تحت سماء حارقة، فتاة تبدو في العشرينيات من العمر ملقاة على حافة الرصيف، تستغيث من حولها "أنقذني.. أسعفني، إني أحتضر". المشهد ليس من فليم دراماتيكي من أحياء بروكلين الأميركية، بل استغاثة فتاة على حافة الموت في الضاحية الشرقية من ضواحي الجزائر العاصمة، هاجمها وحش الشوشنة.
كان جسد حنان (اسم مستعار) يهتز ويرتعش بشكلٍ قوي، تتنفس بصعوبة، يُسارع أعوان الحماية المدينة لتقديم الإسعافات الأولية والعودة بها إلى الحياة، يَتمكن أحد الأعوان من إفاقتها من غفوتها، ويَقرر نقلها بجناح السرعة إلى مستشفى زميرلي بالحراش، إلى مصلحة الاستعجالات.
يرفض أعوان الحماية أن ترافقهم صديقتها آمال، شابة تعترف أنها مدمنة هي الأخرى، هزيلة البُنية، لون بشرتها يَميل إلى الاصفرار والسواد، قبل انطلاق سيارة الاسعاف تُخبر أعوان الحماية أن صديقتها حنان تعاطت جرعة زائدة من عقاقير "الشوشنة".
في البدء كان الفضول
في حديث لـ "التر جزائر" تعترف آمال أنها رفقة حنان بدأتا تعاطي مادة "الشوشنة" منذ سنة تقريبًا، بدافع الفضول والبحث عن السعادة والنشوة، وقالت إن بداية تعاطيهما المخدرات، جاءت بعد علاقة جمعتها بشخص مدمن على استهلاك الحبوب المهلوسة، كان يوفر لهما "الشوشنة" مقابل الجنس والمتعة.
عالم الجريمة... الجحيم
تروي آمال قصتها رفقة حنان، تقول بعد توقيف وسجن عشيقها بسبب المتاجرة بالمخدرات، وبسبب الإدمان والحاجة إلى مادة الهيروين، قررتا الفرار والهروب سويًا من البيت، والاستسلام إلى عصابات الأحياء من المنحرفين والمجرمين بحثًا عن حقنة أو حقنين من مخدر "الشوشنة"، وتصف آمال الوسط الاجرامي بالوحشي والجهنمي، فالإدمان دفع بـهن إلى ممارسة الدعارة والجنس أو توزيع المؤثرات العقلية مقابل المال الذي يوفر لهما شراء مختلف العقاقير و"الشوشنة".
مادة سامة وقاتلة
في سياق الموضوع، تتداول كثير من المواقع التواصل الاجتماعي أخبار عن وفيات لشباب من وسط الأحياء الشعبية بسبب جرعة زائدة من المخدرات خاصّة ما بات يسمى "الشوشنة"، حيث باتت أحياء شعبية بكاملها تحت رحمة هذه المادة السامة والقاتلة، والتي انتشر استهلكها بشكل واسع وسط الذكور والإناث، فيما عجزت حملات الوقاية والتوعية التصدي من مخاطر المؤثرات العقلية على صحة الأفراد والشباب خاصة.
ما هي الشنوشنة؟
"الشوشنة" هي خليط من مادة الهيروين ذات الأصل الطبيعي، يضاف إليها مواد كيمائية معقدة قد تصل إلى عشرات المواد، مثل الكافيين والبراسيتمول و(MDMA) وهو عنصر تنشيط ذو أصل اصطناعي مصنوع بالكامل في المختبر من مواد كيميائية،وتعتبر الشوشنة من المخدرات الصلبة نظرًا إلى أثارها على الدماغ والمخاطر الصحية التي تشكلها.
يوجد أشكال عدية لـ "الشوشنة" على غرار مسحوق بني أو قطع صلبة سوداء اللون، واستخدامها يتم عبر التدخين أو الاستنشاق أو تحقن مباشرة في الجسم سواء على الوريد أو تحت الجلد، ويقدر ثمنها ما بين 1000 دج إلى غاية 6000-8000 دج حسب النوعية والكمية.
أضرار الشوشنة
في سياق الموضوع، تقول صونيا سيام، طبيبة مقيمة في الأمراض العقلية ومعالجة الإدمان، أن مخدر "الشوشنة" هو خليط من المواد الكيمائية يضاف إلى مادة الهيروين، وبخصوص أضرار تعاطي المخدر تقول المختصة في الأمراض العقلية، إن تأثيرات هذه المادة كباقي المواد الأفيونية، والمتمثلة في التوتر الدائم، وحالة الاكتئاب وغثيان والإسهال.
