبرعات، في أجواء يسودها التّكافل والبرّ والرحمة.