نظرًا للتعقيدات القضائية وصعوبات إجراءات استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج، وفي إطار البحث عن الموارد المالية وسبل استرجاع الأموال المختلسة، اقترح مخطط عمل الحكومة "اللجوء إلى تسوية ودية تضمن استرداد الأموال المختلسة"، ولكن لم يحدّد هذا المخطط كيفية استعادة الأموال ولا الأطر القانونية التي تحدّد طرق ذلك. إذا لا يزال هذا الملف مبهمًا رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية وتمسّك بها بعد ذلك في خطاباته.
نائب سابق: استعادة الأموال يشبه قانون الوئام الوطني أو قانون المصالحة الوطنية الذي أقر قواعد قانونية خاصّة تعتبر استثناء من قانون العقوبات
هذا الملف تناوله أحزاب سياسية خلال الحملة الانتخابية للتشريعيات السابقة، داعيًا إلى إجراء مصالحة وطنية اقتصادية تشمل مسؤولين في الدولة، ورجال أعمال موجودين في السجن بتهم الفساد، شريطة استرجاع الأموال والأملاك المحوّلة إلى الخارج.
اقرأ/ي أيضًا: أموال الجزائريين المهرّبة إلى الخارج.. هل يُمكن استرجاعها؟
في هذا الإطار، دعا عبد العزيز بلعيد رئيس حزب المستقبل، إالى مبادرة من أجل استرجاع الأموال المنهوبة، مقابل مصالحة مع رجال الأعمال المدانين في قضايا فساد ونهب المال العام، وتضمنت مبادرة حزب المستقبل التفاوض مع المسؤولين ورجال الأعمال المتورّطين في قضايا فساد من أجل استرجاع المهربة إلى الخارج مقابل صدور عفو عنهم أو تخفيف من أحكام السجن.
وفي نفس الاتجاه طالب رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة إلى التفاوض مع ما سماها بـ"العصابة" لاسترجاع الأموال المنهوبة، وقال في تجمع شعبي "بدلًا من الحكم على أفراد العصابة ليتوفوا في السجن، لما لا نسترجع 250 مليار دولار مقابل تخفيف الاحكام الصادرة ضدهم" مقترحًا إجراء استفتاء شعبي في المسألة.
وقد أثارت مبادرة عبد العزيز بلعيد ودعوة عبد القادر بن قرينة جدلًا واسعًا في الجزائر، بين مؤيد للفكرة كونها حلًا ناجعًا وسريعًا، يُمكن تطبيقه بعيدًا عن التعقيدات القضائية الدولية، وطرف منتقد للمبادرة كونها مرفوضة من طرف عامة الشعب، الذي كان أكبر ضحية التبذير والنهب خلال حكم حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فخلال عقدين من الحكم تم صرف 1500 مليار دولار، ليعيش المواطن خلال جائحة كورونا أزمة الأكسجين ونقص الادوية وعدم توفر أسر بالمستشفيات.
جدير بالذكر، أنه لا توجد أرقام دقيقة عن الأموال المنهوبة خارج البلاد، إذ قدرتها مصادر إعلامية وتصريحات صحفية بـ 200 مليار دولار تم تهريبها منذ 2015، فيما يرى البعض أن الرقم 200 مليار مُبالغ فيه.
وفي إطار وضع الأليات استرجاع الأموال والممتلكات المختلسة، استحدثت الحكومة صندوق خاص بالأموال والاملاك المنهوبة المصادرة في اطار قضايا محاربة الفساد، وكشفت وزارة العدل عن حصيلة أولية لعمليات المصادرة للأموال والممتلكات منذ بداية محاكمة رجال الاعمال والمسؤولين في الدولة، قدرت بـ 850 مليون دولارًا أميركيًا، حجز 4766 مركبة، وست سفن و301 من القطع الأرضية و119 شقة سكنية و27 محلًا تجاريًا، فيما تبقى البقية في انتظار صدور أحكام نهائية للمحكمة العليا.
مخاوف النواب
في السياق، اعتبر النائب كمال بن خلوف من حركة البناء في حديث "التر جزائر"، أن مقترح التسوية الودية لاسترجاع المال المنهوب هي مقاربة قائمة على استخلاص التجارب من دول حاولت استرجاع المال المسروق.
وأوضح أن بعض الدول انتهجت السبل القضائية والمحاكمة لاسترداد الأموال غير أنها باءت بالفشل، فلجأت إلى المصالحة الاقتصادية، وأكد أن المقترح الحكومي يصب في صالح العام، الذي هو بحاجة إلى تلك الأموال التي تستثمر بالداخل بدل أن تستفيد منها دول بالخارج.
وأشار أن المرحوم محفوظ نحناح كان سبقًا في الدعوة إلى المصالحة الاقتصادية، بعد دعوته سنة 1995 إلى العفو عن رجال المال مقابل استرداد الأموال المحولة إلى الخارج واستثمارها بالداخل.
التسوية مرهونة بالشفافية
واستطرد النائب أن اجراء التخفيف أو العفو لابد من أن تجرى في ظلّ الشفافية والقانون، وليس معنى ذلك أن يتم تبيض أفعال المختلسين والفاسدين، ورفع التجريم عن مسؤوليتهم.
ويختم أن المقاربة تعتمد على المصلحة المقدمة على المفسدة، وأن الجزائر بحاجة إلى موارد مالية، التي هي ملك للشعب الجزائري، على حدّ قوله.
من جانبه، ذلك أبدى نواب من حركة المجتمع السلم مخاوف من مقترح الحكومة، الذي لم يوضح بشكل كافي الاليات والإجراءات أو التصور العام للتسوية الودية، هذا وقد سبق أن رفض عبد الرزاق مقري رئيس حركة المجتمع الإسلامي مقترح التفاوض مع رجال الاعمال والمسؤولين الفاسدين، معتبرا أن فتح الأبواب للتفاوض من شأنه إعادة تدوير ما وصفها " بالمافيا"، مشيرا أن ذلك سيضعف من هيبة الدولة".
قانون خاص
من جهته، وبخصوص السند القانوني الذي يمكن أن تعتمده الحكومة، في حالة الموافقة على المقترح في ظلّ وجود أحكام قضائية نهائية، صدرت في حقّ بعض المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال، قال فاتح ڨرد، النائب السابق والخبير القانوني، إنه في حالة موافقة البرلمان على المخطط يكون البرلمان أجاز للحكومة من تحول الفكرة إلى مشروع وبالتالي إيجاد ألياته العملية.
وتابع محدث "التر جزائر"، بعد المصادقة سيتم إيجاد النصوص القانونية الخاصة بالنقطة المدرجة والموافق عليها، موضّحًا أن العملية تشبه-مع الفارق- قانون الوئام الوطني أو قانون المصالحة الوطنية الذي أقر قواعد قانونية خاصة تعتبر استثناء من قانون العقوبات. وبخصوص التسوية الودية، في تقدير النائب السابق سيتم إصدار قوانين خاصة تكون استثناء لقانون مكافحة الفساد.
يبقى الفاصل هو شفافية التعامل مع ملف الأموال المهرّبة للخارج وليس تكريس سياسة للأعقاب
يشكّل قرار التسوية الودية لاسترجاع الأموال المهّربة إلى الخارج، وسيلة اعتمدتها دول كثيرة تفاديًا للتعقيدات التي تعرفها عمليات من هذا النوع، ويبقى الفاصل هو شفافية التعامل مع الملف وليس تكريس سياسة للأعقاب.
اقرأ/ي أيضًا:
استحداث صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة
زغماتي: الجزائر ستستعيد الأموال المهربة للخارج مع احترام سيادة الدول