لم يكن تاريخ مولد الحسن والحسين، أشهر توأم كفيف، في الجزائر محض صدفة، لقد رأيا النور في الفاتح حزيران/جوان 1991 بحي بوعقال بباتنة، فأبدًا لم يحرمهما فقدان البصر من بصيرة التفاؤل والرغبة في تحقيق الذات في شتى المجالات، مثل التنشيط الإعلامي، وتلقين دروس التحفيز لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لا بل حتى التمثيل المسرحي والتوجه للأعمال التلفزيونية قريبًا.
الحسن والحسين لـ "الترا جزائر": لقد عرضوا علينا إجراء عملية جراحية لاسترداد البصر فرفضنا ذلك
فيهما، رغم الإعاقة البصرية، شعلة متوهّجة بالأمل، متقدة بروح الطفولة الدائم، بما أنهما ولدا في اليوم العالمي للطفولة المصادف للفاتح جوان، كما يقولان لـ "الترا جزائر"، وهما لم يخطئا البتة فلدى هذا التوأم فائض حيوية، ورغبة كبيرة في والتألق والنشاط، تبلغ أحيانًا حد المشاكسة الإيجابية.
البصر والبصيرة
يملك الكفيفان اللذان نشأ في عائلة من 14 فردًا، بينهم 7 مكفوفين، شهادتين جامعيتين، فحسين متخرج بشهادة ماستر اثنان، في علم الاجتماع العائلي من جامعة باتنة، أما الحسن فيحوز شهادة ماستر اثنان في علم المكتبات، من ذات الجامعة.
وبعد سنوات أمضياها في العمل في مؤسّسة المعاقين بصريًا بحي كشيدة في إطار عقود ما قبل التشغيل قبل إدماجهما بصفة رسمية موظفين دائمين بها منذ 2017، ابتسم لهما الحظ قبل عام عندما انتدبا بتسخيره تحت التصرف، للعمل في المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بحملة واحد، وفتح لهما ذلك، المجال لممارسة النشاطات المحببة لديهما في التنشيط وإدارة الندوات والملتقيات الخاصة بتحفيز فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في الجناح المكتبي المخصص لهم بالمكتبة العمومية.
يقول الحسن في حديث إلى "الترا جزائر"، إنه "طبعًا قدمنا دروسًا تحفيزية في مجال التنمية البشرية الإيجابية، فنحن لا نلقنهم هرطقات من قبيل "أخرج الأسد الذي بداخلك" بل نحدثهم بطريقة حوارية وتمثيلية على ضرورة الجد و الاجتهاد و العمل لتحدي الإعاقة من منطلق تجربتنا الحياتية، نحن لا نخجل بكوننا كفيفين بل نفخر بذلك، فإنها لا تعمى الأبصار وأنما تعمى القلوب التي في الصدور"، أما الحسين فيعلق : "كما قال شقيقي، لسنا بصدد أن نحث الآخرين بطريقة إخراج الأسد، فالإنسان لن يكون أسدًا أو قطًا، بل عليه أن يسعى لإثبات ذاته في حدود إمكاناته وما منحه الله من قدرات، لقد تجاوزنا مرحلة عدم الخجل من العمى، إلى مرحلة شكر الله على كل النعم التي أسبغها علينا، وكما تعلمون لقد قدمنا تجربة مسرحية فريدة عبر مسرحية أنتيجون، وأكملنا للتو جولة بغرب البلاد، ومستمرون في جولة أخرى شرق البلاد بعد شهر رمضان".
تحليل الحواس
قبل عام اختير الحسن والحسين للمشاركة في مشروع تحليل الحواس التي أعده المخرج الصادق لكبير، تحت إشراف وزيرة الثقافة صوريا مولوجي، والذي حرص، رشيد جرورو، مدير المسرح الجهوي لسيدي بلعباس على تنفيذه وتبنيه، كعمل ركحي غير مسبوق حيث يقول الحسن: "العرض الذي أداه ممثلون من ذوي الاحتياجات الخاصة، موزعين على ممثلين من فئة الصم البكم، ومجموعة مكفوفين، مكنني أنا وشقيقي أن نمثل دور حارسين يمتزان بالتماثل في الحركة والخطوات والحديث والأداء الركحي لأننا كنا مندمجين بالفطرة منذ الطفولة.
أما المسرحية في حد ذاتها فتسمح للمتفرج بالتركيز على اللغة التمثيلية للفئتين اللذين شاع عنهما، صعوبة التفاهم فيما بينهم، منذ زمن طويل. إذ يبدو مستحيلًا أن يتفاهم من لا يتكلم مع من لا يرى، غير أن العرض أثبت عكس ذلك تمامًا، وهذا سر قوته".
وتنفيذًا لعملية التفاهم يوضح الحسين ضاحكا: "لقد أثبتنا ركحيًا أن التواصل ممكن جدًا، كما أثبتنا ذلك واقعيًا.صورنا فيديو أوضحنا فيه بالتجربة العملية، أنه بمقدور فرد من الصم البكم أن يقود أربعة عميان، ويرشدهم من قصر الباي بوهران حتى لابلاص دارم بوهران، دون أن يتعرضوا لحوادث مرور ودون أن يقع لهم أدنى مكروه. استغرقت عملية التفاهم عملًا تدريبيًا شاقًا عبر المترجم مهدي بن عطية الذي أوصلنا لهذه النتيجة الباهرة".
نجاح تجربة أنتيجون، فتحت الشهية للأخوين، بالطموح للشراهة الفنية، فيكشف الحسن عن مشاريع قادمة، متحمسًا: "لدينا مشروع مسرحي مع الصادق لكبير، هو مسرحية في انتظار غودو لصامويل بيكيت، ومسلسلين تلفزيونين مع المخرج علي عيساوي. الأول خاص بنا كتوأم متخصص في المقالب الفكاهية، والثاني عبر المشاركة في مسلسل عيسى سطوري الذي سيعود للمشهد، مع ثلة من نجوم العمل الكبار على غرار عنتر هلال، وحكيم دكار ومن المرجح أن نبدأ العمل خلال أكتوبر أو قبل رمضان المقبل. سنكون ممثلين أساسيين في العمل المرتقب".
حجة وعمرة للوالدة
يقضي الشقيقان رمضان في خدمة الوالدة بشكل رئيس، حيث يجمع التوأم على الاعتناء بها والتكفل بحاجياتها عبر التبضع اليومي من الأسواق الشعبية، ورعاية شؤونها، لكن حلمهما المشترك يقع ما وراء مجرد الاعتناء بالحياة اليومية، إذ يؤكدان لـ "الترا جزائر": "أمنيتنا الوحيدة بعد وفاة الوالد رحمه الله قبل ثلاث سنوات، هو إرسالها لأداء الحج أو العمرة، وبعد وفاة زوجة شقيقنا الأكبر قبل فترة كبرت أمنيتنا بإرساله رفقتها، ذلك أنها متقدمة في السن وفي حاجة لمرافق يرعى شؤونها".
لا تختلف العادات الرمضانية كثيرًا بالنسبة لهما فهما يفضلان الأطباق التقليدية على أن تكون دسمة، مثل الجاري بالفريك والبوراك والكفتة، والدجاج المحمر، لكنهما ولتطابق يلازم التوائم نفسيا ووجدانيا وحتى معديًا فكلاهما لا يطيقان الرز، ولديهم مشكلة مع طبق الحمص فيقول الحسن " أنا أحب الحمص أما شقيقي فلا يتناول سوى مرقه إذ لا يطيق أكل الحمص، سابقًا كان هو يفضل التليتلي وأنا لا أطيقه لكني صرت في الوقت الراهن أحبه مثله تمامًا. بالمختصر نحن نتطابق تمامًا في كل شيء ماعدا مسألة الحمص، لا يزال الاختلاف في الذوق قائمًا بيننا".
عرس واحد للإثنين
عندما كتب نجيب محفوظ قصة التوأم "قسمتي" و "نصيبي" اللذان يعيشان بجسد واحد وبرأسين مختلفين، طرحت مسألة الزواج المعقدة لهما نظرا لتنازع الأمزجة والأذواق، غير أن الحسن والحسين يؤكدان في دعابة "نحن بصدد البحث عن عروسين، ليس شرطًا أن يكونا توأم مثلنا، لكن ثمة أمر واحد اتفقنا عليه، هي أن يكون عرسنا معًا في يوم واحد".
لا يخجل التوأم في الحديث بصراحة شديدة، فيما يتعلق بحياتهما الخاصة، حيث يعترف حسين " مؤخرًا أعجبت بفتاة وتقدمت لخطبتها، لكن والدها رفض لأسباب مجهولة، وأنا أحترم خياره"، غير أن الحسن انتفض مصوبًا " لقد رفض والدها لأني شقيقي أعمى، لنقلها بصراحة، وكما أسلفت لك تجاوزنا منذ أمد طويل الخجل بالعمى لأنها مشيئة الله التي كتبت لنا، وحقًا نحن في مرحلة الرضى بقدر الله وشكره على الابتلاء، فهناك أربعة مراحل في كيفية التعامل مع المصائب، أولها السخط، وثانيها الصبر، وثالثها الرضى، ورابعها الشكر على الابتلاء. نحمد الله الذي جعلنا مكفوفين، فالناس يظنون أنها إعاقة، لكنها بالنسبة لنا نعمة، وهي محفز لنا على تحقيق أشياء قد لا يحققها غيرنا".
وبدعابة شديدة يقول الحسن: "يبقى الزواج مسألة قسمة ونصيب، ما يهمنا الآن التركيز على مشاريعنا وأحلامنا، وتحقيق أنفسنا وتكوين مستقبلنا، وعلينا مجابهة المشكلات التي تواجه الإنسان لأن الحياة تبقى جميلة رغم قبحها. المال لا يشتري السعادة لكن السعادة تأتي جريا للمال، لذا فالزوجة ستأتي حينما تتجمع أسباب الرفاه، لقد اتفقت مع أخي أن نمد البساط الأحمر للعروسين اللتين ستكونان من نصيبنا".
***
طرح الروائي البرتغالي، خوسي ساراماغو، صاحب جائزة نوبل، في روايته العجيبة "العمى" جملة مفزعة وذات دلالة عميقة هي "الأكثر رعبًا من العمى، أن تكون الوحيد الذي يرى"، فكان من الواجب أن أطرح عليهما هذه الجملة، خاصة وأنهما شاهدا عملًا مسرحيًا مقتبسًا هو دوار العميان، ودونما تردد قال الاثنان: "لقد طرح علينا البعض، منذ سنوات، مسألة إجراء عملية جراحية لاسترداد البصر فرفضنا ذلك رفضًا قطعيًا، قد نقبل ذلك مستقبلًا في حال توفر الجراحين الماهرين، لكن في الوقت الراهن نحن متصالحين مع إعاقتنا".
الحسن والحسين لـ "الترا جزائر": يبقى الزواج مسألة قسمة ونصيب، ما يهمنا الآن التركيز على مشاريعنا وأحلامنا
أسألهما عن سبب الاكتفاء فيردان " نحن بخير، حققنا أشياء كثيرة و الناس يحبوننا و يأتون لالتقاط صور معنا في كل الولايات التي نزورها، لذا نحن راضون بتجربتنا الحياتية و الشخصية مع العمى الذي يلازمنا، إننا دائما ما نتساءل هل كنا نحقق ما أنجزنا و سعينا إلى تحقيقه لو كنا مبصرين، هذا غير مؤكد. يبقى المؤكد هو نجاحنا في تحقيق مكاسب ونحن بلا بصر"؟