19-أكتوبر-2024
مدرسة

(الصورة: فيسبوك)

رغم مرور نحو شهر على بداية السنة الدراسية، إلا أن بعض المؤسسات التربوية ما تزال تعاني من مشاكل عديدة تعكر صفو الطاقم التدريسي والتلاميذ، وفي مقدمتها الاكتظاظ الذي عاد هذه السنة بشكل لافت في عدة ولايات، رغم مليارات الدولارات التي تخصص سنويا في قانون المالية لهذا القطاع الذي يعد من أعلى الميزانيات في البلاد.

بعدما تراجع مشكل الاكتظاظ نسبيا في السنتين الأخيرتين، عاد ليظهر بشكل جلي خلال السنة الدراسية الجديدة رغم وضع السلطات خططًا للتقليص من هذه الظاهرة

وبعدما تراجع مشكل الاكتظاظ نسبيا في السنتين الأخيرتين، عاد ليظهر بشكل جلي خلال السنة الدراسية الجديدة رغم وضع السلطات خططًا للتقليص من هذه الظاهرة، وبالخصوص في المدن الكبرى التي تعرف أقسامهما تدريس عدد من التلاميذ يفوق المعدل المخصص للحجرة الواحدة.

انزعاج

لعل أبرز قضية لفتت هذا الأسبوع الأسرة التربوية بسبب الاكتظاظ هو ما حدث في متوسطة محمد لخضر الأخضري ببلوطة  ببلدية السويدانية غربي العاصمة الجزائر، والتي دخل أساتذتها في إضراب بعدما وصل عدد التلاميذ في القسم الواحد إلى أكثر من 50 تلميذا، فيما لا يتعدى هذا العدد بمتوسطة جديدة مجاورة 20 تلميذا.

وأثارت هذه القضية الرأي العام، فقد كتب النائب البرلماني المنتخب في قائمة الجزائر العاصمة عن حزب جبهة التحرير الوطني علي ربيج في منشور على فيسبوك "بلاغ إلى السيد وزير التربية، التدخل بشكل مستعجل وسريع بسبب التأخر في الاستجابة لمطالب طاقم التدريس والعمال لمتوسط محمد لخضر الأخضري ببلوطة  بلدية السويدانية، لتحسين ظروف العمل والتمدرس للتلاميذ، الأمر الذي دفع الأساتذة والعمال الدخول في إضراب مفتوح منذ تاريخ  2 أكتوبر الجاري ،رغم تدخلنا المباشر لكن دون جدوى، وعليه ندعوكم التدخل وبشكل مستعجل لتمكين التلاميذ من العودة إلى مقاعد التمدرس مع إيجاد مناخ وظروف جيدة لطاقم التدريس والعمال".

ونقلت قناة "النهار" الخاصة عن مدير المتوسطة قوله إن أقصى طاقة استيعاب لمؤسسته لا تزيد عن 720 تلميذا، فيما وصل عددهم هذا العام إلى 1200 تلميذا.

وحسب شهادات أولياء التلاميذ، فإن متوسطة بن دادة المجاورة رفضت استقبال تلاميذ، بحجة أن من يطلبون التحويل إليها من "أبناء الأحواش"، في تصرف غير قانوني وتمييزي يستدعي فتح تحقيق في هذه السلوكيات.

وقال مدير متوسطة لخضر الأخضري إن مؤسسته استقبلت 350 تلميذا جديدا، فيما استقبلت مؤسسة بن دادة 17 تلميذا فقط، بالنظر إلى أن مديرها رفض استقبال التلاميذ رغم تقدم أولياءهم للدراسة بهده المتوسطة الجديدة.

وكلّل إضراب الأساتذة بالاستجابة إلى مطالبهم، فقد أشار النائب البرلماني علي ربيج إلى أن مشكل متوسطة بلوطة قد حل بعد تدخل مصالح الوزارة الأولى ووزير التربية معا.

وبالعاصمة، منع بعض أولياء تلاميذ متوسطة سعيد صالح بحي الحميز ببلدية الدار البيضاء شرقي العاصمة أبناءهم من التوجه للدراسة جراء للاكتظاظ حسب ما تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي.

وبولاية الجلفة، شكل موضوع الاكتظاظ أحد النقاط التي أثيرت في اجتماعات المجلس الولائي، حيث دعا أحد الأعضاء إلى "ضرورة بناء متوسطة و3 ابتدائيات وثانوية بالجهة الغربية بالإدريسية لفك الاكتظاظ والاستغناء عن الحلول الترقيعية" .

وبولاية بومرداس، نقلت صفحة مدينة خميس الخشنة التي لها 47 ألف متابع على فيسبوك أنه بسبب الاكتظاظ لم تستقبل ثانويات البلدية التلاميذ الراسبين في البكالوريا لأول مرة، رغم التعليمات الموجهة للمؤسسات التربوية بضرورة العمل على إعطاء فرصة لهذه الفئة للتقليل من التسرب المدرسي.

وقال رئيس المؤسسة الجزائرية لإطارات التربية والتعليم عومر بن عودة لـ" الترا جزائر" الذي يشغل منصب مدير ثانوية إن معدل الاكتظاظ ارتفع هذه السنة في بعض المؤسسات التربوية، وبالخصوص بعد قرار إدماج جميع التلاميذ طالبي إعادة السنة، إضافة إلى نقص المؤطرين في بعض المؤسسات، مبينا أن هذه الظاهرة تسجل بالخصوص بالمدن الكبرى كالعاصمة التي قد يصل عدد التلاميذ في القسم أحيانا إلى أكثر من 50 تلميذا.

رئيس المؤسسة الجزائرية لإطارات التربية والتعليم عومر بن عودة لـ" الترا جزائر": العديد من المؤسسات التعليمية خاصة في المتوسطات والثانويات، وعبر معظم ولايات الوطن، سُجّل اكتظاظ رهيب لعدد التلاميذ في القسم الواحد، وكثرة الأفواج التربوية، حتى أنه هناك أقسام متنقلة في عدة متوسطات وثانويات

وأشار بن عودة إلى أن " العديد من المؤسسات التعليمية خاصة في المتوسطات والثانويات، وعبر معظم ولايات الوطن، سُجّل اكتظاظ رهيب لعدد التلاميذ في القسم الواحد، وكثرة الأفواج التربوية، حتى أنه هناك أقسام متنقلة في عدة متوسطات وثانويات، وذلك رغم فتح منشآت تربوية كل موسم دراسي وتجهيزها".

تأثير

ونبه بن عودة إلى تأثيرات الاكتظاظ السلبية على التلميذ والأستاذ وحتى على المؤسسة التربوية نفسها، كون " الأستاذ لا يتمكن من تطبيق المقاربة الحديثة في التدريس والمعروفة بالمقاربة بالكفاءات، والتي تتطلب عددا محدودا من التلاميذ داخل حجرة الدرس كشرط أساسي حتى تؤتي ثمارها، كما لا يمكنه حتى العمل بالطرق التقليدية للتدريس من تقديم الدرس بشكل لائق، نظرا لصعوبة التحكم في القسم وإيصال المعلومة، وإجراء مختلف التقويمات".

ولفت بن عودة إلى التأثير السلبي للاكتظاظ على التلميذ الذي لا يتمكن أحيانا من "سماع الأستاذ فيما يلقيه من عناصر الدرس، والتركيز جيدا، لأن الارتفاع الكبير لعدد تلاميذ القسم هو مدعاة لحدوث الفوضى مهما تحكم الأستاذ، مما يصعب على التلميذ فهم الدرس واستيعابه بالشكل اللازم".

وأضاف رئيس المؤسسة الجزائرية لإطارات التربية والتعليم أن "الاكتظاظ يؤثر على النتائج المدرسية وترتيب المؤسسات التربوية ولائيا ، لذا لا يعقل ترتيب متوسطة بها 1500 تلميذ مع متوسطة أخرى بها 300 تلميذ في ما يتعلق بشهادة التعليم المتوسط مثلا".

تأخر

عند النظر للميزانية التي تمنح لوزارتي التربية والسكن لانجاز المؤسسات التربوية سنويا، لا يمكن وصفها إلا بـ"المعتبرة"، غير أن ترجمة هذا الاهتمام الحكومي ميدانيا يلقى العديد من العوائق، وبالخصوص فيما تعلق باحترام آجال الإنجاز من قبل الشركات الفائزة بصفقات تشييد المدارس.

ويعترف وزير السكن محمد طارق بلعريبي بهذا الواقع، فقد نقلت صحيفة "النهار" الخاصة عنه بداية العام الجاري  قوله إن سنة 2023 سجلت تأخرا وضعفا في إنجاز المرافق العمومية.

وأضاف بلعريبي أنه " كيف يعقل لطفل الدراسة في الاكتظاظ أو التنقل لمسافة بعيدة ونحن لنا الأموال والأرضية في انجاز مدارس بالقرب من مقر سكناهم".

وقال رئيس لجنة التربية والتكوين المهني والتعليم العالي، بالمجلس الشعبي لولاية الجزائر، محمد بسكري لصحيفة "المساء" الحكومية إنه تم رصد اكتظاظ "فظيع"، وتأخر في صيانة وترميم بعض المتوسطات والثانويات بالعاصمة.

وأوضح رئيس المؤسسة الجزائرية لإطارات التربية والتعليم عومر بن عودة في حديثه مع "الترا جزائر" أن "الاهتمام بقطاع التربية بجميع جوانبه البيداغوجية والبشرية و المادية يقتضي تشييد المزيد من المؤسسات التربوية مرفوقة بتوفير النقل المدرسي للتلاميذ المتمدرسين بها ، وذلك عبر مختلف المناطق التي تشكو اكتظاظا ، لتخفيف الضغط عنها، وتمكين التلاميذ من التمدرس في أحسن الظروف، وهو ما سيساهم في رفع جودة المدرسة الجزائرية".

لا أحد ينكر المجهودات التي تبذل من طرف الدولة للحفاظ على مجانية التعليم، وتحقيق العدالة في الدراسة لجيمع التلاميذ بظروف متساوية، إلا أن استمرار مشكل الاكتظاظ يجعل تحقيق هذه الغاية غير منفذة بالقدر المطلوب، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات أكثر فعالية للقضاء على هذه الظاهرة السلبية في السنوات القادمة، بإيجاد حلول مرنة، والتي قد يكون منها الشراكة مع القطاع الخاص مثلما يتم في باقي الميادين الاخرى كالصحة والتكوين.