31-أكتوبر-2024
ثاغيث

من "ثاغيث" انطلقت أول رصاصة في ثورة التحرير

الثورة الجزائرية التي سيحتفي الجزائريون بذكراها السبعين يوم الجمعة 1 نوفمبر/تشرين الثاني خطط لها وقادها أبطال واحتضنها الشعب في مدن وقرى وجبال مناطق البلاد قبل من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، لكن روايات ترجح أنّ شرارتها اندلعت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 من منطقة الأوراس في الشرق الجزائري.. فهل تعرفون هذا المكان وماذا تعرفون عن قصته؟

"ثاغيث" من  الأماكن الشاهدة على رحى المعارك وقصص الملاحم البطولية والصمود المحفورة في ثنايا التاريخ بأحرف من ذهب، وتشهد على شجاعة الجزائريين الذين آثروا التضحية من أجل انتزاع الحرية ولو كان ثمن ذلك أنهار من الدماء.

بقدر الحديث عن تاريخ وبطولات الثوّار الجزائريين الذين كافحوا المستعمر الفرنسي بأبسط الأسلحة وتمكنوا من طرده بعد سنوات من المقاومة والنضال على جبهات كثيرة عسكرية وسياسية ودينية أيضا، بقدر مكانة ورمزية الأمكنة التي كانت شاهدة على رحى المعارك وقصص الملاحم البطولية والصمود المحفورة في ثنايا التاريخ بأحرف من ذهب، وتشهد على شجاعة الجزائريين الذين آثروا التضحية من أجل انتزاع الحرية ولو كان ثمن ذلك أنهار من الدماء.

"ثاغيث".. مضيق ورصاصة أولى

وارتأت "الترا جزائر" تزامنا وإحياء الذكرى السبعين لثورة نوفمبر المجيدة 1954، الحديث عن "ثاغيث" واحد من المواقع التاريخية التي لها صلة مباشرة بالثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وتقدم تفاصيل عن هذا المكان الذي أطلقت منه أوّل رصاصة في الثورة التحريرية عام 1954 وتحديدا في  نوفمبر/تشرين الثاني.

ثاغيث

"ثاغيث".. قد يتبادر إلى الأذهان أنّها "تاغيت" جوهرة الساورة الواقعة في ولاية بشار بالصحراء الجزائرية، والتي يبدأ وينتهي اسمها بحرف التاء أي "تاغيت"، بالرغم من أنّ المعنى واحد  مع "ثاغيث" وهو مصطلح وكلمة بالأمازيغية وتعني الربوة  وتعني أيضا المكان الضيق، ولكنّها مكان تاريخي موقعه الجغرافي شمال الجزائر وبالضبط في ولاية باتنة، يتميز بتضاريس جبلية صعبة ومنحدرات وطرق ملتوية.

قد تتساءلون ما معنى "ثاغيث"؟ التي تشير إلى موقع اندلاع الثورة التحريرية واحدة من أكبر ثورات العالم كما تتضمنه لافتة معدنية متوسطة الحجم موجودة بالموقع.

وورد في اللافتة: "ثاغيث" هي نقيشة لاتينية تذكر شق طريق من طرف فصيلة عسكرية رومانية في العام 145 ميلادي"، وفي اللافتة الثانية كتب: "ثاغيث موقع اندلاع ثورة أوّل نوفمبر."

ثاغيث

من يزور هذا الموقع سيتعرّف على هذا التقديم الموجز البسيط، لكن وراءه تضحيات جسام كانت الخطوات الأولى في سبيل التحرير والاستقلال، حيث ينتصب نصب تذكاريا شامخا بهذا المكان بالمكان تخليدا للشهداء الذين سقطوا في ميدان الشرف دفاعا عن الجزائر،  وموثقون بالاسم واللقب وبلا شك الزائر سيق وقفة احترام لهؤلاء الأبطال ويترحم على أرواحهم الطاهرة ويقف دقيقة صمت، مستذكرا صور النضال والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم لسنوات طويلة توجت بالنصر وافتكاك الحرية.

