صنف المجلس الأعلى للأمن في الجزائر الذي يرأسه رئيس الجمهورية في شهر أيار/ماي الماضي حركة "ماك" الانفصالية ضمن الجماعات الإرهابية، مشددًا على ضرورة التعامل معها بهذه الصفة.
دعا رئيس "الماك" فرحات مهني في 2018 في اجتماع مع أنصاره بلندن إلى العمل المسلح ضدّ الجزائر
وبنت السلطات الجزائرية اتخاذ هذا التصنيف في حق "الماك" التي تأسست عام 2001 " بارتكاب هذا التنظيم "أفعال عدائية وتحريضية ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد والمساس بأمنها"، فما هي أبرز الجوانب التي جعلت الجزائر تواجه اليوم جماعة إرهابية جديدة تختلف عن الجماعات الإرهابية المتشدّدة التي واجهاتها في السنوات الماضية خلال التسعينيات، وما أوجه الشبه مع هذه الجماعات؟
اقرأ/ي أيضًا: حرائق الغابات في منطقة القبائل.. "الماك" يدعو لتدخّل أجنبي إيكولوجي
العمل المسلح
استفادت حركة "الماك" الانفصالية أيما استفادة طيلة 20 سنة من تعامل نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة معها، فقد تساهل مع نشاط عناصرها وغضّ الطرف عن أفعالهم الخارجة عن القانون، فجعلها من مجرّد جماعات صغيرة لا تأثير لها على الشارع، إلى حركة أصبحت تنظم الاحتجاجات وتطلق الشعارات العنصرية علنًا، خاصة أصحاب المنطقة الذين كانوا أولى ضحايا سياستها العنصرية، وهو ما جعلها ترفع مطالبها من الحكم الذاتي إلى الاستقلال الكامل عن الجزائر.
ولتحقيق هذا الاستقلال المزعوم، دعا رئيس "الماك "فرحات مهني في 2018 في اجتماع مع أنصاره بلندن إلى العمل المسلح ضدّ الجزائر، وذلك بإنشاء "قوة حماية شعبية في المنطقة تحل محل الأجهزة الأمنية الجزائرية" التي يصفها بـ"المحتلة"، وإلى "إنشاء جهاز أمني مسلّح في منطقة القبائل يحلّ محل السلطات الأمنية الجزائرية، على طريقة قوات حماية الشعب الكردية في سورية".
وقال مهني "يجب أن نستبدل السلطة الاستعمارية بسلطة قبائلية. أدعو شبابنا في منطقة القبائل إلى الانخراط في هذا الجهاز المسلّح، الذي سيكون خطوة جديدة في طريقنا الطويل للاستقلال". وتشبه هذه الدعوة بما قام به القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي بلحاج في التسعينات، والتي تم بموجبها تأسيس الجيش الإسلامي للانقاذ بقيادة مدني مزراق.
ولم يتوقّف النزوح نحو العمل المسلح بتشكيل مليشيات عند الخطاب السياسي، بل ترجمته الماك ميدانيًا، بعد أن كشفت وزارة الدفاع في 25 أفريل/نيسان أفريل الماضي إفشالها مخطط تفجير إرهابي كانت حركة "ماك" تنوي تنفيذه في البلاد في وسط الحراكيين، لتوجيه أصابع الاتهام إلى الأمن الجزائري بدعوى محاولته إحباط الحراك الشعبي.
وجاء في بيان وزارة الدفاع أنه "استكمالًا للتحقيقات الأمنية المتعلقة بالعملية المنفذة في أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، من طرف المصالح الأمنية التابعة لوزارة الدفاع الوطني والمتعلقة بتفكيك خلية إجرامية متكونة من منتسبين للحركة الانفصالية "ماك" متورطين في التخطيط لتنفيذ تفجيرات وأعمال إجرامية وسط مسيرات وتجمعات شعبية بعدة مناطق من الوطن، بالإضافة إلى حجز أسلحة حربية ومتفجرات كانت موجهة لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، تم الكشف عن الإعداد لمؤامرة خطيرة تستهدف البلاد من طرف هذه الحركة".
وحسب وزارة الدفاع، فإن اعترافات عضو سابق في حركة "ماك" كشفت عن "وجود مخطط إجرامي خبيث يعتمد على تنفيذ هذه التفجيرات ومن ثم استغلال صور تلك العمليات في حملاتها المغرضة والهدامة كذريعة لاستجداء التدخل الخارجي في شؤون بلادنا الداخلية، حيث تورط في هذا المخطط عدة عناصر منتمية للماك، تلقت تدريبات قتالية في الخارج وبتمويل ودعم من دول أجنبية". ورغم نفي حركة الماك لما كشفته وزارة الدفاع، إلا أن ما قامت به في اغتيال الشاب جمال بن إسماعيل يؤكّد أن العنف والعمل المسلح صار مبدأ من عقيدتها الانفصالية.
