انطلقت الثلاثاء السنة الدراسية الجديدة بالتحاق أزيد من 11 مليون تلميذ، في المراحل التعليمية الثلاث بأقسامهم، في ظروف تقول الحكومة إنها حسنة وجيدة، فيما ترى نقابات التربية أنها محمّلة بملفات عالقة من المواسم السابقة بالنظر إلى أن مشاكل الاكتظاظ والبرامج المكثفة والتأطير مستمرة هذا العام أيضًا.
تعطي السلطات الجزائرية على الدوام أهمية لقطاع التربية الذي يحوز على ثاني أعلى موازنة مالية في البلاد
وإذا كان الدخول المدرسي لهذا العام، لم يصاحبه تلويح باحتجاجات الشركاء الاجتماعيين التي كانت تطبع كل بداية سنة تربوية، إلا أنه لا يعني أن مشاكل وانشغالات الأسرة التعليمية قد حُلّت، بل إن كثيرًا منها ما تزال عالقة منذ مواسم سابقة وتتراكم كل عام لتصبح أكثر تعقيدًا.
بحجم دول
حسب الإحصاءات المقدمة من قبل وزارة التربية، فإن قرابة 30 ألف مؤسّسة تربوية بالجزائر ستستقبل هذا العام أزيد من 11 مليون تلميذ يؤطؤهم أكثر من نصف مليون أستاذ.
وقال الأمين العام الوطني للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين "ساتاف" بوعلام عمورة لـ"الترا جزائر"، إن حجم التلاميذ الذي تستقبلهم المدارس الجزائرية أصبح اليوم يفوق عدد سكان بعض الدول، لذلك وجب على الحكومة العمل على الاستثمار الجيد في هذه الطاقة البشرية بتحويل المدرسة العمومية ذات الجودة إلى حقيقة ميدانية، وعدم الاكتفاء بالشعارات والخطابات الرسمية.
وعقد وزير التربية عبد الحكيم بلعابد، عدة لقاءات أغلبها عن بعد تمحورت حول التحضير للدخول المدرسي الجديد بشأن كلّ المشاكل المطروحة والمتكررة، وفي مقدمتها ملف التأطير، وذلك بهدف "تحقيق تعليم نوعي"، مثلما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية
غير أن الأمين العام لنقابة مجلس الثانويات الجزائرية " كلا " زوبير روينة، يرى أن تحقيق تعليم نوعي يتطلب أولًا الإرادة السياسية اللازمة، وفق أهداف واضحة، وبرامج دقيقة، إلا أن هذا كله غائب اليوم جراء تراكمات السنين، وعدم تناسب الإصلاحات والمجهودات المبذولة مع حجم عدد التلاميذ الذين تستقبلهم المدارس الجزائرية.
وبين روينة أن تحقيق هدف الدولة الاجتماعية والتعليم المجاني مرتبط بمدى الوصول إلى مدرسة جزائرية ذات نوعية قادرة على إنتاج مواطن سوي يساهم في بناء دولته، وهو المنال الصعب التحقيق حاليا، لأنه يجب أولا علينا أن نفهم أنّ المدرسة هي مشروع تلميذ لبلد.
استعدادات
تعطي السلطات الجزائرية على الدوام أهمية لقطاع التربية الذي يحوز على ثاني أعلى موازنة مالية في البلاد بعد وزارة الدفاع، لكن غالبًا مع يصحب هذا الاهتمام بتوابل سياسية، ويظهر ذلك في الدرس الافتتاحي الذي قدم لتلاميذ الطور الثانوي، وحمل موضوعه عنوان "تعزيز اللحمة الوطنية"، وهو يتطابق مع مبادرة أحزاب سياسية مشاركة في الحكومة، فيما كان ملف "الطفل وتكنولوجيات الإعلام والاتصال" عنوان الدرس الافتتاحي المقدم لتلاميذ مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط.
ودعا الرئيس تبون في تصريحات سابقة إلى ضرورة إبعاد المدرسة عن السياسة، فيما تطالب نقابة بالتخلي عن أدلجة التعليم، والقيام بإصلاحات لازمة.
وشكل الدخول المدرسي أحد محاور اجتماع مجلس الوزراء الأخير، حيث أسدى خلاله تعليمات لوزيري الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية والتربية الوطنية باتخاذ كل الإجراءات لإنجاح الدخول المدرسي، كما أمر بإعفاء البلديات الفقيرة والضعيفة من أعباء وتكاليف التكفل بالمدارس الابتدائية، على أن تتحمل الدولة هذه المسؤولية كاملة.
وسيشهد الموسم الدراسي الجديد في شقه البيداغوجي، عدة مستجدات، منها تدريس التربية المرورية، ومادة التربية البدنية والرياضية في مرحلة التعليم الابتدائي من طرف 12788 أستاذ متخصص، حيث تم تزويد جميع المدارس بمرافق رياضية مع تكييف منهاج تدريس هذه المادة من طرف أساتذة متخصصين، إضافة إلى تنصيب تعليم مادة اللغة الانجليزية في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي، فقد تم طبع الكتاب الخاص بهذه المادة وتوزيعه على نقاط البيع المختلفة وعلى المؤسسات التربوية، إضافة إلى تنصيب الأساتذة في هذا الاختصاص وإجراء تكوين في الفترة الممتدة من 7 إلى 18 سبتمبر الجاري.
وأعلنت وزارة التربية اعتماد المعالجة البيداغوجية بالنسبة لتلاميذ السنة الأولى متوسط، وذلك استمرارا لامتحان تقييم المستوى الذي أجراه المنتقلون الجدد للطور المتوسط في نهاية مرحلتهم الابتدائية، في محاولة منها للتقليل من ظاهرة الرسوب الكبيرة التي تشهدها السنة الأولى من التعليم المتوسط.
وقال مدير التعليم الابتدائي محمد ضيف الله في تصريحات صحفية، إنه تم إعداد "قاعدة بيانات" مفصلة لطبيعة "الصعوبات" المسجلة لدى التلاميذ الذين اجتازوا امتحان تقييم المكتسبات، والعمل على معالجتها والتكفل بها انطلاقا من السنة الدراسية الحالية.
وثمن الأمين العام لنقابة مجلس الثانويات الجزائرية " كلا " زوبير روينة في حديثه مع "الترا جزائر" هذه الخطوة إن صبت في حل الصعوبات التي يواجهها التلميذ المنتقل إلى السنة الأولى متوسط، لافتا إلى أن هذه الظاهرة تسجل أيضا على مستوى السنة الأولى ثانوي والأولى جامعي، ما يعني أنه لا يوجد تنسيق تعليمي في الانتقال من طور إلى آخر، وثمة خلل في المناهج والبرامج التي من شأنها تيسير التحاق التلميذ أو الطالب من مرحلة تعليمية إلى أخرى أعلى منها.
لكن الأمين العام لنقابة "ساتاف" بوعلام عمورة انتقد هذه الخطوة، باعتبارها لن تكون فعّالة مثلها مثل امتحان تقييم المستوى، فكثافة البرنامج الدراسي وعدد التلاميذ المرتفع بالقسم الواحد لن تسمح للأساتذة بالقيام بالمعالجة البيداغوجية اللازمة.
ومن بين الإجراءات المتخذة من قبل وزارة التربية هذا العام توظيف تكنولوجيات الإعلام والاتصال واعتماد الرقمنة في التعليم والتكوين والتوظيف، حيث سيتم برسم هذه السنة الدراسية رقمنه كل قرارات التمدرس وغيرها من العمليات.
وفي مجال التوظيف, خصّصت الوزارة منصة رقمية عبر أرضيتها لتسهيل الحركة التنقلية للأساتذة، حيث مكنت هذه الآلية من تلبية رغبات 93% من المترشحين إلى جانب تخصيص منصة رقمية أخرى لتوظيف خريجي الجامعات بصفة التعاقد.
وفتحت الوزارة باب الترشح أمام حاملي الشهادات الجامعية الراغبين في التوظيف كأساتذة بصفة متعاقدين في مؤسّسات التربية والتعليم التابعة لها ودعتهم إلى الإيداع الإلكتروني لملفاتهم في الفترة الممتدة من 05 إلى 10 سبتمبر الجاري.
مشاكل متواصلة
رغم ترحيبه باللجوء إلى الرقمنة في عملية التوظيف لإضفاء مزيد من الشفافية في منح مناصب العمل، إلا أن النقابي زوبير روينة انتقد بشدة توظيف نحو 100 ألف أستاذ بهذه الطريقة، بالنظر إلى أن أغلبهم لم يتلقوا التكوين اللازم للقيام بمهنة التعليم، فالمتعاقدين وأساتذة التربية البدنية واللغة الانجليزية وغيرهم ليسوا من خريجي المدارس العليا للأساتذة أو معاهد التكوين للمعلمين.
واعتبر روينة أنه من الصعب الوصول إلى مدرسة النوعية والجودة في حال استمرار هذه الطريقة في التوظيف، فالوزارة مطالبة باستشراف احتياجاتها البشرية، لأن الاستنجاد بالمتعاقدين يجب أن يكون حالة استثناية لا آلية دائمة.
أما بوعلام عمورة فشدد على ضرورة الرجوع في التوظيف إلى المدارس التكنولوجية لتكوين المعلمين، بما أن خريجي المدارس العليا للأساتذة لا يغطون احتياجات القطاع .
وأشار المتحدّث، إلى أن هؤلاء الأساتذة المفتقدين للتكوين اللازم يصطدمون بالاكتظاظ الذي ما يزال يطبع كثيرًا من الأقسام، حيث لم تستطع الحكومة حل هذا الإشكال، والذي يضاف إليه نسب الرسوب المرتفعة سواء في السنة الأولى متوسط، أو في السنة الرابعة متوسط والثالثة ثانوي بما أن نسب النجاح في شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تظلّ مرتفعة.
وكشف زوبير روينة لـ"الترا جزائر" أن عدد التلاميذ يصل حتى 50 و60 في بعض الأقسام بالمدن الكبرى، وهو ما يصعب قيام الأستاذ بمهمته على أكمل وجه، معتبرًا أن الأرقام التي أعلنت عنها وزارة السكن بشأن المؤسسات التربوية الجديدة غير كافية لتغطية النقص المسجل في الهياكل التربوية.
وحسب وزارة السكن ، فستعرف السنة الدراسية الجديدة دخول 263 منشأة تربوية حيز الخدمة، وهي 143 مدرسة و75 متوسطة و45 ثانوية.
الاكتظاظ و التأطير والرقمنة هي جزء من مشاكل عديدة تعيق الوصول إلى مدرسة نوعية ذات جودة
من المؤكد أن الاكتظاظ و التأطير والرقمنة هي جزء من مشاكل عديدة تعيق الوصول إلى مدرسة نوعية ذات جودة، والتي قد تتطلب حسب النقابي بوعلام عمورة العودة إلى التعليم الأساسي الذي أثبت فعاليته مقارنة بالبرنامج التعليم الحالي، لذلك على الحكومة تدارك عثرات النظام التدريسي المعتمد حاليًا، مثلما اعترفت على مستوى التعليم العالي بفشل نظام "ل م د" وتحضيرها للعودة إلى النظام الكلاسيكي.