ما وراء "ثاغيث"؟

وعن هذا الموقع وأحداثه التاريخية يتحدث الدكتور جمال مسرحي أستاذ التاريخ بجامعة باتنة1 ويقول إنّ "النقيشة التي تدل على اسم ثاغيث وضعها الجيش الروماني (الفرقة السادسة المساعدة فراتا) كمعلم تذكاري لانجازها الطريق بين تازولت وتهودة سنة 145 م ولا علاقة لها بتسمية القرية." ويضيف مسرحي في حديث لـ"التراجزائر": "تاغيت تعني المخنق  أو المضيق."

ويشير المتحدث إلى أنّ" اندلاع الثورة لم يكن في باتنة وحدها، ولكن شمل كل مناطق الوطن مثلما خطط له القادة الستة الذين أشرفوا على التحضير للعمل المسلح، لكن العدد الأكبر من العمليات العسكرية كان في الأوراس عموما وليس في باتنة فقط

ووفق الأستاذ مسرحي: "باتنه كمدينة شهدت محاولة اقتحام إحدى الثكنات التي تقع في وسط المدينة، أمّا باقي العمليات فكانت في مناطق مختلفة من ولاية باتنة منها 3 عمليات في تكوت، عملية واحدة بأريس، عملية واحدة بإيشمول، وعملية واحدة بسريانة، وعدّة عمليات بخنشلة، إضافة إلى عملية واحدة ببسكرة.. إلخ."

ثاغيث

ويوضح المتحدث أنّ "هذه العمليات التي هندس لها جيش التحرير الوطني تم تنفيذها في توقيت متقارب ليلة الفاتح نوفمبر، حيث كثافة العمليات تركزت في منطقة الأوراس عموما وعاصمتها باتنة ومردّه إلى التحضير الجيد الذي قام به الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد ومن معه والدور الكبير الذي لعبته المنظمة السرّية (النواة الأولى لجيش التحرير الوطني وتم تأسيسها في 1947) في الأوراس بتوفير السلاح والذخيرة."

ويرى جمال مسرحي أنّ "ثاغيث" هو أحد المواقع التي نفذت فيها العمليات الأولى فقط،  وهناك في نفس البلدية موقعين آخرين نفذت فيهما العمليات، وتم قطع الأسلاك الهاتفية وضرب الجسر ثم إطلاق الرصاص على ثكنة للدرك في تكوت."

كيف فاجأت الثورة المستعمر الفرنسي؟

وتقع "ثاغيث" التي لا تبعد عن قرية "أولاد موسى" ببضع كيلومترات، على طريق وطني ضيّق في منطقة جبلية ذات طابع شبه صحراوي تابعة لبلدية تكوت الواقعة بين ولايتي باتنة وبسكرة، ويميزها نفق ومنعرجات أعلى واد سحيق يفصل الأوراس الأعلى عن الأوراس الأدنى، تفضي إلى مكان أوسع.

وبحسب مصادر تاريخية "في هذا المكان نقش الرومان على صخور الجبال جدارية تروي كيف استطاعت فرقة عسكرية شق طريق سنة 145م للمرور إلى الصحراء.

وعلى خلفية هذا المكان التاريخي "ثاغيث"، تفاجأ المستعمر الفرنسي رغم آلته العسكرية وجيوشه الجرارة من شدّة وكثافة العمليات العسكرية التي نفذها جيش التحرير الوطني في توقيت واحد وفي وليلة واحدة ومن مناطق مختلفة عبر ربوع الجزائر، ولم يكن يحدث هذا لولا التنسيق الكبير والتحضيرات المسبقة التي سبقت إعلان شرارة الثورة، حيث نجح القادة الستة في التخطيط المحكم والتنفيذ العالي الدقة في الميدان وهم مصطفى بن بولعيد، كريم بلقاسم، رابح بيطاط، مراد ديدوش، محمد بوضياف والعربي بن مهيدي.