في أحد زوايا ميناء مرسيليا، جلست فاطمة، امرأة في منتصف الأربعينيات، بجوار زوجها أحمد، الذي تجاوز الخمسين من عمره، بملامح مملوءة بالقلق والتعب، وهي تنظر إلى ابنها الأكبر، ريان، الذي يحاول إلهاء شقيقته الصغيرة بلعبة على هاتفه المحمول، ففاطمة، كانت تفكر بعمق، مثل باقي أفراد أسرتها، وتأمل أن تكون يوم 28 تموز/جويلية 2024، في طريقها إلى الجزائر.
عضو لجنة النقل بالبرلمان لـ"الترا جزائر": استئجار باخرة "موبي دادا" لم يحترم المعايير ودفتر الشروط والدليل الأعطال المتكررة ما خلق أزمة وتأجيلات لرحلات أفراد الجالية
وتتساءل فاطمة، التي كان ينتظرها والديها وأقاربها لقضاء عطلة الصيف معهم، عمّا إذا كانت وزارة النقل تدرك حجم معاناة هؤلاء الأشخاص، وما إذا كان هنالك أي حلٍّ قريب ينقذهم من هذا الوضع المؤلم والمتكرر كل سنة.
عائلة فاطمة، ليست الوحيدة التي تعاني من هذه الأزمة، حيث وجد العديد من أفراد الجالية الجزائرية أنفسهم عالقين في موانئ أجنبية، عاجزين عن الوصول إلى الجزائر في الوقت المحدد.
وفي ظل هذه المعاناة، يبرز السؤال عن مسؤولية وزارة النقل في ضمان راحة وسلامة الجالية، فما يحدث اليوم يفرض، حسب الخبراء، تغييرًا جذريًا في شروط تأجير السفن مستقبلاً، لضمان احترام المعايير وراحة الركاب، كما أن الوزارة ملزمة بإيجاد حل فوري لهذا الوضع، إذ لا يمكن أن تستمر معاناة الجالية بهذا الشكل، وفق متابعين.
تبريرات المؤسسة
سخرت، المؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، في إطار برنامج رحلاتها لموسم الاصطياف أربع بواخر ذات طاقة استيعابية كبيرة لتمكين أفراد الجالية الوطنية في الخارج من قضاء العطلة في الجزائر، إلّا أن مشكلة تأجيل الرحلات المتكرر باتت تؤرق المسافرين وتطرح عدة تساؤلات حول مصير برنامج الرحلات المتبقي. خاصة وأن توصيات الرئيس عبد المجيد تبون واضحة للحكومة بضرورة التكفل الأمثل بالجالية الجزائرية في الخارج خلال موسم الاصطياف الجاري.
وبالعودة إلى تفاصيل البرنامج المعلن من قبل المؤسسة الوطنية للنقل البحري، فقد كشفت هذه الأخيرة مع بداية الموسم عن جاهزية الأسطول لتلبية كافة الطلبات، ويتعلق الأمر بباخرة "باجي مختار"، "الجزائر 2"، و"طاسيلي 2"، بالإضافة إلى باخرة مؤجرة ذات طاقة استيعابية كبيرة وهي "موبي دادا" التي تعطلت لمرتين.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، في آخر بيان لها، عن تأجيل الرحلات المبرمجة على متن السفينة المستأجرة "موبي دادا" جراء التأخر في إصلاح الأعطال المتكررة في منظومة التكييف.
وأوضحت المؤسسة أنه "لظروف قاهرة خارجة عن إرادتها، تعرب عن أسفها الشديد وتعلم زبائنها بأن الرحلات المبرمجة على متن السفينة المستأجرة ستعرف تأجيلات إلى غاية إشعار آخر بسبب التأخر في إصلاح الأعطال المتكررة في منظومة التكييف من طرف مالك السفينة، وهو ما قد يؤثر على صحة وراحة المسافرين خاصة في هذه المرحلة المتسمة بالحر الشديد".
من جهته، حمّل النائب عن الجالية الجزائرية بالخارج، عبد الوهاب يعقوبي، السلطات مسؤولية الأوضاع التي آل إليها قطاع النقل البحري في الجزائر جرّاء عدم التزام الناقلين بالبرنامج المسطر الخاص بنقل المسافرين خلال موسم الاصطياف، وهو الأمر الذي زاد من معاناة أبناء الجالية الجزائرية في الخارج، وفقه.
وأوضح يعقوبي في تصريح لـ"الترا جزائر" أن "الصور التي تم تداولها مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي أظهرت مئات المسافرين عالقين في الموانئ الأجنبية نتيجة التأخيرات وتأجيل الرحلات، أمر غير مقبول". مشيرًا إلى أنه نبّه وحذّر ودق ناقوس الخطر منذ أشهر، غير أنه لم يتلقَّ أي رد فعل واضح وجاد في هذا الإطار. وقال: "بتاريخ 25 آذار/مارس 2024، وجّهت مراسلة كتابية لوزير النقل حول معاناة زبائن الشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، إلا أن هذا الأخير لم يرد على مضمون المراسلة."
وأشار المتحدث إلى أن "بطل الأعطال" هذا الصيف هي سفينة "موبي دادا"، وهي باخرة صُنعت في الثمانينيات واستأجرتها الشركة الوطنية في شهر كانون الثاني/جانفي الماضي من مالك إيطالي لتلبية الطلب خلال هذا الموسم.
هذه معايير السلامة المطلوبة
من جهته، يرى عضو لجنة النقل والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية بالمجلس الشعبي الوطني، إلياس قمقاني، أن استئجار السفن لنقل المسافرين يخضع لمعايير واضحة تثبت كفاءتها الاقتصادية وتضمن سلامة وراحة الركاب، الأمر الذي لم نره في السفينة الإيطالية "موبي دادا" التي تم استئجارها من مالك إيطالي بداية السنة، لتلبية الطلب الكبير على الرحلات خلال موسم الصيف، حيث سجلت هذه السفينة عدة أعطال.
وقال قمقاني لموقع "الترا جزائر" إن "اتخاذ قرار استئجار سفن لنقل المسافرين هو أمر معمول به في جميع الدول، بما فيها البلدان المتطورة، وذلك من أجل تلبية الطلب المتزايد على الرحلات البحرية خاصة خلال موسم الصيف، غير أن التساؤل المطروح اليوم يتمثل في مدى احترام المعايير وبنود دفتر الشروط في عملية الاستئجار، خاصة في ظل تسجيل أعطال متكررة تسببت في خلق أزمة وتأجيلات في الرحلات وتذمر المسافرين".
قضية "موبي دادا" ستضع المسؤولين على شركة النقل البحري وصفقة الاستئجار تحت طائلة النقاش البرلماني بداية من الدورة المقبلة
وأضاف: "يجب التأكد قبل إجراء أي صفقة لاستئجار السفن من أن هذه الأخيرة اجتازت جميع الفحوصات الفنية وتمتلك شهادات السلامة البحرية". وكذلك مراجعة تاريخ السفينة لضمان "عدم وجود حوادث أو مشاكل سابقة، وأيضاً مراجعة سمعة الشركة المالكة للسفينة وخبرتها في تشغيل السفن المماثلة".
وأوضح المتحدث أن لجنة النقل بالغرفة السفلى للبرلمان سبق أن استمعت لمسؤولي المؤسسة الوطنية للنقل البحري في بداية موسم الاصطياف في إطار الجلسات المنظمة من قبل نواب البرلمان للوقوف على مدى جاهزية المؤسسة لاستقبال الجالية الجزائرية في الخارج، وكذلك تنظيم رحلات بحرية للمسافرين من الجزائر إلى عدة دول مطلة على البحر المتوسط، حيث أكد هؤلاء أن "المؤسسة وضعت برنامجاً خاصاً لموسم الاصطياف يتمثل في تسخير أربع بواخر، منها واحدة مستأجرة تربط بين الجزائر وفرنسا وكذلك إسبانيا وإيطاليا".
كما دعا المتحدث إلى ضرورة تبني إستراتيجية واضحة لتطوير قطاع النقل البحري للمسافرين في الجزائر وذلك لتفادي تكرار سيناريو الأعطال والتأجيل في الرحلات وذلك من خلال العمل على تحديث الأسطول البحري، وتشجيع الاستثمار في شراء أو استئجار سفن حديثة تتمتع بكفاءة عالية ومعايير سلامة متقدمة، وتنفيذ برامج صيانة دورية لضمان جاهزية السفن وتقليل الأعطال.
الملف على طاولة البرلمان
بالمقابل، أكد عضو لجنة النقل بالغرفة السفلى للبرلمان سالم بن يطو في تصريح لـ"الترا جزائر" أن قضية التأخيرات المسجلة في قطاع النقل البحري والأعطال المسجلة في السفن المستأجرة، ستكون محل نقاش بالمجلس الشعبي الوطني بداية من الدورة المقبلة.
ولفت بن يطو إلى أنّه "سيتم برمجة لقاءات مع مسؤولي الشركة للاستماع إليهم ومعرفة حقيقة الوضع والمبررات التي سيقدمونها، خاصة وأن الرئيس عبد المجيد تبون شدد مرارًا وتكرارًا على ضرورة التكفل الأمثل بأبناء الجالية الجزائرية في الخارج. كما أوصى بتطوير قطاع النقل والرفع من مستوى الخدمات بما يليق بهذه المؤسسة الوطنية."