07-أبريل-2022
طبق الشوربة الجزائرية لا يغيب عن مائدة رمضان (الصورة: يوتيوب)

"لا يمكن الاستغناء عنها، حضورها احتفال وغيابها نقصان من مائدة الإفطار الرمضانية"، هكذا يتحدث الجزائريون عن عروس الأكلات المتناولة طيلة شهر الصيام "الشوربة"، فعلاوة على كونها غذاء كاملًا لحيازته على مختلف الخضراوات بالإضافة إلى اللحم، فهي الطبق الذي لا يستغني عنه أغلب الجزائريون.

تختلف تسميات هذا الطبق الشعبي الذائع الصيت من منطقة لأخرى

بين الحصاد والحساء 

بعودة شهر رمضان، تعود معه عادات الغذاء وطبخ الأكلات الشهية وتزيين موائد الصائمين، غير أنّ أهم ما تعدّه العائلات في الجزائر هو " الفريك" أو " المرمز"، كأحد أهم مكونات طبق "الشربة" الذي بدوره يتربّع على مائدة الإفطار في كل مكان وزمان.

تختلف تسميات هذا الطبق الشعبي الذائع الصيت من منطقة لأخرى، ففي وسط الجزائر يطلق على هذا الطّبق الشّوربة أو " الفريك"، بينما في الشرق الجزائري غالبا ما يطلق عليه "الجاري"، أما في الغرب الجزائري فيسمى بـ" طبق الحريرة" وهو يعدّ بطريقة تختلف عن سابقتها، وغيرها من المناطق تطلق عليه اسم "الدشيشة" إلا أنها تسميات تتعلّق بكل ما درجت عليه العائلات في هذه المناطق، لكن كيف وصلت حبات القمح و الشعير لتصبح أهم مكوِّن لهذا الطبق الرئيسي في مائة رمضان؟

حكاية نصف قرن

مرحلة صناعة أو تجهيز "الفريك" هي مرحلة تأتي عقب فترة مضنية بين الفلاح والأرض، ومرحلة متعبة أثناء الحرث ثمّ الزرع وانتظار الأمطار التي تنبء بخير وفير ورؤية السّنابل الخضراء ثم الصفراء وهي شامخة في الحقول ثم تنتهي إلى مرحلة الدّرس والحصاد.

هذه المراحل اختصرها بعبارات اختصرها الفلاح عمار زيتوني، فهي مراحل انتقالية تعيشها حبّات القمح والشعير منذ أن تطلع للنّور في السّنابل إلى غاية أن تصبح حبّات " الفريك" أو "المرمز" الذي يصير جاهزًا لإعداد طبق "الشّربة" الشهية أو "الحريرة" الجزائرية.

حكاية هذا الفلاح مع "الفريك" قصة عمرها 50 سنة كاملة منذ أن وطأة قدماه منطقة عين طاية شرق العاصمة الجزائرية وهو طفل صغير من منطقة المعاضيد بولاية المسيلة، إذ تعلّق قلبه بالأرض وهو صغير وأورثها لأبنائه وهو شيخ بلغ العقد السابع من عمره.

تشارك العائلة في تجهيز حبات المرمز التي يتم بيعها للتجار الصغار في شهر رمضان نظرًا للإقبال عليه في الشهر الفضيل.

 كما قال زيتوني في حديث إلى "الترا جزائر" فغالبًا ما تساعد النساء في إعداد القمح اللين والشعير ليكون جاهزًا لتحويله إلى ما يسمى محليًا بـ "الفريك".

رزق العائلات

 يبدو أن عملية تحضير " الفريك المستخلصة من القمح" أو "الدشيشة أو المرمز المستخلصة من الشعير" عادة من عادات عديد العائلات الفلاحية في الجزائر رغم انحسارها، كما قالت السيدة سعيدة حمية من منطقة وادي جرّ"بأعالي منطقة البليدة، في حديث إلى"الترا جزائر".

ولفتت إلى أن الأسر تخصّص جزءًا من القمح وتركه كمادة ضرورية لإعداد طبق الشوربة في شهر رمضان، يمكن بيعها، كمدخول إضافي وفرصة لكسب المال.

ما بعد الحصاد طريق آخر في الاحتفاء بالقمح الذي يُستغل في إداد طبق الشربة، إذ شرحت السيدة حمية قائلة: "يتمّ ربط مجموعة سنابل القمح ببعضها البعض وتجميعها مجموعات، ويتمّ وضعها على النار أو ما يسمى بـ"التشواط" أي حرق السّنابل وتقليبها جيدًا حتى تتمكّن بعد ذلك من فركها بالأيدي؛ وهي عملية تستهدف نزع القشور عن لبّ حبات القمح والشعير وتنقيتها من الشّوائب والقشور غير الضرورية للطّهي.

عقب هذه المرحلة يتمّ تجفيف كلّ الكميات من حبات القمح بوضعها في الشّمس، حتى تصبح قابلة للطحن وهي المرحلة التالية، تليها بعد ذلك غربلة القمح الذي ينتج عنه دقيق القمح أو السميد أما "الفريك" فهو الذي يتم استعماله لطهي طبق الشّربة.

أما عن طريقة تحضير "الدّشيشة" المستخلصة من حبات الشعير، تتمثل في طهي الشعير على البخار مع القليل من الملح إلى يصبح لينا ثم يتم عرضه على الشّمس ليصبح قابلًا للطحن ثم غربلته منه ما يصبح قمح الشعير أو مادة لطهي شربة "المرمز".

تستغرق هذه العملية أيامًا معدُودات، وبعدها يتم وضع كميات منها في أكياس ويكون متاحًا للسويق والاستهلاك، ما يفسر اعتماد العديد من العائلات الجزائرية على تجهيزه بمناسبة الشهر الفضيل، منها ما جعلته مصدر لرزقها خصوصًا الفلاحين.

 الملفت للانتباه، أن إعداد مادة القمح أو الشعير لشربة رمضان في الجزائر كان عادة شعبية في السابق، تمارسها العائلات استعدادًا للشهر الفضيل، تجتمع على تحضيرها العائلات في القرى ويلتئم حولها الجيران، وتخيم عليهم الفرحة لإعداد "عولة" رمضان، لكن تفتقِد العائلات الجزائرية اليوم هذه الطّقوس أمام توفّر هذه المادّة صِناعيًا وتطوّر التّجهيزات لتحضيرها بآلات بعيدًا عن الطريقة التّقليدية التي كانت تعتمد في الماضي على الأيادي.

مقدّمة وجبة الإفطار

يتفق الكثيرون أن طبق الشوربة أو "حساء الفريك" خفيف وطيّب النُّكهة، ويتمّ تحضير هذا الطبق بوضع بعض الخضر كالبصل والجزر والكوسة والثوم فضلًا عن اللحم، وتنكيهه بالنعناع والكرافس، مع توابل الفلفل الأسود و"راس الحانوت".

تعتمد بعض المناطق على الفريك والطماطم واللحم والتوابل فقط دون الخضر في تحضير طبق الشوربة

تُطهى هذه المكوّنات في قدر من الفخار على نار هادئة وبعدها يضاف  الفريك" ومعجون الطماطم، لمدة لا تتجاوز 20 دقيقة، وتقدم مع قليل من الحشائش خاصة البقدونس، فيما تعتمد بعض المناطق على الفريك والطماطم واللحم والتوابل فقط دون الخضر.