بعدما استفاد الشاب مروان من العفو الرئاسي بمناسبة عيد الاستقلال في الخامس تمّوز/جويلية الفارط، أودع مجدّدًا المؤسّسة العقابية "الحراش" بالعاصمة، لارتكابه جنحة الضرب العمدي وتكوين مجموعة أشرار.
رغم وجود قوانين ردعية إلا أن ظاهرة العنف والاعتداءات وحرب الشوارع في تزايد مخيف
يقول والد مروان، إنه لم يمر شهر واحد حتى عاد ابنه إلى السجن للمرّة الثانية، وأبدى المتحدّث أسفه في حديث لـ "الترا جزائر" من دور المؤسّسات العقابية التي أصبحت مركزًا للانحراف حسب قوله.
اقرأ/ي أيضًا: الاعتداء على طفل أفريقي بالجزائر.. السوشيال ميديا تدفع السلطات إلى التحرك
يوضّح المتحدّث أن السجون تسمح للوافدين إليها، من تكوين علاقات قد تصبح صداقات وشبكات أخرى خارج أسوار السجن بعد انقضاء فترة العقوبة، كما والد مروان أن "الشارع بات يتحكم اليوم في أبنائنا بشكل مخيف مع الانتشار الهائل للحبوب المهلوسة والمخدرات وغياب التأطير الأمني".
حرب الشوارع
من جانبها، تناقلت مؤخّرًا مواقع إعلامية وعبر منصات السوشيل ميديا، صورًا ومقاطع فيديوهات متداولة لسلسلة من الاعتداءات على مواطنين، وسرقة وتخريب لممتلكات الغير، إضافة إلى حرب عصابات بين شباب الأحياء، تستعمل فيها الكلاب المدربة، وسكاكين وأسلحة بيضاء خطيرة، مما كان يستدعي تدخّل قوات الشرطة والدرك مستعينة بوحدات قتالية من قوّات التدخّل السريع.
لقد أصبحت أحياء وشوارع بكاملها تحت قبضة وسيطرة عصابات تحترف بيع المخدّرات والسطو على الممتلكات، من بينهم قصّر يتم الزجّ بهم في الصراع الدائر بينهم، أو احتكار الشوارع لفرض مقابل مادي مقابل ركن السيارت في الشارع.
هنا، تقول سيّدة تقطن بمنطقة شرقية بضواحي العاصمة، إن انعدام الأمن تعدى الشارع ليصل حدود البيوت، فقد أمست المواجهات الليلية حسبها شبه يومية في الأحياء والشوارع بين العصابات الإجرامية، حيث تقوم بالاعتداء والسرقة وتكسير السيارات ونوافذ البيوت، وخاصّة إثارة الرعب بين السكان.
تعود الأسباب حسب المتحدثة في الغالب، إلى منع هؤلاء من استغلال حضائر السيارات في الشوارع، أو صراع يخصّ وضع طاولات التجارة في الأسواق الموازية، ويكفي شجار بين مراهقيْن ليتحوّل الأمر إلى حرب الشوارع.
تضيف السيدة أنيسة، أنها كانت تضطر أحيانًا للتودّد واستعطاف شباب ومراهقي الحي لحماية بناتها وابنها الوحيد، وتضيف أن خوف سكان الأحياء الشعبية من الانتقام، يدفع بالكثير إلى عدم تقديم شكاوى لمصالح الأمن.
إجراءات قانونية ردعية
من جهتها، تعتزم الحكومة إصدار قانون جديد من شأنه ردع عصابات الأحياء، ووضع حدٍّ لتغول الخارجين عن القانون، إضافة إلى سنّ عقوبات صارمة ضدّ استخدام أي نوع من أنواع الأسلحة البيضاء.
في مقابل ذلك، يرى مراقبون أن الردع العقابي لا يكفي، فرغم وجود قوانين ردعية إلا أن ظاهرة العنف والاعتداءات وحرب الشوارع في تزايد مخيف، ما يستدعي ضرورة التفكير في إيجاد حلول جدية ومعالجة عميقة.
الظاهرة أعمق
في سياق هذا الموضوع، يرى مختصّون في علم الاجتماع أن ظاهرة العنف هي امتداد لرواسب ما بعد الأزمة الأمنية، حيث كانت الشوارع وأزقّة الأحياء الشعبية مسرحًا للمواجهات المسلّحة وجرائم القتل والاعتداءات اليومية، وبات العنف مَؤلُوفًا عند جيل كامل، مما تسبب في شعور باللامبالاة أمام الموت.
إضافة إلى ذلك، يجدر التذكير أن ظاهرة عنف الشوارع قد شهدت منحىً تصاعديًا بعد عمليات الترحيل إلى مراكز العبور، ونقل سكان بيوت الصفيح إلى مجمّعات سكنية لا تتوفّر على الحد الأدنى من الحياة الكريمة أو منشآت ثقافية ونوادٍ رياضية، زيادة على وجودها خارج مجال التغطية الأمنية.
جاء إسكان مواطنين من أحياء شعبية مختلفة غير منسجمة في مساكن اسمنتية تشبه "غيتوهات" أو مراقد، ليتحوّل المكان إلى حرب زعامات بين تجار المخدرات، مما قد يحول خلافًا ثنائيًا أو معاكسة فتاة إلى حرب اقتتال بين شباب الأحياء.
ظاهرة العنف والاعتداءات عادة ما تتزايد مع صدور العفو الرئاسي الذي يمسّ المساجين
تُظهر إذن إحصائيات كثيرة عبر ما تتداوله الصحف اليومية، أن ظاهرة العنف والاعتداءات عادة ما تتزايد مع صدور العفو الرئاسي الذي يمسّ المساجين، وفي ظلّ هذا التصاعد طالب مواطنون إعادة النظر في شروط الاستفادة من العفو الرئاسي، كأن تستثنى فئة أصحاب السوابق العدلية، ووجوب إعادة التفكير في المنظومة العقابية في الجزائر، ليشمل ذلك تحسين دور المؤسّسات العقابية.
اقرأ/ي أيضًا:
المهاجرون الأفارقة في الجزائر.. شقاء الأحلام
ما كل هذه العنصرية في الجزائر؟