13-مايو-2020

مبادرة المغتربين الجزائريين تهدف إلى جمع التبرّعات لفائدة الجزائر (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

منحت أزمة فيروس كورونا فرصة لأفراد الجالية الجزائرية، المقيمين بالخارج للمساهمة في مواجهة هذه الجائحة، بالعمل التضامني الذي تقوم بها مختلف المبادرات، غير أن اهتمام الحكومة بالجالية يبدو أنه يبقى دون المستوى المنتظر، بالرغم من تخصيص وزارة لهذه الفئة من المجتمع، بالنظر إلى أن مسودّة الدستور المطروحة للنقاش تضع قيودًا أمام وصول المغتربين إلى سدّة الحكم في البلاد.

جمعية الصداقة الشعبية الجزائرية أجرت أكثر من 4500 عملية جراحية داخل البلاد

رغم التنمّر الذي تعرض له جزءٌ كبير من الجالية الجزائرية، على مواقع التواصل الاجتماعي، مع تسجيل أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث تبين أن أحد المغتربين المقيمين في فرنسا، كان وراء إصابة أولى الحالات المسجّلة بولاية البليدة، ودعوة البعض إلى عدم السماح بدخول المغتربية إلى البلاد في الظرف الحالي، من باب الوقاية من توسع الإصابة بالفيروس، إلا أن أفراد الجالية الجزائرية في مختلف دول العالم، لم يهتموا بهذا السلوك الذي عبرت عنه فئة ضيقّة، وسارعت إلى أن يكون تضامنها حاضرًا في الميدان.

اقرأ/ي أيضًا: منع نقل جثامين الجزائريين من فرنسا ودفنهم مؤقتًا في قبور إسمنتية

مساهمات عديدة

بغية تنظيم عملية التضامن التي تقوم بها الجالية الجزائرية في الخارج، تم تكثيف الجهود ضمن مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، منها المبادرة الوطنية للجالية الجزائرية في الخارج للمساهمة في حل أزمة كورونا التي أطلقت حملة تضامنية تحت عنوان "من أجل الجزائر".

وأوضح مطلقو هذه الحملة أن مبادرتهم جاءت ليكونوا "يدًا بيد، إلى جنب الأطباء والممرضين، والعاملين في قطاع الصحّة بالجزائر"، باعتبارهم خط الدفاع الأوّل في مواجهة فيروس كورونا المستجد، حيث أطلق أصحاب المبادرة موقعًا إلكترونيًا لتسهيل مساهمة المتبرعين لجمع المستلزمات الضرورية لمواجهة كورونا.

وتتكوّن هذه المبادرة، من "مجموعة من الشخصيات والجمعيات الطبية والخيرية الجزائرية الموجودة في الخارج، الذين ينشطون تحت لواء جمعية الصداقة الشعبية الجزائرية الفرنسية، كغطاء قانوني لهذه المبادرة".

وتنشط هذه الجمعية التي يرأسها الدكتور حسام كريب، في العمل الطبي التطوّعي منذ ستّ سنوات، فقد قامت بإجراء أكثر من 4500 عملية جراحية، وأكثر من سبعة آلاف فحص طبّي، داخل مستشفيات الجزائر العميقة،  في أكثر من 33 ولاية.

حرص مطلقو المبادرة على التأكيد أنهم ليسوا بديلًا لباقي الفاعلين في مواجهة هذا الوباء، إنما خطوتهم "هي امتداد طبيعي للجهود الرسمية وغير الرسمية التي تُبذل في التصدي لهذا الوباء الخطير".

واستطاعت هذه المبادرة لوحدها، من تأمين وصول 10 آلاف اختبار كاشف سريع عن الفيروس من الصين إلى الجزائر، وشراء 5200 كاشف سريع عن الفيروس، تنتظر الشحن من بلجيكا إلى الجزائر، وتوزيع 2500 كمامة من صنع محلّي في الجزائر، ووصول سبعة آلاف كمامة وثلاثة آلاف بدلة واقية، تم التبرّع بها من طرف شركة صينية-جزائرية، إضافة إلى جمع 150 وحدة من أغطية الأسرة للمستشفيات، بالتنسيق مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

جميع الفئات

وانخرط في مختلف الحملات التضامنية التي نظمتها الجالية الجزائرية، نجومٌ في الفن والرياضة، فقد سبق للمغني "سولكينغ" أن أطلق تحديًا على مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في توفير مستلزمات الوقاية من فيروس كورونا.

