لم يحمل مشروع قانون التقاعد الجديد الذي يناقش على مستوى البرلمان جديدًا بالنسبة للطبقة الشغيلة التي كانت تأمل أن يفتح هذا التشريع ملف العودة للعمل بالتقاعد المسبق الذي ألغته الحكومة به قبل سبع سنوات، غير أن وعودها تؤكّد أن العودة إليه ستكون محصورة في "مهن شاقة" فقط تحددها لاحقًا، وهو ما لم يتم حتى اليوم.
تتحجج الحكومة بإلغاء نظام التقاعد النسبي دون شرط السن كونه اعتمد في عام 1997 في ظروف خاصة
ورغم النداءات المتكررة لمختلف النقابات لإعادة بعث العمل بالتقاعد المسبق، إلا أن السلطة التنفيذية لم تستأنف العمل به رغم قضاء بعض العمال أكثر من 30 سنة وحتى 40 سنة في سوق الشغل، وفي قطاعات حساسة كالصحة والتربية والأمن.
تعديل جديد
عرض منذ أيام وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي فيصل بن طالب مشروع قانون التقاعد الجديد أمام لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني، قائلا إنه يهدف إلى تحسين القدرة القدرة الشرائية للمواطنين وصون كرامتهم من خلال ضمانه دخلا لائقا لهذه الفئة.
ويتوافق هذا الخطاب مع ما يردده الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يقول إن صون كرامة الجزائريين تأتي بتحسين قدرتهم الشرائية، لذلك استفاد المتقاعدون من زيادات بداية شهر كانون الثاني/جانفي الماضي ضمن رفع الأجور الذي مسّ كل الموظفين العموميين، إضافة إلى إقرار زيادة سنوية في منح ومعاشات التقاعد تتراوح بين ثلاثة وخمسة بالمئة سنويًا.
وتتمثل أهم التعديلات التي مست القانون أحكام المادتين 16 و47 من القانون رقم 83-12 المؤرخ في 21 جويلية 1983 المتعلق بالتقاعد، وذلك بمراجعة الحد الأدنى لمعاشات التقاعد بنسبة 100 % من الأجر الوطني الأدنى المضمون، بدلا من 75 % الجاري العمل بها حاليًا، من خلال تعديل وتتمة المادة 16، وكذا مراجعة الحد الأدنى لمنحة التقاعد السنوية في حدود 75 % من المبلغ السنوي للأجر الوطني الأدنى المضمون، من خلال تعديل وتتميم المادة 47 من القانون ذاته.
وقال عضو لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني النائب عبد الله حرشاية لـ"الترا جزائر" إن هذه التعديلات ستحسن قيمة تقاعد العمال الذين لهم 15 سنة عمل، حيث سيتمكنون من الحصول على حد أدنى لمعاشات التقاعد بنسبة 100 % من الأجر الوطني الأدنى المضمون، إضافة إلى أنه سيمكن المتقاعدين الذين لا يحوزون إلا على خمسة سنوات عمل من الحصول على منحة تقاعد سنوية لا تقل عن 75 % من المبلغ السنوي للأجر الوطني الأدنى المضمون.
لا حديث
يتضح من التعديلات التي مست قانون التقاعد أنه لم يتضمن أي بند يخص العودة إلى التقاعد المسبق أو التقاعد دون شرط السن، ما يعني أن الحكومة متمسكة برأيها المتخذ منذ سبع سنوات، بحجة الصعوبات التي تواجه تمويل صندوق التقاعد.
وأوضح النائب البرلماني عبد الله حرشاية لـ"الترا جزائر" بأن وزير العمل أكد نفسه أن الحكومة لا تنوي في الوقت الحالي استئناف العمل بالتقاعد المسبق، أو دون شرط السن.
وأضاف حرشاية أن النواب اقترحوا إدخال مادة تقضي بتمكين العمال الذين يثبتون 32 سنة عمل من الحصول على تقاعد مسبق، بالنظر إلى أنه عند في الغالب لا تبقى سوى سنة أو سنتين عن السن القانوني للتقاعد إذا أخذنا الظروف والعمر الذي يمكن فيه للجزائري أن يحصل على عمل، حيث يكون في الغالب على الأقل عند 23 أو 25 عامًا.
وكان وزير العمل السابق محمد الغازي قد برّر موقف الحكومة عند إلغاء التقاعد النسبي والمسبق في 2016 بالقول إن أكثر من 52 % من العدد الإجمالي لمعاشات التقاعد المباشرة تقدم للمتقاعدين الذين يقل سنهم عن 60 سنة بتكلفة مالية سنوية تفوق 405 مليار دج، معتبرًا أن إلغاء التقاعد النسبي من شأنه إعادة التوازن إلى صندوق التقاعد.
وتتحجج الحكومة بإلغاء نظام التقاعد النسبي و دون شرط السن كونه اعتمد في عام 1997 بمقتضى الأمر رقم 97-13 في ظروف خاصة في إطار برنامج التعديل الهيكلي الذي تبنته الحكومة على اثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
في خبر كان؟
قبل نحو عام من الآن، وعد وزير العمل والتشغيل السابق يوسف شرفة بالكشف عن قائمة المهن الشاقة التي كانت ستستفيد استثنائيا من التقاعد المسبق خلال النصف الثاني من 2022، إلا أن هذا الكلام بقي مجرد وعود كغيره من وزراء العمل الذين لم يستطيعوا إنهاء هذه المهمة البسيطة.
وقال شرفة شهر أيار/ماي الماضي خلال رده على أسئلة شفوية بالمجلس الشعبي الوطني إن إعداد مشروع المدونة الجزائرية للوظائف والمهن في مراحله الأخيرة، ويوجد قيد الدراسة على مستوى مصالح الحكومة، مبينا أن ضبط معايير تحديد مناصب العمل الشاقة يتطلب دراسة معمقة لتحديدها من بين ما لا يقل عن 5510 مهنة وشغل مصنف في المدونة بالتنسيق مع كافة القطاعات المعنية مع مراعاة التطور التكنولوجي في عالم الشغل.
وحسب النائب البرلماني عبد الله حرشاية، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن الإفراج عن قائمة المهن الشاقة لن يكون في القريب العاجل، بل إنه من غير المستبعد أن يكون الملف قد طوي من قبل الحكومة، ولا تنوي الخوض فيه، بما أنها لا تنوي في الوقت الحالي العودة إلى التقاعد النسبي بسبب صعوبات تمويل صندوق التقاعد.
وأشار البرلماني ذاته إلى أن هذه الصعوبات يمكن ترجمتها على سبيل المثال في أنه كانت تقطع نسبة 2 % من رسوم استيراد السيارات لتوجه إلى صندوق التقاعد، إلا أنها رفعت هذا العام إلى 4 % للمساهمة أكثر في سد العجز الذي قد يتعرض له هذا الصندوق.
النائب عبد الله حرشاية: هناك مؤشرات تقول إن الإفراج عن قائمة المهن الشاقة لن يكون في القريب العاجل
وإذا كان من الصعب في الجزائر الجزم بالتخلي عن ملف معين بصفة كلية، إلا أن كل المؤشرات على الأقل الحالية تصب في خانة أن ملف التقاعد النسبي لا يشكل أولوية لوزارة العمل في الوقت الراهن وربما القريب والمتوسط.