مع بداية كل موسم حرث وبذر يتجدّد موعد الاحتفالات الشعبية في الجزائر، ويتجدد معها اللقاء الجماعي بين الناس في طقوس متنوعة تلتئم صورها فيما يُطلق عليه اسم "الوعدة"، إذ يحتفل السكان بعادات لازالت فعالياتها ظاهرة للعيان وتتوارثها الأجيال وما زال صداها يحيا بين أفراد المجتمع.
منافسة بين عروش قبيلة فليتة على نقل الخيمة ونصبها في جو بهيج ممزوج بأصوات ضرب العصي وزغاريد النساء
هي علامة خاصة ببعض المدن الداخلية، إذ تشهد احتفالات ذات بعد اجتماعي وترفيهي، مثلما هي الاحتفالية السنوية للولي الصالح سيدي أمحمد بن عودة، ببلدية تحمل الاسم نفسه بولاية غيليزان غرب الجزائر.
مرّ على ترسيخها أربعة قرون، إلا أنها ما زالت تحافظ على خصوصيتها بين سكان المنطقة، كما يُقبِل عليها الزوار من كل حدب وصوب، قادمين من مختلف الولايات، وحتى من أفراد الجالية الوطنية المقيمة في الخارج.
ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية، يتمّ إكرام زوّار ضريح هذا الولي الصالح من سكان المنطقة الذين يجتهدون في تقديم طبق "الكسكسي" على مستوى الخيم التي تقام بالمناسبة.
عروض شعيية
كما تضمن هذه الاحتفالية الفرجة للجمهور، وذلك من خلال عروض الفنتازيا، التي يقدمها مئات الفرسان وهم يمتطون الأحصنة العربية الأصيلة والعربية البربرية، القادمين من مختلف ولايات الغرب الجزائري على غرار تيارت وعين الدفلى ومعسكر والشلف ومستغانم وغليزان.
المناسبة فرصة للحرفيين أيضا، إذ تعتبر هذه الفعاليات بالنسبة لهم فضاء لعرض منتجاتهم، واستقطاب جمهور أكبر، إذ "يعتبر هذا الموعد التقليدي السنوي مناسبة لاقتناء بعض المنتجات التي تعرض خلال الأنشطة التجارية المنظمة، كالألبسة التقليدية والمنتجات الحرفية والحلي والحلويات التقليدية والفواكه المجففة وغيرها.
وبمبادرة من المديرية الولائية للسياحة والصناعة التقليدية وغرفة الصناعة التقليدية والحرف، "تمّ تخصيص معرض خاص بمنتجات الصناعة التقليدية بمشاركة 30 حرفيا من عدة ولايات".
ويعتبر اليوم الثاني من الوعدة التي انطلقت أمس الثلاثاء، أهم موعد في هذه الاحتفالات التي تستمر أربعة أيام أي إلى غاية يوم الجمعة، إذ يتميّز هذا اليوم بوضع خيمة ضخمة يتعاون على بسطها في الأرض عروش قبيلة "فليتة" الـ 25، واللافت في ذلك أن خياطة تلك الخيمة يتم قبل موعد الوعدة باستخدام قطع منسوجة من الوبر الخام، وتمثّل كل قطعة فيها عرشا من هذه القبيلة، أي أن قوام هذه الخيمة 25 قطعة ولكل قطعة اسم قبيلة.
كما تتنافس عروش القبيلة (فليتة) على نقل الخيمة ونصبها في جو بهيج ممزوج بأصوات ضرب العصي وزغاريد النساء، علاوة عن مشاركة الفرق الفلكلورية في بعض العروض الشعبية.
أربعة أيام من الاحتفالات
بخصوص الولي الصالح سيدي أمحمد بن عودة، الذي تدوم وعدته أربعة أيام، فسيرته تقول بأنه "أمحمد بن يحي بن عبد العزيز وسمي "أمحمد بن عودة" نسبة إلى مربيته عودة، إذ ولد سنة 972 هجرية بنواحي وادي "مينا" وتوفي عام 1034 هجرية".
كما تُفيد الكتابات بأنّه عرف بكونه " كان عالما وأسس زاوية للتدريس وإيواء الفقراء وعابري السبيل وجاهد إلى جانب قبائل مجاهر في منتصف القرن السادس عشر في معركة "مزغران" الشهيرة (مستغانم)، التي هزموا فيها المحتل الإسباني".
أما بخصوص الاحتفالات الشعبية، كتب الباحث من جامعة مستغانم بن الحاج جلول لزرق، في دراسة بحثية حول القراءة الأنثروبولوجية لهذه الاحتفالية، قائلا بأنّ الوعدة أو ما يسمّى أيضا في بعض المناطق " الطعم" أو " الطعام"، احتفال " على شرف الأولياء الصالحين، وتأثيرهم على الناس مازال قائما، وامتداداته مازالت متواصلة وحاضرة بقوة في حياتهم.
عموما تعتبر الوعدة ظاهرة اجتماعية تشهدها عدة مناطق جزائرية، ويحافظ السكان على الاحتفاء بها كل سنة، غير أنّ كل منطقة تنسِب الاحتفالية لرجل صالح عاش فيها وترك أثر كبير في نوفوس السكان، وورثوه للأجيال.