18-يونيو-2024

(الصورة: العربي ميديا)

تتطلع الجزائر لتحقيق نمو ملحوظ في قطاع السياحة خلال الصيف الجاري، وفي السنوات القادمة، من خلال استقبال عدد أكبر من السياح بالبلاد التي تصنف من قبل تقارير دولية بأنها من بين الوجهات السياحية الموصى بزيارتها في 2024 وفي الأعوام المقبلة، إلا أن هذه الرغبة تصطدم بقلة الرحلات المتجهة للبلد المغاربي، فكيف يؤثر هذا العامل في الوصول إلى استقبال 12 مليون سائح في عام 2030؟، وما هي الإجراءات الواجب اتخذها لتجاوز هذا الإشكال؟.

مسؤولة بوكالة سياحية لـ "الترا جزائر": قلة الرحلات نحو الجزائر من المشاكل العويصة التي تعرقل قدوم السياح إلى الجزائر

وبعد سنوات من الإهمال، أصبح قطاع السياحة يأخذ اليوم مكانًا في إستراتيجية الحكومة الجزائرية المستقبلية، ضمن خطتها للرفع من عائدات البلاد المالية خارج قطاع النفط، وهي المهمة التي يراها البعض في المتناول إلا أنها تبقى مرتبطة بمعالجة عدة عوائق من أبرزها عدم وجود الرحلات الجوية الكافية للتعريف بالجزائر وزيارتها.

جهود

باشرت الخطوط الجوية الجزائرية منذ انتهاء جائحة كورنا سياسة تطوير جديدة تعمل على تدعيم الوجهات التقليدية التي تعمل عليها، وفتح خطوط جديدة سواء في الداخل أو الخارج نحو أفريقيا ووجهات أوروبية وعربية وامريكية.

ورافقت هذه السياسة إطلاق عروض ترويجية تنافسية، وبالخصوص تلك المقدمة للجالية الجزائرية التي مثلت 1.1 مليون من 3.3 مليون سائح زاروا الجزائر في 2023، منها خدمة "أسرتي" التي لقيت إقبالا كبيرا من قبل الزبائن، بالنظر لسعرها المنخفض، وتزامنها مع القرار الذي اتخذته الحكومة بالسماح للجزائريين المغتربين بدخول أرض الوطن ببطاقة التعريف دون الحاجة لإظهار جواز السفر.

ووفق إحصاءات رسمية، فقد نقلت الخطوط الجوية الجزائرية 7.2 ملايين مسافر سنة 2023 أي بزيادة تفوق 47 بالمائة عما سجل في 2022، وهو العدد الذي ترجم ارتفاع بنسبة 67 % في عدد المسافرين على الخطوط الدولية و 13% على الخطوط الداخلية.

وساهم في ذلك فتح وجهات جديدة نحو نواكشوط (موريتانيا) و القاهرة (مصر) وداكار (السنغال) وباماكو (مالي) وجوهانسبورغ (جنوب إفريقيا) و أبيدجان (كوت ديفوار) و دوالا (الكاميرون) و أديس-ابابا (إثيوبيا)، وتدعيم الخطوط نحو فرنسا وإسطنبول وروسيا وتركيا وإسبانيا وعدة عواصم عربية كالدوحة ومصر ولبنان.

وإضافة إلى ذلك،  تتضمن خطة شركة الطيران الحكومية إطلاق سبعة خطوط جديدة بحلول الثلاثي الرابع من سنة 2024 نحو مطارات ليبروفيل (الغابون) وأبوجا (نيجيريا)  ونجامينا (تشاد)، وفتح خطين نحو كل من مطار غاتويك (لندن) و نحو نيويورك الذي يظل قيد "الدراسة" بين البلدين.

وتشكل الفترة الصيفية أكبر استثمار لزيادة مداخيل المؤسسة الحكومية، لذلك برمجت 516 رحلة أسبوعيًا، على شبكتها الدولية أي ما يوازي حوالي 165252 مقعدا أسبوعيا، مما يمثل ارتفاعا بنسبة 22 % من القدرة الإضافية مقارنة بـ2023.

وإضافة إلى رحلات الجوية الجزائرية، تساهم طاسيلي للطيران المملوكة لسوناطراك أيضًا في هذه العملية، إضافة إلى مختلف الشركات الدولية التي لها خطوط نحو ومن الجزائر، منها على سبيل المثال الجوية الفرنسية ما يقارب 875 ألف مقعد بين الجزائر وفرنسا خلال هذا الصيف.

غير كافٍ

لكن هذه الجهود المبذولة من قبل الحكومة عبر أسطولها الجوي أو بالترخيص لشركات طيران أخرى للعمل بمطارات الجزائر تظل بحسب ناشطين في قطاع السياحة غير كافية، ولا تتناسب مع الطلب الموجود.

وقالت مسؤولة بوكالة "اليمار للأسفار" الواقع مقرها بولاية سطيف شرقي الجزائر  لـ"الترا جزائر" إن قلة الرحلات نحو الجزائر من المشاكل العويصة التي تعرقل قدوم السياح إلى الجزائر، إضافة إلى مشكلي التأشيرة ومرافق الاستقبال.

وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن وكالتها تلقى طلبات متوالية لزيارة الجزائر، وبالخصوص ولايتي وهران وبجاية المطلوبة من الصينيين والمناطق الصحراوية التي تزورها عدة جنسيات، إلا أنه في بعض الأحيان يتطلب توفير تذاكر سفر لهم نحو الجزائر وقتا طويلا، وبالخصوص على متن الخطوط الجوية الجزائرية التي تتعامل معها الوكالة بكثرة.

ولفتت المسؤولة نفسها إلى أن قطاع السياحة في الجزائر بدأ يعرف في السنوات الأخيرة انتعاشا مقارنة بما كان عليه سابقا، حيث أصبحت الجزائر من الوجهات المطلوبة من عدة جنسيات كالإيطاليين مثلا الذين يرغبون في زيارتها، إلا أن توفر الرحلات بالعدد الكافي يظل عائقا في تلبية رغباتهم، وبالخصوص في فصل الصيف الذي يعرف توافدا مرتفعا للجالية نحو بلدهم الأم.

وقبل أيام، عبر النائب بالمجلس الشعبي الوطني عن الجالية في المنطقة الرابعة التي تضم بريطانيا فارس رحماني  عن هذا الإشكال المتواصل منذ سنوات، وذلك في تعليقه على مقال لصحيفة "اندبندنت" البريطانية تحدثت فيه عن الإمكانات السياحية للجزائر التي تجعلها بلدا جديرا بالزيارة، لتوفرها على مناطق سياحية وأثرية  لا توجد في بلدان أخرى.

وقال فارس رحماني "صحيفة بريطانية تتحدث عن الجزائر كبلد سياحي، لكن لما يقرأ المواطن البريطاني هذا المقال ويرغب في زيارة الجزائر في فترة العطلة مع أولاده، فإن الأمر المؤكد أنه لن يجد تذكرة، كانت لنا 6 رحلات من بريطانيا في السابق  والآن أصبحت 5 رحلات، رغم أن عدد الجالية في تزايد مستمر ورغم توجهيهات الرئيس عبد المجيد تبون لجعل مطار الجزائر مطارا محوريا،  مع العلم انه يعيش في بريطانيا أكثر من 2.5 مليون شخص من جنسيات إفريقية".

وتابع رحماني " الرحلات الخمس الموجودة أسبوعيا هل ستنقل أفراد الجالية أم المسافرين الأفارقة ( الجزائر نقطة عبور ولها مطار محوري) أم السياح البريطانيين؟.الشئ المؤكد هو أن عدد الرحلات المبرمجة لا يعكس إطلاقا توجهات الرئيس تبون"

وقال رحماني لـ"الترا جزائر" إن هذا الإشكال لا يخص بريطانيا فقط، إنما هو مطروح بالنسبة للجالية في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرهم، وكذا بالنسبة للسياح.

عرقلة

أوضحت المسؤولة بوكالة اليمار للأسفار في حديثها مع "الترا جزائر" أن عدم توفر الرحلات بالعدد الكافي نحو الجزائر يؤثر سلبا على نشاط الوكالات السياحية، ويجعل مداخيلها المالية محدودة لا تعرف انتعاشا بالشكل الذي يتواءم مع الإمكانات السياحية للجزائر، وبالتالي جعل مساهمة هذا القطاع في اقتصاد البلاد محدودة.

وبدوره، قال النائب البرلماني فارس رحماني لـ"الترا جزائر" إن " توجيهات الرئيس تبون الاقتصادية أصبحت معروفة للجميع، وهي تنمية القطاعات خارج المحروقات لتنويع الاقتصاد، وقد لاحظنا ذلك في المجال الفلاحي، لذلك فإن قطاع السياحة مدعو هو الآخر لرفع مساهمته في الناتج المحلي الوطني، وهو الهدف الذي لن يتأتى إلا بالعمل على زيادة الرحلات نحو الجزائر".

ولفت رحماني إلى أنه طرح هذا الإشكال على وزير النقل الذي أشار في رده على انشغال النائب البرلماني إلى اقتناء الخطوط الجوية الجزائرية لـ15 طائرة لتدعيم أسطولها، والتي ستتسلمها على مراحل.

وأعلنت الخطوط الجوية الجزائرية في إبريل 2023 توقيع اتفاقية غير ملزمة لشراء 15 طائرة من شركتي "بوينغ" الأمريكية و"إيرباص" الأوروبية، حيث ستقتني 8 طائرات بوينغ 737-9 ماكس بسعة مقاعد تراوح من 170 إلى 210 مقاعد، و 7 طائرات إيرباص منها 5 من طراز A 330-900 بسعة مقاعد من 280 إلى 320، وطائرتان من طراز A 350-1000 بسعة 350 إلى 450 مقعدا، وذلك بقيمة بلغت ملياري دولار وفق مصادر غير رسمية.

وتملك الخطوط الجوية الجزائرية 56 طائرة حليا، ليرتفع عددها بعد الصفقة الجديدة إلى 71؛ إذ تسيّر رحلات لأكثر من 40 وجهة دولية.

وأجرت الخطوط الجزائرية آخر تحديث لأسطولها الجوي عام 2014، عندما قامت بشراء 15 طائرة جديدة.

وأشار رحماني " طالبت وزير النقل بالعمل على زيادة عدد الرحلات في أقرب وقت وليس بالضرورة من مطار هيثرو بلندن، بل يمكن أن تكون الرحلات من ستانستيد او مانشيستر، نريد للجزائر أن تكون وجهة سياحية، لأن الرئيس تبون يسعى للنهوض بجميع القطاعات والخروج من التبعية للمحروقات، لذلك من الواجب العمل في هذا الاتجاه ".

النائب البرلماني فارس رحماني لـ"الترا جزائر": أقترح زيادة عدد الطائرات التي تستأجرهم الخطوط الجوية الجزائرية، وفتح المجال لدخول الخطوط منخفضة التكاليف للعمل نحو وجهات الجزائر

ويقترح رحماني في هذا الشأن كمرحلة استعجالية زيادة عدد الطائرات التي تستأجرهم الخطوط الجوية الجزائرية، وفتح المجال لدخول الخطوط منخفضة التكاليف للعمل نحو وجهات الجزائر، وذلك في انتظار استلام الجوية الجزائر للطائرات الـ15، ودخول متعاملين خواص مجال النقل الجوي في الجزائر بما أن القانون أصبح يسمح لهم بذلك اليوم.