15-يونيو-2024

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

في كل مرة في هذا الوقت من السنة، تنطلق الحملات التحسيسية وتلك الداعية إلى استغلال جلود الأضاحي، وتحاول جمعيات من المجتمع المدني تفعيل عملية جمعها قصد استغلالها لصالح مصانع النسيج، ورغم المشاهد والصور التي تتناقلها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن نجاح العملية، إلا أن بعض المشاهد في الشوارع والأحياء والأزقة، يقول إن كثيرًا من هذه الجهود غير كافية، وإن كمية معتبرة من الجلود لا تثل إليها يد المصانع.

رئيس الفيدرالية الجزائرية للنسيج لـ "الترا جزائر ": نسبة استرجاع الجلود لم تتجاوز 22 %

 

هناك أسباب كثيرة، حسب متتبعين، تحول دون نجاح عملية جمع الجلود، أهمها أن عملية حفظها يتطلب عناية خاصة قبل التخلص منها، فضلًا على أنها معرضة للتلف السريع بعد ذبح الأضحية، ويتطلب الأمر إمكانيات كبيرة لتجميع الجلود في ساعات قليلة، كما يتطلب مساهمة أصحاب الأضاحي أيضًا بشكل كبير في عملية التجميع والقيام بدورهم كما ينبغي.

في إطار "الجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد الوطني والحد من الهدر"، أطلقت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، بالتعاون مع مجمع "جيتكس" للنسيج والقرض الشعبي الجزائري، حملة وطنية لجمع جلود الأضاحي خلال عيد الأضحى المبارك، حيث تأتي هذه المبادرة بهدف تحويل النفايات إلى ثروة وطنية، مما يساهم في دعم صناعة الجلود والنسيج المحلية، وفق تصورها.

ورغم الجهود الحثيثة والحملات الإعلامية المكثفة، لا تزال نسبة استرجاع الجلود متواضعة، حيث لم تتجاوز نسبًا كبيرة العام الماضي، بحسب مسؤولين بقطاع للنسيج، ويعكس هذا التحدي الحاجة إلى تحسين طرق جمع الجلود وتوعية المواطنين بأهمية استغلالها بدلًا من رميها كنفايات.

وفي ظلّ هذا الواقع، تسعى السلطات الجزائرية إلى وضع برنامج شامل لجمع الجلود، يشمل توفير حاويات مخصّصة وتوزيع مطويات توعوية، بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن جلود الأضاحي التي تُجمع سنويًا يمكن أن تساهم بقيمة مالية تقدر بحوالي 250 مليار سنتيم أي 2.5 مليار دينار "19 مليون دولار"، مما يمثل فرصة كبيرة لدعم الاقتصاد المحلي وتقليص الاعتماد على الواردات. وفي ظل كل هذه المعطيات يطرح خبراء وأخصائيون السؤال: "هل تنجح تجربة وزارة الصناعة هذه السنة في تموين مصانع النسيج بالمادة الأولية المحلية"؟

استرجاع الجلود لم يتجاوز 22 بالمائة

 أكدت وزار الصناعة والإنتاج الصيدلاني في بيان تلقى موقع "الترا جزائر" نسخة منه، أنه بمناسبة عيد الأضحى المبارك أطلق مجمع "جيتكس" للنسيج والقرض الشعبي الجزائري حملة تحسيسية لجمع جلود الأضاحي عبر كافة ولايات الوطن، وذلك تحت إشراف وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني. وتهدف المبادرة إلى تثمين هذه الثروة كمدخلات أساسية في صناعة الجلود والنسيج، والرفع من قيمة استرجاعها منعا لهدرها في النفايات.
ورغم الحملات الإعلامية المكثفة بشأن أهمية استرجاع جلود الأضاحي واستغلالها كمادة أولية في بعث الصناعة النسيجية والجلدية في البلاد، إلا أن نسبة الاسترجاع لا تزال منخفضة ولم تتجاوز 22 بالمائة السنة الماضية حسب ما أكده رئيس الفيدرالية الجزائرية للنسيج والجلود طباخ بلحاج في تصريح لـ "الترا جزائر "، وذلك نتيجة سوء استرجاع هذه الجلود.

وأكد طباخ في هذا السياق وجود قرابة أربعة ملايين أضحية تنحر سنويًا وهو رقم هائل -حسبه -تسعى وزارة الصناعة لاسترجاعه وإعادة تدويره بالتنسيق مع مؤسسة جيتكس للنسيج والجلود.

وأوضح المتحدث أن هذا الكم الهائل من الجلود الناتج عن ذبح الأضاحي يكتسي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، خاصة في حال تم استرجاعها بطريقة صحيحة حيث تقدر القيمة المالية لجلود الأضاحي بكل أنواعها بما يزيد عن 250 مليار سنتيم .

ويؤكد طباخ في هذا الشأن أن شركة "جيتكس" الرائدة في هذا المجال تعمل بالتنسيق مع المدابغ الخاصة والمصالح المحلية على رأسها البلديات ومديريات الصناعة على المستوى المحلي من أجل إنجاح عملية جمع جلود الأضاحي وذلك من خلال وضع برنامج خاص يتضمن تسخير عدد كبير من الحاويات بالبلديات وتحديد نقاط جمع واضحة وتوزيع مطويات إشهارية على المواطنين لتحسيسهم بأهمية استرجاع هذه الجلود .

وأشار المتحدث في هذا الشأن إلى أن الفيدرالية الجزائرية للنسيج والجلود  كانت قد شاركت مؤخرًا في جلسات عمل نظمتها وزارة الصناعة بالتنسيق مع PADICA وذلك للخروج بخطة عمل منظمة و مدروسة لعملية جمع جلود الحيوانات طيلة أيام السنة بالتنسيق مع كل الوزارات المعنية.

هذه مزايا جمع جلود الأضاحي من جهته، يرى الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي، أن عملية جمع جلود الأضاحي وتدويرها شهدت ارتفاعًا خلال السنوات الماضية نتيجة للحملات التوعوية والجهود الحكومية الرامية إلى استغلال هذا المورد وتقليص فاتورة الاستيراد.

وعلى الرغم من تراجع نسبة النحر هذا العام وفقا للمؤشرات الأولية، إلا أن_ محدثنا_ يؤكد أن القيمة المالية المحققة من استغلال الجلود ستشهد ارتفاعًا، ويرجع الحيدوسي هذا التحسن إلى حملات التوعية التي لعبت دورا كبيرا في تحسيس المواطنين بأهمية استخدام هذه الجلود وإرسالها إلى مراكز التدوير.

 كما يتوقع محدّث "الترا جزائر" أن ترتفع القيمة المالية المحققة من استخدام الجلود، خاصة وأن الإحصائيات تظهر أن من بين أربعة ملايين أضحية تنحر في عيد الأضحى سنويا تسترجع منها حوالي 50 بالمائة، وهو رقم مهم من شأنه أن يساهم في تقليص فاتورة استيراد المواد الأولية التي تعتمد في الصناعة النسيجية والجلدية المصنعة محليًا.

كما سيكون لهذه الجلود في حال تم استرجاعها بطريقة صحيحة قيمة مضافة للاقتصاد الوطني الذي يعول على بعث الصناعة النسيجية التي سبق وعانت خلال السنوات الماضية نتيجة غلق ما يزيد عن 60 مصنعًا مختصا في الصناعة النسيجية بسبب نقص المواد الأولية والمدخلات الأساسية التي تعتمدها هذه الصناعة، ونفس الأمر بالنسبة لصناعة الجلود حيث تعتمد الجزائر على نسبة 90 بالمائة من استيراد الأحذية رغم المقومات التي تمتلكها حيث كانت في سنوات السبعينات رائدة في هذا المجال.

وعليه فمن الضروري الاعتماد على سياسة التدوير واستغلال جلود الأضاحي التي تعد بمثابة الثروة الحقيقية خاصة وأن هذه الأخيرة يمكن أن تستغل جلودها في العديد من الصناعات على غرار المنتجات الجلدية كأحذية والأحزمة الحقائب والملابس بكل أنواعها، وكذا المفروشات كالسجاد والستائر، كما تستغل كذلك في صناعة أثاث المنازل.

حماية المستهلك تحذر من جهتها، على لسان رئيسها مصطفى زبدي من خطورة الرمي العشوائي لمخلفات السلخ في الشوراع والأماكن العامة نظرًا لما تشكله من أضرار بيئية وصحية على المواطن، مشددًا على ضرورة الالتزام بالتوصيات الصادرة في هذا الشأن.

وأشار زبدي في إفادة لـ "الترا جزائر " أن مصالح البلدية على مستوى ولايات الوطن تعمل بالتنسيق مع مؤسسات النظافة على غرار" نات كوم" و"استرنات" التي تسعى على مدار 24 ساعة أيام العيد لضمان النظافة في الأحياء والمشاركة في حملة جمع جلود الأضاحي.

وأشار_ محدثنا_ إلى أن الحملة الوطنية التي اطلقتها وزارة الصناعة، بالتنسيق مع مجمع "جيتكس"، وكونفدرالية الصناعيين والمنتجين الجزائريين، وجمعية حماية المستهلك، والمرصد الوطني للمجتمع المدني، وشباب متطوعين، ساهمت خلال السنوات الماضية في القضاء على المظاهر السلبية التي كانت تعكر صفو العيد نتيجة الرمي العشوائي لمخلفات السلخ في الشوراع والتسبب في الروائح الكريهة.

كما يُنتظر أن تساهم هذه الحملة هذه السنة إلى جانب جمع جلود الأضاحي والاستفادة منها، في نشر التوعية وثقافة النظافة، وكذا التحسيس بأهمية المساهمة في جمع جلود الأضاحي، وضرورة التوجه نحو رسلكة النفايات التي تستفيد منها المؤسسات الصناعية في البلاد، على رأسها مجمع "جيتكس" الذي يساهم في صناعة منتوجات 100 بالمائة جزائرية، وكذا فتح المجال أمام الشباب لدخول عالم الشغل من خلال خلق مناصب شغل جديدة.

الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي لـ "الترا جزائر": عملية جمع جلود الأضاحي وتدويرها شهدت ارتفاعًا خلال السنوات الماضية

بالمقابل، دعا زبدي المستهلكين الجزائريين الذين تمكنوا هذه السنة من شراء أضاحي العيد وذلك رغم ارتفاع أسعارها _ يقول _إلى حسن استغلال بواقي الأضحية على غرار "الهيدورة"، مؤكدًا أن هذه الأخيرة تعد ثروة طبيعية حقيقية وجب استغلالها بشكل جيد قائلًا: "السنة الماضية تم جمع ما يقارب مليون و200 ألف جلد أضحية عبر التراب الوطني، غير أن سوء حفظها تسبب في تلف مليون منها حيث لم يصلح من هذه الأخيرة سوى 200 ألف وحدة".