من الأحكام المحمولة عن الإنسان الجزائري أنه قد يكون غارقًا في زجاجة النبيذ، لكنه سيهشم رأسك بالزجاجة نفسها إن رآك أو سمعك تهين أحد رموزه الدينية المقدسة. معروف عنه أيضًا أنه قد يكون ملحدًا أصلًا، لكن قاموسه اليومي لا يخلو من عبارات ذات شحنة دينية صرف، من قبيل "إن شاء الله" و"توكلنا على الله" و"ربي يحفظك" و"ربي يهديك" و"العن الشيطان".
حسب دراسة لـمعهد "كونراد أديناور"، 94.5% من المستجوبين في الجزائر لا يرون ضرورة لأن تغطي المرأة وجهها
اقرأ/ي أيضًا: "أسلمة" التطرف
خلال السنوات الأخيرة، خرجت الجزائر تدريجيًا من دوامة الإرهاب المتقنع بالإسلام بعد مخاض عسير دام عقدًا من الزمن وتراجع حضور "الإسلاميين" في المجالس المنتخبة، كما يرى الكثيرون أن مظاهر التدين في الشارع تراجعت ما لفت انتباه العديد من مراكز البحوث للبحث عن تحولات مفهوم التدين لدى الجزائريين. وفي ظل هذه الحاجة، نشر هذه الأيام موقع معهد "كونراد أديناور" نسبة إلى أول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1949، دراسة حملت عنوان "الدين والسياسة في شمال أفريقيا" تناولت التوجهات الكبرى في علاقة الجزائريين بالدين الإسلامي ونظرتهم إلى التدين بصفته سلوكًا ونزعة معرضين للتطرف والاعتدال بحسب جرعة الوعي بقيم الدين نفسه.
تشير الدراسة إلى أن 94.5% من المستجوبين لا يرون ضرورة لأن تغطي المرأة وجهها عند ارتداء الحجاب، و59.5% لا يرون حرجًا في ارتداء القميص الطويل، بما يناقض ثقافة نصف الساق لدى السلفيين، كما أن نسبة 51% يفضلون أن ينأى الإمام بنفسه عن التدخل في السياسة، بما يشكل دعوة إلى فصل الدين عن الدولة.
نسبة الجزائريين الذين يرون داعش تنظيمًا إرهابيًا مولعًا بالقتل والمجازر باسم الإسلام البريء من هذه النزعة فاقت 85%، بحسب الدراسة نفسها، وينسب 49% منهم هذه النزعة المتطرفة إلى الدول الغربية التي تعسفت في حق العالم الإسلامي بالاستغلال والاحتلال، ويراه 59.9% إما خطرًا منخفضًا وإما منعدمًا أصلًا على مستقبل الاعتدال الديني.
يرى جزء من الجزائريين ضرورة الفصل بين الدين بصفته قيمًا ومعتقدات والتدين بصفته طريقة معينة في ممارسة هذه القيم
اقرأ/ي أيضًا: تحديًا للإرهاب.. معرض الكتاب على الأبواب في تونس
يقول ياسين. ع، طالب الحقوق بجامعة بومرداس، لـ"الترا صوت" إنه اطلع على الدراسة الألمانية ولفت انتباهَه أن 46.4% من الجزائريين يطالبون السلطات بتجريم سب الدين الإسلامي وهم بحسبه أرادوا القول: "نريد الدينَ محلَّ احترام لا محل استغلال لا من طرف الدولة ولا من طرف المعارضة". ويضيف محدثنا: "إن الجزائري يرغب في أن يعيش في إطار ديني عام يشكل هويته العامة، على ألا يُحرم من ممارسة الحياة، ألم يعن لنا شيئًا أنه من أكثر المستهلكين للمشروبات الروحية في أفريقيا والوطن العربي؟".
هذه المعطيات، يفسرها البعض، بأن الجزائريين استفادوا من تجاربهم السابقة التي قادتهم إلى الفصل بين الدين بصفته قيمًا ومعتقدات تميل إلى التسامح والانفتاح وروح الجماعة، والتدين بصفته طريقة معينة في ممارسة هذه القيم والمعتقدات انطلاقًا من وعي بشري محكوم بتوجيهات قد لا تكون ذاتَ منطلق ديني أصلًا. لكن تطرح هنا عديد الأسئلة: هل هناك مشروع تحديثي لدى النظام الحاكم للذهاب بالحاضر الجزائري إلى غد مدني تسود فيه قيم الحريات والاختلاف؟ هل لدى المجتمع المدني ما يكفي من الوعي والاستعداد للاستثمار حضاريًا في ما قد يكون تهيؤًا مجتمعيًا للعودة إلى الاعتدال الديني الذي طبع المغرب العربي والأمازيغي الكبير على مدار القرون السابقة؟ أم أن الجزائريين سيجدون أنفسهم أمام خواء مبرمج، فيقعون إما في التفسخ العام وإما في التشدد من جديد؟
اقرأ/ي أيضًا: