هل قدر مجهودات الطلبة من مذكرات وبحوث علمية، في الجامعات الجزائرية، أن تذهب أدراج الرياح؟ فالملاحظ أن أغلب البحوث لا يتم تثمينها واستغلالها في سوق العمل، وهذا ما أكده الأستاذ عيسى مراح، من جامعة بجاية، شرق الجزائر، في ندوة علمية بجامعة الجزائر مؤخرًا، حيث تحسر على وضعية هذه البحوث التي لا تكلل بالنشر ولا تثمن عن طريق الاعتماد عليها في تطوير عديد القطاعات العلمية والاقتصادية في الجزائر، حسب قوله.
في الجزائر، لا تتم الاستفادة من بحوث التخرج وما ينتج عنها من توصيات من أجل النهوض بالقطاعات الإنتاجية والعلمية والمهنية
كما حاول الأستاذ مراح شرح هذه الوضعية لـ"الترا صوت": "تظل البحوث حبيسة الأدراج في مكتبات الجامعات والمعاهد وهي فقط صالحة للحصول على الشهادة العليا لكنها لا تستثمر خارج أسوار الجامعة، بل لا يتم توظيفها في تحسين الخدمات في شتى القطاعات والاعتماد عليها في علاج بعض المشاكل التي تعرفها عديد القطاعات".
اقرأ/ي أيضًا: استنساخ الرسائل الجامعية في الجزائر.. أرقام مخيفة!
"الآلاف من البحوث العلمية وفي شتى التخصصات يتم تجهيزها من طرف الطلبة في مختلف الأطوار الجامعية، يتم تكديسها وتخزينها في الجامعة دون أن تخرج للعلن"، يقول الأستاذ مراح، موضحًا أنها، أي هذه البحوث، كثيرًا ما تخرج بنتائج وتوصيات يمكن للعديد من الجهات الرسمية في الجزائر توظيفها في تحسين الخدمات والاستفادة منها في سوق العمل واستغلالها من أجل النهوض بالقطاعات الإنتاجية والعلمية والمهنية.
كثيرة هي الأطروحات والبحوث العلمية التي يقوم بها الطلبة ويشرف عليها أساتذة مقتدرين، ثم ترى النور بعد مناقشتها من اللجنة العلمية وتعطى لها النتيجة الإيجابية، فضلًا عن ملاحظة "توصية بالنشر" لكن ذلك، برأي الخبير في علم الاجتماع الدكتور جمال معتوق، "أشبع برأس المال الرمزي للطالب، وهي أمر مهم يخدم الطالب الباحث لكن في النهاية لا يتم النشر خارج أسوار الجامعة ولا الاستفادة من العمل البحثي".
وتواجه الباحث الجزائري، بحسب معتوق ، "معضلة كبرى بعد الانتهاء من وضع بحثه تتعلق بكيفية النشر ومن ينشر البحوث ومن هي الجهة التي تتبنى المشروع الذي يمكنه النشر والاستفادة من نتائجه"، موضحًا، في هذا السياق، أن "الطالب الباحث الحاصل على الماجستير أو الدكتوراه يفتقد للقدرة المادية التي تمكنه من نشر بحثه العلمي بصفة شخصية، ويجد صعوبات خلال البحث عن الجهة التي تتبنى ذلك".
ويضيف معتوق لـ"الترا صوت": "أقترح أن يتم وضع هيئات في الجامعات تتكفل بانتقاء البحوث والأعمال الممكن نشرها للإفادة والاستفادة منها خارج محيط الجامعة. كما دعا الهيئات الجامعية إلى الاستفادة من النتائج المتحصل عليها في مختلف البحوث العلمية في شتى التخصصات للنهوض بمختلف الخدمات الموجودة في المجتمع.
يفتقد الباحث الجزائري للمقدرة المادية التي تمكنه من نشر بحثه العلمي، ويجد صعوبات خلال البحث عن الجهة التي تتبنى ذلك
اقرأ/ي أيضًا: المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية
من جانبها، اعتبرت الباحثة في علوم الإعلام نصيرة بلبحري أن "هناك طاقات من الباحثين غير مستغلة وهي موجودة في شتى الجامعات الجزائرية، وتتوصل هذه الطاقات إلى نتائج وتوصيات لكنها تظل حبرًا على ورق مع غياب الإرادة".
كما حمّلت المتحدثة الجامعة الجزائرية المسؤولية قائلة إنها "تشهد ثقافة الإهمال والنسيان وشرعنة هذه الثقافة لدى فئة الباحثين والنخبة التي تعيد بدورها إعادة إنتاج ثقافة الضياع وإهدار المجهودات المقدمة في البحوث، وهو ما يعني أن الباحثين أيضًا يتحملون المسؤولية في عدم نشر هذه البحوث وتبنيها لصالح الفائدة العمومية".
من جانبه، اقترح أستاذ الاقتصاد الكلي بمعهد الاقتصاد والتسيير بجامعة الجزائر الدكتور بروان مهدي أن "يتم تأسيس لجنة مكونة من خبراء وحكماء لتقييم أعمال البحوث والإنجازات التي يحققها الباحثون حتى يتم نشرها وخصوصًا في قطاعات الإنتاج الاقتصادية وعلاج المشكلات الاجتماعية أيضًا"، مضيفًا أنه "لا يمكن لمجتمع أن يتطور دون إشراك النخبة الجامعية التي بإمكانها أن تضع الإصبع على مختلف المشكلات وأزمات المجتمع الجزائري وتفكك مختلف نقاط الظل فيها وفي شتى المجالات ودون استثناء".
كم هي مريرة تلك السنوات التي يقضيها الطلبة الباحثون بين رفوف المكتبات والإبحار في عالم التكنولوجيا من أجل الوصول إلى نتائج تحل مشكلة ما، إضافة إلى كم الجهد لترى بحوثهم النور لكنها وللأسف تبقى حبيسة أبواب الجامعات ولا تخرج لنور "الحياة المجتمعية"، رغم ما فيما من أجوبة لتساؤلات كبرى.
اقرأ/ي أيضًا: