يُرافق الدخول الاجتماعي والاقتصادي لسنة 2022-2023 ملفات وتحديات ساخنة بالجزائر، في ظلّ صيف شهد للعام الثاني حرائق الغابات مست الأرواح والممتلكات، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية نتيجة ارتفاع نسبة التضخم، وما يزال التذبذب قائمًا فيما يتعلق بضبط التجارة الخارجية، ما تسبّب في توقف نشاط بعض المؤسّسات الخاصّة، نتيجة الندرة في المواد الأولية، وبلوغ أسعار الأدوات المدرسية أثمانًا قياسية، فما هي التحديات الاقتصادية المنتظرة في الجزائر.
يلفت مختصون إلى أن الطفرة المالية التي شهدتها البلاد عجلت في التوجه إلى تمويلات غير مدروسة مثل تمويل صندوق البطالة
في سياق الموضوع، يَحمل الدخول الاجتماعي رهانات اقتصادية وإصلاحات هيكلية تعول عليها الحكومة من أجل تحقيق استقرار اجتماعي وتحقيق نسبة نمو تقدر بـ 3.4 بالمئة نهاية سنة 2022، مدفوعة بالتحسن في مداخيل الجباية النفطية من الغاز والبترول.
إلى هنا، تعمل الحكومة، بحسب تقاريرها، على تحقيق طفرة اقتصادية، عبر إعادة بعث نشاط المؤسّسات العمومية وإعادة هيكلتها، وتطهير القطاع الخاص من الأوليغارشية السياسية-المالية.
كما دعمت الحكومة برنامجها الاقتصادي، عبر مراجعة قانون الاستثمار والتخلّي الجزئي على قاعدة 51/49 وتشجيع الاستثمار في قطاعات استراتيجية وقاعدية، إضافة إلى دعم الصادرات خارج النفط والغاز.
العقبات والتحدّيات
بيد أن عقبات داخلية وسياقات دولية مرتبطة بالوضع الإقليمي والتوترات الجوارية وشظايا الحرب في أوكرانيا وتداعيات الأزمة الصحية على الإمدادات الدولية، تعمل على عرقلة تجسيد الأهداف،زيادة على ذلك التغييرات المناخية الصعبة، والتي باتت تهدد النسيج الفلاحي وأزمة المياه والشروب، عوامل تلقي بظلالها السلبية على الجبهة الاجتماعية، والتي تبقى في موقع هدنة مع الحكومة رغم الملفات الحارقة والعالقة.
فأمّا على الصعيد الداخلي، يَرى مراقبون أن تعديلًا حكوميًا الذي طال انتظاره، قد يعطي دفعًا ونفسًا قويًا في بعض القطاعات التي ما تزال ضعيفة الأداء نسبيًا، على غرار القطاع الأشغال العمومية والنقل والتجارة والصناعة،وإصلاح وعصرنة القطاع المصرفي الذي شهد تعديلًا في منصب محافظ البنك المركزي، لكن دون استحداث تغيير عملي وفعلي في مجال عصرنة قطاع البنوك والمالية.
هنا، يلفت مختصّون إلى غياب أي مؤشّرات واضحة المعالم في مجال السياسة النقدية التي تحافظ على التوازنات المالية، وتواجه مخاطر التضخم العالي، سياسة مصرفية تكون قاطرة القطاعات الصناعية والخدماتية،ما عدا البحث عن تعبة الأموال خارج القطاع المصرفي الرسمي عبر إدراج الصيرفة الإسلامية التي أبانت عن محدودية الإجراء، نظرًا إلى ضعف الأداء الاقتصادي والاستثماري وفتور السوق المالية.
المواجهة الظرفية
من جهته، سمحت المؤشّرات المالية الإيجابية، نتيجة تحسن في السوق النفطية وزيادة إنتاج النفط بمتوسط 1.1 مليون برميل يوميًا، وارتفاع عقود إمدادات الغاز وإعادة التسعيرة الغاز، معطيات ساهمت في مواجهة ضغوطات وتأخير في الصعوبات الجبهة الاجتماعية، إذ لم يُفعل إلى غاية اليوم جهاز إعادة توجيه الدعم الاجتماعي، ولم تبادر الحكومة إلى إصلاحات جدرية وتشريعات تمسّ سياسة التحولات الاجتماعية كما ورد في قانون المالية لسنة 2022، وكما هو ملاحظ غياب ترشيد النفقات العمومية، والتفاع التكاليف لاسيما في مجال قطاع التسيير.
في المقابل، خَلُصَ مختصون أن الطفرة المالية الظرفية عجلت في التوجه إلى تمويلات غير مدروسة ومُكلفة، على غرار الصندوق منح البطالة الذي قد يتجاوز واحد مليار دولار إذ لم يتحرك سوق الشغل بشكل فعال، إضافة إلى استحداث هياكل إدارية واستشارية على مستوى الدولة، وتمويل مشاريع وأغلفة مالية لبعض القطاعات غير الضرورية.
وعلى ضوء ذلك من الممكن أن تساهم تلك التمويلات في إرباك التوازنات المالية المستقبلية، في حين ما يزال الصندوق الوطني للتقاعد يعاني من عجز مالي يقدر بـ 7 مليار دولار.
تطمينات حكومية
في السياق الموضوع، تبدو الظروف المالية الحالية مناسبة بالنسبة إلى الحكومة في بعث رسائل طمأنة إلى الشركاء الاجتماعيين، حيث كشف عبد المجيد تبون في حوار إعلامي عن سلسلة من إجراءات لصالح الجبهة الاجتماعية، من شأنها أن تخفف من أعباء الارتفاع "الفاحش" للأسعار وضعف للقدرة الشرائية.
ومن بين تلك الإجراءات رفع حد الأدنى من الأجور على مراحل بداية من هذا السنة، رفع النقطة الاستدلالية، تعميم التعويضات المالية، رفع منح العائلية، توسيع الاستفادة من خدمات الصندوق الضمان الاجتماعي، تمويل المشاريع ومرافقة الشركاء الاقتصاديين والفلاحين،زيادة على رفع من إصلاحات في مجال الخدمات الاجتماعية كالصحّة والتعليم.
المخاطر ومحدودية الإجراءات
في المقابل، يَلفت اقتصاديون الانتباه أن لجوء الحكومة إلى الخزينة العمومية إلى تعبئة الأموال لتمويل حاجيات الجبهة الاجتماعية وغياب فعالية اقتصادية وخطة تنموية وإنمائية من شأنه إعادة الأخطاء السابقة.
يُشار أن مردودية ونجاعة القطاع العمومي بجاجة إلى تغييرات تشريعية وهيكلية جدرية، حيث ما يزال القطاع رهينة العقل الريعي والإداري، معشش بالفساد والمحسوبية كما أشار بذلك الرئيس عبد المجيد تبون في مداخلته الإعلامية.
وأما بخصوص القطاع الخاص، الذي يبقى رهينة الطلب العمومي، فهو بحاجة إلى تشجيع على أن يبرز كفاعل اقتصادي قوي قادر على فرض القيمة المضافة وخلق الثروة وخلق فرص العمل والشغل، ولا يُنظر إليه على أنه تابع للقطاع العمومي ومرهون بوجوده وتحت سيطرته.
أما القطاع الإداري الذي يعوّل على أن يرافق المتعاملين الاقتصاديين، فقد يساهم في تنظيم البنية التحية للمشاريع الصناعية والخدماتية، لكن لا يمكن في أن يساهم فعليًا في تحقيق طفرة اقتصادية لا سيما في ظلّ التعقيدات التنظيمية والتشريعية لهذا القطاع البيروقراطي.
تحاول الحكومة التخفيف من تبيعات التسيير الكارثي لمواجهة الجبهة الاجتماعية والدخول الاجتماعي وضغوطاتهما
على العموم تبقى الجبهة الاجتماعية والدخول الاجتماعي معادلة صعبة، تسعى الحكومة على تخفيف من تبعات التسيير الكارثي المتراكم، ومواجهة الضغوطات المجتمعية الذي باتت تمليها الظروف المعيشية والحياتية، وبناءً عليه لابد من مباشرة إصلاحات عميقة تحقق توازن اجتماعي، اقتصادي مستقر على المدى القريب والمتوسط.