وتمحورت مبادرة "سولكينغ" بترشيح ثلاثة أسماء يتحدّاها بالمشاركة في المبادرة، وفي حال قبولهم لهذا التحدي يقومون هم أيضا بترشيح أسماء جديدة للانضمام لهذه المبادرة من أجل جمع أموال تحول للجمعيات الخيرية وللعاملين في قطاع الصحة لموجهة فيروس كورونا.

وتفاعل مع هذه المبادرة عدة أسماء معروفة خاصة في المجال الرياضي كقائد المنتخب الوطني الحالي رياض محرز، والقائد السابق للخضر مجيد بوقرة، إضافة إلى لاعبين آخرين منهم نبيل بن طالب ومدحي لحسن.

وفي شهر نيسان/أفريل الماضي، أطلق العالمان الجزائريان طه مرغوب وبلقاسم حبة، مبادرة من أجل اقتناء العتاد الطبّي لفائدة معهد باستور-الجزائر، في إطار مكافحة فيروس كورونا المستجد، والتي عرفت تجاوبًا لافتًا من قبل عدد كبير من النخبة العلمية الجزائرية المقيمة في أميركا، ومن مختلف أفراد الجالية المقيمين هناك.

يشار إلى أن البروفيسور طه مرغوب، هو أستاذ باحث في قسم المناعة في كليّة الطب في ميموريال سلون، في مركز السرطان بنيويورك، ورئيس الجمعية الجزائرية-الأميركية للباحثين في مجال العلوم، أما بلقاسم حبّة فهو باحث في مجال التكنولوجيات المبتكرة، وحائز على أكثر من 1400 براءة اختراع.

دون المطلوب

غير أن هذه الهبة التضامنية التي عبر عنها أفراد الجالية الجزائرية في الخارج، لازالت لا تقابل من طرف السلطة بالمستوى المتوقع، بالنظر إلى أنه حتّى القوانين الجزائرية لازالت تنظر إلى المغتربين في بعض الأمور بعين مشكّكة في وطنيتهم وانتمائهم.

وتظهر هذه النظرة بوضوح في بعض ما تضمنته مسودّة المشروع التمهيدي للدستور في المادة 91 منه، أنه لا يترشّح لرئاسة الجمهورية من تجنس بجنسية أخرى، في حين أن الكثير من الكفاءات من أفراد الجالية دفعتهم الظروف المتعلقة بالحصول على أوراق الإقامة، والعمل لحمل جنسية البلد المقيمين فيها.

كما تنصّ المادة ذاتها، أن زوج المترشّح للرئاسيات، يجب أن يتمتع بالجنسية الأصلية فقط، كما يثبت إقامة دائمة بالجزائر لعشر سنوات قبل الترشّح، وهي جوانب قد لا تسمح ظروف أفراد الجالية المقيمين بالخارج مهما كانت كفاءتهم وحبهم للوطن، بتقلد منصب رئاسة البلاد.

لكن رغم هذا، يبدو أن السلطة قد قرّرت التخفيف من بعض القيود التي تضمنها دستور 2016 المعدّل، خاصّة ما تعلق بما جاء في المادة 63، التي تنصّ أن "التمتّع بالجنسية الجزائرية دون سواها، شرطًا لتولي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية، بالنظر إلى أن المسودة المطروحة للنقاش، لم تشر إلى  مضمون هذه المادة إن تم التخلّي عنها، أم أنه لم يتم ذكرها مجددًا لأنها غير معنية بالتعديل.

 القوانين الجزائرية لازالت تنظر إلى المغتربين بعين مشكّكة في وطنيتهم وانتمائهم

وإلى حين الإفراج عن الدستور المنتظر بصيغته النهائية، يبقى على السلطة إثبات اهتمامها الفعلي بجاليتها الموجودة بالخارج، التي تكون حاضرة في كل المواعيد، لأن الجيل الجديد من المغتربين الجزائريين، يريد وضوحًا أكثر في نظرة الحكومة، له وليس الاقتصار على تعيين وزارة منتدبة مكلفة بالجالية بالخارج فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجالية الجزائرية والحراك الشعبي.. الوطن الذي يسكن المغتربين

فيروس كورونا.. الرئيس تبون يأمر بإجلاء 36 جزائريًا عالقًا في الصين