السُل مرض معدٍ خطير يُصيب الرئتين، ينتقل من شخص إلى آخر من خلال رذاذ حامل للبكتيريا ينتشر في الهواء عبر السعال والعطاس، وهو وباء يتطلب من السلطات تحركًا آنيا لاحتوائه، ما يُفسر المسارعة إلى تفعيل جهاز اليقظة بعد اكتشاف حالات إصابة لدى مهاجريين سريين بالجزائر.
الخبير في الفيروسات ملهاق: حالات الإصابة بالسُل الآتية من الخارج لا يمكن التحكم فيها لأن حامليها يكونون في الغالب غير ملقحين ضد هذا المرض
ومنذ الكشف عن هذه المعلومة، أبدى الكثيرون مخاوفهم على مواقع التواصل ونشر أطباء نصائح للوقاية من المرض، خاصة أن المسألة تتعلق بالصحة العامة، فمرض السُل يعرف بسرعة انتشاره بين السكان، وهو من أكثر الأوبئة فتكًا التي مازالت تنتشر في أغلب الدول وتخصص لمحاربتها سنويًا ميزانيات ضخمة.
وفي الواقع، يلقي اكتشاف حالات للسُل في أوساط مهاجرين سريين مسؤولية مضاعفة، كون هذه الفئة تعيش في ظروف هشة والواجب الإنساني يفرض تكفلاً تاما بها، خاصة أن هناك الكثير من الأطفال الذين يجب حمايتهم في ظل ما نراه في الشارع من سلوكات غير مسؤولة من أوليائهم الذين يستعملونهم في التسول، وهو ما يجرمه بشدة القانون الجزائري.
حالة تأهب قصوى
ويظهر من نص المراسلة التي وجهها ديوان ولاية الجزائر إلى مصالح قطاعي الصحة والحماية المدنية، أن ثمة حالة تأهب قصوى لاحتواء الوضع من خلال التكفل بالمصابين فورًا ورصد حالات الأشخاص الذين رفضوا الخضوع للعلاج لعدم إدراكهم خطورة المرض وتأثيره على الأشخاص المحيطين بهم.
وتُذَكّر مصالح ولاية الجزائر تحديدًا أنه "تم تسجيل تزايد في انتشار مرض السل في وسط الرعايا الأفارقة المقيمين في الجزائر بطريقة غير شرعية في مستشفى بمنطقة الأربعاء في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية"، ونبهت إلى أن "بعض المصابين رفضوا التحويل نحو المؤسسات الاستشفائية المختصة من أجل الخضوع للعلاج اللازم."
وفي مثل هذه الحالات، يوجد بروتوكول صارم يتم العمل به، وهو ما أشارت إليه المراسلة بطلبها من مدير الصحة على مستوى الولاية "تعزيز جهاز اليقظة والإنذار المبكر بالتنسيق مع المؤسسات التابعة لقطاع الصحة، والسهر على اتخاذ كل التدابير الوقائية ومتابعة التكفل الطبي بالإصابات على مستوى المؤسسات الصحية بالإضافة إلى تكثيف عمليات التلقيح"، كما أمرت مصالح الحماية المدنية للبقاء في "حالة استعداد للتدخل عند الاقتضاء لتحويل المصابين."
جهود مكافحة المرض
وليست حالات عدوى السُل في الجزائر نادرة تمامًا، إذ على الرغم من مساعي البلاد للقضاء عليه من خلال برنامج وطني ورزنامة لقاح ووضع دليل للتكفل يعتمد على الكشف المبكر للمصاب ولعائلته من أجل الحد من انتشار هذا المرض، إلا أنه يبقى حاضرًا بدليل تسجيل 18 ألف حالة سنة 2022 وفق الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة.
وبالنظر لما يمثله هذا المرض من عبء على المنظومة الصحية وخطورة على السكان، تحيي وزارة الصحة سنويًا اليوم العالمي لمكافحة السل الذي يصادف 24 آذار/مارس والذي كان شعاره هذه السنة "نعم! يمكننا وضع حد لمرض السل!".
ووفق وزير الصحة عبد الحق سايحي فإن مرض السُل يتسبب في وفاة أكثر من 4100 شخص يوميا في العالم، ويصاب به ما يقارب 28 ألف آخرين، في حين سمحت الجهود العالمية لمكافحة السل حسبه بإنقاذ ما يقدر بنحو 66 مليون شخص منذ عام 2000.
وأبرز أن حوالي ربع سكان العالم مصابون بالسل الكامن، أي هؤلاء الأشخاص لم تظهر لديهم بعد أعراض المرض ولا يمكنهم نقل المرض، سيما إذا كانوا يعانون من سوء التغذية أو خضعوا لعلاج مثبط للمناعة بسبب مرض آخر.