وتابعت أن النشوة التي تحصل بعد تعاطي الشوشنة لا تتعدى ثلاث ساعات، لتظهر بعدها أعراض خطيرة، كالتعرق الشديد، الهبات الساخنة، والاختناق، مشيرة أن الخطورة تكمن في ارتفاع جرعة "الشوشنة"، لأن الجسم يبدأ في الاعتياد على المادة وتزداد كميات الاستهلاك.
وكشفت محدثة "الترا جزائر"، أنه تم تسجيل كثير من الوفيات جراء تعاطي جرعات زائدة من مادة "الشوشنة"، لأنها تسبب مباشرة في انخفاض معدل ضربات القلب وإتلاف أعصاب الدماغ.
ارتفاع نسبة الاستهلاك
في السياق نفسه، تروي محدّثتنا أنه منذ الأزمة الصحية بسبب انتشار فيروس كورونا، ارتفع استهلاك هذا المخدر في مصالح علاج الأمراض النفسية والعقلية، وزاد مستوى الإدمان عليه، خاصة مع الانتشار والتعاطي الهائل والواسع لدواء "LYRICA"، وأفادت صونيا سيام، أنه من الصعب علاج الإدمان من مادة "الشوشنة"، والانسحاب صعب وأحيانًا قاتل، خاصّة دون متابعة طبية وصحية مختصة،وقالت إن الأمر يحتاج إلى علاج دوائي لأعراض المرتبطة بالإدمان للتغلب على أعرض وتأثيرات الانسحاب.
وبخصوص طرق المعالجة والتداوي من استهلاك "الشوشنة" حذرت المختصة من التداوي الفردي، فالمدمن الذي يقرر التوقف عن التعاطي غالبا ما يعود وبشكل أكثر نظرا إلى المضاعفات الجانبية الخطيرة.
في السياق ذاته، أضافت أنه في الخارج، هناك علاجات بديلة على غرار دواء "méthadone"، قد يكون متاحًا ومتوفرًا على مستوى مراكز معالجة الإدمان ابتداءً من نهاية السنة الجارية.
ما هو ميثادون؟
وميثادون هو مسكن ألم ينتمي إلى عائلة الافيونات أو العلاجات المخدرة، ويستخدم في مساعدة مدمني الهيروين للتخلص من الاعراض الانسحابية عند التوقف عن تعاطي الهيروين، ويتم استخدامه داخل مراكز معالجة الإدمان.
وفي تقدير المختصة فإن مراكز معالجة سموم الإدمان في كل من مستشفى البليدة غرب ومركز الاستشفائي الشراقة في طور المرحلة التجريبية، زيادة على ذلك، أوضحت سيام إلى وجود برنامج خاص للعلاج سواءً العلاج المعنوي أو الدوائي.
الصحة العقلية في خطر
في السياق ذاته، يقول مصطفى بوالطين، مختص في الأمراض العقلية، أنه يجب أن ندق ناقوس الخطر فيما يخص انتشار الرهيب لتعاطي الحبوب المهلوسة ومادة "الكرك"، مضيأن انعكاسات استهلاك الحبوب المهلوسة والمواد السامة الأخرى، ينجر عنه تدمير الصحة العقلية للإنسان المتمثلة في صحة الدماغ، العدوانية على الغير، الانتحار، الهيجان، القلق والتوتر.
وزاد أن مضاعفات تعاطي السموم لها عواقب مالية واجتماعية، حيث قد يصل إلى الاعتداء على أملاك الغير والسرقة من أجل توفير المال، أو تزايد الجريمة عمومًا.
وتابع أن الأثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات خطيرة، تتمثل في الفشل الكلي في العمل والدراسة والابتعاد عن نمط معيشي صحي، إضافة إلى العزلة الاجتماعية والانطواء.
عجز في التأطير والتكوين
في سياق متصل، أفاد بوالطين أن المراكز والهياكل الصحية متوفرة، لكن النقص والعجز يكمنا في نقص تكوين المختصين الفاعلين في مجال الطب النفسي والتمريض، يسمح بمعالجة مستمرة وتقديم علاج نوعي وتكفل أفضل للمدمنين.
استحدثت منذ ثلاثة سنوات مصلحة مركزية لمحاربة الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وتم تعزيز المصلحة بمقر مركزي هام يتبع لمديرية الشرطة القضائية
من جهته، وتماشيًا مع تطور أساليب عصابات المتاجرة بالمخدرات وتنوع المؤثرات العقلية في السوق السوداء، وانتشار شبكات التوزيع، استحدثت منذ ثلاثة سنوات مصلحة مركزية لمحاربة الاتجار غير المشروع بالمخدرات، وتم تعزيز المصلحة بمقر مركزي هام يتبع لمديرية الشرطة القضائية، ومن حصيلة عملياته حجر سبعة ملايين قرص من المؤثرات العقلية وحجز 23 طن و763 كلغ و992 غرام من الكيف المعالج.