من جهته، انشق مؤخّرًا الرجل الثاني في حركة "الماك"، المغني الفبائلي عميروش نايت شعبان عن التنظيم الإنفصالي وصرّح بأن "الماك" تحوّل إلى "تنظيم إرهابي خطير"، مضيفًا أنه سيكشف عن كل مخططاته بالأدلة، وأن حركة "الماك" تحالفت مع إسرائيل لإنشاء خلايا إرهابية في الجزائر تهدف إلى تقسيم الجزائر، كما كشف عميروش الذي رافق هذه الحركة الانفصالية منذ نشأتها بأن "الماك" كان لها اليد الطولى في مقتل جمال بن سماعين، لإثارة حرب أهلية بين العرب والأمازيغ في المنطقة، واعترف أنه تعرّض للتهديد بالتصفية بسبب انشقاقه عن هذا التنطيم.
عنصرية
لم يتفاجأ كثيرون بالعبارات العنصرية التي وردت في اغتيال الشاب جمال بن اسماعيل ومنها" العرب حيوانات"، فشهادات حية من منطقة القبائل تؤكد أن عناصر "الماك" تحمل حقدًا كبيرًا على بقية الجزائريين، بل إنهم شهدوا على فرحهم وابتهاجهم بما تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني بحقّ الفلسطينين والعرب، ولهذا لجأت إلى هذا العمل لتوقيف قوافل المساعدات القادمة إلى منطقة القبائل تحديدًا، وإثارة الفوضى بين العنصر العربي والأمازيغي.
ويتم ترديد هذه العبارات العنصرية في مسيرات عديدة قامت بها حركة الماك بمنطقة القبائل، والتي تروج لأفضلية عناصرها مقارنة بباقي الأجناس خاصة العرب والمسلمين، ورغم زعمها بأنها تتبنى فكرًا تقدميًا ومدنيًا، إلا أن حركة "الماك" لا تقبل الاختلاف، فكانت تهاجم وتضايق سكان المنطقة الذين يدفعون فواتير الكهرباء، أو يشاركون في الفعاليات السياسية، بل ويرفعون شعارات في مسيرات في منطقة القبائل تدعو إلى طرد العرب من المنطقة وترحيلهم.
مساس بالسيادة
خطاب حركة "الماك" لا يختلف كثيرًا عن الجماعات المتشدّدة في التسعينات، فبالأمس استعملت الحركات المتشدّدة الإسلام مطية لتشددها، ولكن الحركة "الانفصالية" استعملت عنصرًا آخر من عناصر الهوية الوطنية المتمثل في الأمازيغية للترويج لفكرها وأفعالها المتشددة.
ورغم أن "الماك" لا تملك طابع النشاط الرسمي، إلا أنها تظلّ مخالفة لمضمون الدستور الجزائري الذي يمنع التذرّع بأي نشاط سياسي لضرب القيم والمكوّنات الأساسيّة للهوّيّة الوطنيّة، والوحدة الوطنيّة، وأمن التّراب الوطنيّ وسلامته، واستقلال البلاد، كما يمنع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس دينيّ أو لغويّ أو عرقيّ أو جهويّ، وهي كلها ممنوعات ارتكبتها "الماك".
وتثبت تهمة التآمر على الدولة في حق "الماك" بالتعدي على رموز سيادتها، وأبرزها النشيد والرايتين الوطنيتين، فالماك وضعت علمًا خاصًا بها وحاولت "استفزاز" الجزائريين بتحالفها مع الحركات الإسرائيلية، والمساس بسيادة الدولة الجزائرية، عكسته في تنقلاتها الخارجية، من خلال إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، والاستنجاد بالناتو وتنظيمات دولية للتدخّل بالجزائر.
وزار فرحات مهني رئيس الماك تل أبيب عام 2012، والتقى بنائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، حيث صرح وقتها أنه يرغب في فتح سفارة للكيان الصهيوني بمنطقة القبائل.
وبالنظر لمضامين القوانين الجزائرية، فإن من أهم المآخذ على "الماك" التي تجعل السلطة محقة في تصنيفها بالحركة الإرهابية إضافة إلى ما سبق هو لجوئها للتمويل الخارجي، فقد عرض التلفزيون الجزائري الرسمي شهر نيسان/أفريل الماضي اعتراف العضو السابق لحركة "ماك" نور الدين حدار الذي قال إن زعيم الحركة فرحات مهني يتلقى تمويلًا أجنبيًّا بملايير الدينارات.
ما هي الطرق التي ستنتهجها الحكومة للحد من توسع هذا التنظيم الإرهابي وتوقيف عناصره
الأكيد أن كل الأدلة والأسباب لتصنيف كانت كافية لتصنيف "الماك" حركة متطرفة، وهو ما قامت به السلطة باقدامها على اتخاذ قرار أيار/ماي الماضي، ليبقى التساؤل حول الطرق التي ستنتهجها الحكومة للحد من توسع هذا التنظيم وتوقيف عناصره، وفي مقدمتهم زعيمها فرحات مهني الذي يتخذ من فرنسا منبرًا لمهاجمة الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا:
فرحات مهني في جامعة تيزي وزو.. "هشاشة" خطاب الانفصال في أعين الجزائريين
فرحات مهني.. من الحراك الثقافي إلى التطبيع الانفصالي