توقّع ناشرون ومكتبيّون في بداية أزمة كورونا، انتعاشًا في سوق الكتاب نتيجة الحجر المنزلي، الذي فرضته إجراءات الوقاية من هذا الوباء المستجد، فعادة ما تزيد المطالعة والقراءة خلال فترات الراحة والإجازات، ونتيجة البحث عن ملء الفراغ اليومي والعزلة المنزلية، تنبأ مسيّرو المكتبات بإقبال الزبائن على الكتب والمطالعة في هذه الفترة.
منذ تفشّي فيروس كورونا شهد سوق الكتاب تراجعًا وانخفاضًا كبيرًا في المبيعات
لكن على ما يبدو أن ما حدث هو العكس تمامًا، حيث تبدو مكتبات وسط المدينة التي فتحت أبوابها مؤخّرًا، مهجورة وسط المحلّات التجارية المغلقة، والشوارع الفارغة من المارّة والازدحام اليومي.
اقرأ/ي أيضًا: المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين
ومنذ تفشّي فيروس كورونا وإقرار تدابير احترازية للوقاية من انتشار الوباء، شهد سوق الكتاب تراجعًا وانخفاضًا كبيرًا في المبيعات، على غرار باقي النشاطات التجارية والخدماتية الأخرى، وفاقمت أزمة كورونا من متاعب يعرفها قطاع النشر والكتاب.
الوضع المادي والنفسي
في هذا الموضوع، أبدى مدير مكتبة الياسمين بمدينة مستغانم مصطفى معاش، خيبته من وضعية سوق الكتاب، وحذّر من أن الإفلاس سيكون مصير الكثير من المكتبات إن استمر الوضع على ما هو عليه، مع استمرار أزمة "كوفيد-19"، حيث أثّرت الأزمة على حركة البيع سلبًا.
وتابع المتحدّث في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن المقروئية في الجزائر تعرف من قبل نقصًا وتراجعًا، وأن تداعيات أزمة كورونا ضاعفت من أزمة القراءة والكتاب، كما عقدت من الوضع المالي للمكتبات.
وفي ردّه على سؤال حول أسباب هذه الأزمة، أشار المتحدّث إلى الدوافع المادية، موضحًا أن الكثير من المواطنين توقّفوا عن العمل، وأن المحلّات أغلقت، مذكّرًا أن الكثير من الزبائن كانوا يضعون ميزانية شهرية لاقتناء الكتب.
في ذات السياق، قال مصطفى معاش، إن الجانب النفسي دفع بالكثيرين إلى عدم التركيز في فعل القراءة. في مقابل ذلك، هناك اهتمامٌ بالغ بتتبع أخبار الوباء، وعدد ضحاياه، وتداعيات الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
المزيد من المتاعب
يُعاني الناشرون في زمن فيروس كورونا من متاعب إضافية، تكمن في غياب البنية الأساسية لعملية توزيع الكتاب، وبحسب الناشر توفيق إزدي، لا تتوفر صناعة الكتاب على شبكة توزيع قويّة يمكن الاعتماد عليها في توصيل الكتاب، سواءً للمكتبة أو الترويج للكتاب عبر البيع "أونلاين"، مضيفًا أن شركات توصيل الكتاب تفرض مقابلًا ماديًا مرتفعًا نسبيًا مقارنة بسعر الكتاب الأصلي.
وقال الناشر في حديث لـ "الترا جزائر"، إن الأزمة تضاعفت بسبب توقف دوران المطابع، وهذا نتيجة نقص في المواد الأولية كالورق أو المواد الخام المستوردة من الخارج، خاصّة من الصين، نتيجة توقّف الشحن والتجارة الدولية.
وكشف إزدي، أن المكتبات تأثّرت سلبًا بمواعيد حظر التجوال، وتقليص عدد ساعات العمل بالمكتبات، وإحجام المواطن عن النزول إلى الشارع والتسوّق، إضافة إلى حظر التنقّل بين المدن، وكلّها عوامل تسبّبت في تراجع حركية المبيعات بالمتاجر، زيادة على تعليق الأنشطة الثقافية داخل المكتبات التي تساهم في العادة في رفع المبيعات.
وأبدى المتحدّث تشاؤمه من إمكانية انتعاش التجارة الإلكترونية، نظرًا إلى غياب بنية تحتية للتوصيل بأسعار مدروسة ومعقولة، وفي غياب أرضية بنكية تسمح للمشترين باقتناء الكتاب عن بعد، على حدّ قوله.
ثقافة الجزائري في التسوّق، تعتمد على ملامسة وتصفح الكتاب والنظر إلى نوعية الطباعة، بحسب إزدي، مشيرًا إلى أنّ غياب المواقع الكبرى التي تسوق الكتب أونلاين مثل "أمازون"، وفي ظلّ هذا الغياب، "فالثقة منعدمة لدى قرّاء الكتاب الإلكتروني المدفوع، نتيجة وجود كتب مقرصنة بشكلٍ كبير توفّرها شبكة الإنترنت مجانًا دون رقابة".
في هذا السياق، قال المتحدث إنه لا حديث عن النشر الإلكتروني في الجزائر، ما دام الكتاب الورقي لا يزال يعاني ضعفًا وينقصه الكثير، وأن الجزائري يستأنس أكثر بالكتاب الورقي، يضيف الناشر.
المعرض الدولي للكتاب
في سياق مرتبط، يتخوّف كثير من القرّاء من تأجيل أو تعليق المعرض الدولي للكتاب، الذي يُعقد في أواخر شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من كل سنة، حيث يوفّر هذا المعرض، فرصة لاقتناء ومطالعة آخر إصدارات دور النشر الأجنبية وخاصّة العربية، كما أنه مناسبة جيدة للتفاعل بين الكاتب والقرّاء.
أعلمت عديد من دور النشر العالمية على غرار المؤسّسات الخدماتية، مؤلفيها وكتابها بحالة الإفلاس والضرر المالي الذي لحقها بسبب جائحة كورونا، ووجود ضبابية في انتعاش سوق الكتاب على المدى القريب، بسبب احتمال إلغاء معارض بيع الكتب الدولية والمحلية، وتعليق النشاطات الثقافية الخاصّة بترويج الكتاب، وحفلات توقيع الإصدارات.
يحتاج قطاع النشر والكتاب في الجزائر إلى دعمٍ كبيرٍ من السلطات المعنية خاصّة وزارة الثقافة
عمومًا، ومع استمرار تداعيات فيروس كورونا، يحتاج قطاع النشر والكتاب في الجزائر إلى دعمٍ كبيرٍ من السلطات المعنية، خاصّة وزارة الثقافة، إضافة إلى ضرورة طرح آليات تمويل خاصّة لإنقاذ ما تبقّى من دور النشر والمكتبات الوطنية، التي تعاني كغيرها في الكثير من القطاعات الحيوية، من شبح الإفلاس والغلق.
اقرأ/ي أيضًا:
ما بعد صالون الكتاب 2019.. إصدارات جديدة بين الاحتفاء والاختفاء