أنواع السُل وأخطره
ويؤكد المختصون في هذا السياق، أن مرض السل نوعان: الأول يكون فيه المريض حاملًا للبكتيريا لكنها غير نشيطة ولهذا لاتظهر عليه أعراض، والثاني تكون فيه البكتيريا نشيطة وتظهر الأعراض على المريض، والتي من أبرزها: السعال الحاد لمدة طويلة المصحوب بدم ومخاط، وألم في الصدر، وألم أثناء التنفس أو السعال، وفقدان الوزن غير المقصود، الإرهاق، الحُمّى والتعرّق الليلي والقشعريرة وفقدان الشهية، كما يمكن للسُّل أن يصيب أجزاءً أخرى من الجسم، مثل الكلى والعمود الفقري والدماغ، وفي هذه الحالة تختلف العلامات والأعراض وفقًا للعضو المصاب. فعلى سبيل المثال، قد يتسبب داء السل الذي يصيب العمود الفقري في الشعور بألم في الظهر، بينما قد يتسبب مرض السل الذي يصيب الكلى في وجود دم في البول.
وزير الصحة: تسجيل أزيد من 18 ألف حالة إصابة بالسل في 2022 من بينها 25,26 % تتعلّق بالسل الرئوي
وفي الجزائر، كشف الوزير عن تسجيل أزيد من 18 ألف حالة إصابة بالسل في 2022، من بينها 25,26 من المائة تتعلّق الإصابة بالسل الرئوي، مشيرًا إلى أن معدل الإصابات يقدر بـ9,8 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهي في انخفاض ثابت منذ أكثر من 10 سنوات، و بـ 74 من المائة من العدد الكلي للمصابين بداء السل خارج الرئة، مع معدل إصابة مقدر بـ30,4 حالة لكل 100 ألف نسمة.
ويبقى الإشكال الأكبر وفق الوزير، يتعلق بالسُل خارج الرئة حيث سجل عدد حالات يقدر ب 13.769 أي ما يعادل (74.74 %) من الحالات العامة المكتشفة، مع نسبة 30.4 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهو ما يتطلب حسبه إعادة توجيه الأولويات لمكافحته.
علاج السُل في الجزائر
في حديث لـ"الترا جزائر"، قال الدكتور محمد ملهاق، الباحث في علم الفيروسات إن داء السل تراجع كثيرًا في الجزائر في السنوات الأخيرة لكن حالات الإصابة الآتية من خارج الحدود لا يمكن التحكم فيها، لأن الأفراد القادمين بطريقة غير نظامية يكونون في الغالب غير الملقحين ضد هذا المرض.
وأوضح المتحدث أن البكتيريا التي تسبب مرض السل يطلق عليها اسم المتفطرة السلية أو عصيات كوخ (mycobacterium tuberculosis)، وتصيب أساسًا الرئتين، مشيرًا إلى أن عدوى داء السل تحدث بشكل رئيسي عندما يتنفس الأشخاص هواءً ملوثًا بالبكتيريا بعد سعال او عطاس شخص مصاب.
وأضاف الدكتور أنه عدا التشخيص السريري والذي يُحدّد أعراض السل، يقوم الطبيب بتشخيصات أخرى لتأكيد المرض مثل الأشعة السينية والفحص المجهري والمزرعة البيولوجية واختبار الجلد بالنسبة للسل غير النشط.
وأما عن العلاج، قال الدكتور إن البروتوكول الوطني يعتمد على المضادات الحيوية لمدة تفوق 6 أشهر وفق جرعات محددة، مشيرا إلى وجود إشكال لدى بعض مرضى السل الذين يعانون من عدم نجاعة العلاج نتيجة ظهور مقاومات البكتيريا للمضادات الحيوية نتيجة استعمالها بطريقة عشوائية وبدون استشارة طبية.
وشدد ملهاق على أهمية وضرورة اللقاح ضد السل (BCG) والذي يقدم في الجزائر عند الولادة ويترك بثورًا حمراء في مكان اللقاح تثبت فعاليته في جسم الإنسان.
والمعول حسب سلطات وزارة الصحة، العمل على القضاء نهائيًا على هذا المرض في البلاد بحلول سنة 2030. ويتم لهذا الغرض، وضع دليل مكافحة السل، الذي سيسمح بتطوير الإجراءات التقنية لبرنامج السل الوطني وتكييفه مع التوصيات الجديدة لمنظمة الصحة العالمية، ومسايرته مع التغيرات الديمغرافية والوبائية والعلاجية التي تشهدها الجزائر.