شهدت الساحة الثقافية الجزائرية خلال سنة 2019 هزّات متفاوتة، موازاةً مع الأحداث السياسية المتسارعة ومسيرات الحراك الشعبي المتواصل منذ شباط/ فيفري الفارط.
قدّمت الوزيرة السابقة مريم مرداسي استقالتها لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح الذي قبلها على الفور
حينما نتأمّل أحداث سنة 2019، يحضرنا قول الكاتب محمد بن زيان، "أيّ تدهور سياسي هو بالضرورة تدهور ثقافي"، وبما أن الحياة السياسية لهذه السنة كانت مغايرة وخلاقة، حيث بعثت نوعًا من التجديد في جميع المجالات، كان لابدّ من جردٍ لأهم ما عاشته الثقافة في الجزائر. سنة عرفت رحيل أسماء فنية مهمّة وفارقة، وصنعت أسماء جديدة صعدت إلى السطح بعد تغييب طويل.
اقرأ/ي أيضًا: إيداع وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي رهن الحبس المؤقت
وزيرة "غير مرفوضة"
كان تكليف الشابة مريم مرداسي بحقيبة وزارة الثقافة، من بين أبرز التعيينات التي شهدت جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافية والشعبية خلال شهر شهر نيسان/أفريل الماضي، في حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها نور الدين بدوي، عبر آخر تعديلٍ وزاريٍ قام به الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قبل استقالته.
أثار هذا التعيين حفيظة كثيرين، خاصّة بين شباب الحراك ورواده، الذين اعتبروا قبولها بهذا المنصب خيانة لهم، إضافة إلى أنها كانت من أوائل مساندي الحراك وداعميه، حيث عبّرت مرارًا عن موقفها المساند بخروجها في مظاهرات عديدة، وعبر منشورات على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
عُرفت ابنة المؤرّخ عبد المجيد مرداسي، بتصريحاتها المثيرة للجدل خلال تولّيها قطاع الثقافة، فبعد حملة رفض عارمة طالبتها بالرحيل، باعتبار أنها تنتمي إلى حكومة مرفوضة شعبيًا، وبعد ردود أفعال من عدّة مثقفين وفاعلين سياسيين، خرجت الوزيرة السابقة، بتصريحات وُصفت بـ "المستفزّة" عبر منصّات التواصل عبر الأنترنت، حين قالت: "أنا لست مرفوضة". وبقيت متمسّكة بمنصبها وموقفها الداعم لحكومة بدوي.
مأتم في حفل سولكينغ
قدّمت الوزيرة السابقة مريم مرداسي، استقالتها لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح الذي قبلها على الفور حسب بيان للرئاسة، إثر الفاجعة التي وقعت خلال حفل مغنّي الراب "سولكينغ" في ملعب 20 أوت بالعاصمة في شهر آب/أوت الفارط، فقد تسبب التدافع الذي حصل على بوابات الدخول في مقتل خمسة أشخاص، وجرح 86 آخرين حسب مصادر للحماية المدنية.
الحادث أدّى أيضًا، إلى إنهاء مهام المدير العام للأمن الوطني، وقبل ذلك مدير الديوان الوطني لحقوق المؤلّف سامي بن الشيخ، الذي حُكم عليه لاحقًا بالحبس ستة أشهر، ثلاثة منها نافذة، إضافة إلى غرامة مالية، على اعتبار أنّ الديوان الوطني لحقوق المؤلّف كان المسؤول الأوّل عن تنظيم هذا الحفل.
في السياق ذاته، أنكر الفنان "سولكينغ" لاحقًا عبر منشورات على انستغرام وفيسبوك علمه بهذه الحادثة خلال الحفل، ما فسّر استمراره في الغناء إلى نهايته.
أثيرت حول هذا الحادث ذلك تساؤلات كثيرة، عمّا إذا كان الأمر إقالة الوزيرة الشابة في ثوب استقالة، نظرًا إلى أن تاريخ المسؤولين الجزائريين لم يعترف يومًا بثقافة الاستقالة.
الفساد يطيح بخليدة تومي
عرفت هذه السنة أيضًا إيداع الوزيرة السابقة خليدة تومي الحبس المؤقّت، خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفارط. الوزيرة التي كانت من أشد مناصري الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، رغم تاريخها النضالي كناشطة نسوية ومدافعة عن الهويّة الأمازيغية.
حوكمت خليدة تومي في قضايا تتعلّق بالفساد، وتبديد المال العام في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة العربية لسنة 2011، ومنح امتيازات غير مستحقة، وسوء استغلال الوظيفة حسب التلفزيون الرسمي.
تعدّ الوزيرة السابقة خليدة تومي، من أكثر الوزراء مكوثًا في منصب وزارة الثقافة، حيث قضت مدّة 12 سنة على رأسها، وهي أيضًا أوّل امرأة تشغل منصبًا رسميًا تخضع للمحاكمة بعد استقالة بوتفليقة، في إطار محاسبة رؤوس الفساد في عهده.
أصوات التمرّد والحرية
لطالما كانت أهازيج مسيرات المتظاهرين السلميين، المستمدّة من أغاني أنصار كرة القدم، مصدر إلهامٍ لكثير من الفنانين، أطلقوا أغانٍ حملت صوت الشعب الغاضب والآمل في آن واحد.
نجد من أبرز الأغاني على الإطلاق أغنية الحرّية "لا ليبيرتي" لمغنّي الراب رؤوف دراجي المعروف باسم "سولكينغ"، وهي من بين أكثر الأغاني رواجًا في الحراك، إذ اعتبرها البعض "النشيد الرسمي للحراك الشعبي".
من جهته، قدّم فنان الراب المغترب "ألجيرينو"، أغنية "لا جيري ميا مور" التي ذاع صيتها بشكل سريعٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، ونجحت في تحقيق ملايين من المشاهدات على موقع يوتيوب، خاصّة وأنه أدّاها بعدّة لغات منها الأمازيغية.
المغنية رجاء مزيان أيضًا آثرت أن تمنح للحراك صوتًا لاذعًا ينتقد النظام، وأطلقت أغنية "ألو نظام"، "متمرّدة" و"سامّ"، مستغلة فنّ الراب لإيصال رسائل مشفّرة تارة، وواضحة تارةً أخرى، إلى من اعتبرتهم أعداء الشعب.
رجاء مزيان التي مُنعت أغانيها من الترويج والعرض داخل الجزائر، وتعرّضت للتضييق إلى أن هاجرت إلى أوروبا، حوّلت كل جهدها إلى إنتاج هذه الأغاني التي يردّدها كل ساخط على النظام القائم في الجزائر، وقد نجحت رجاء مزيان من الوصول إلى قائمة هيئة الإذاعة الوطنية البريطانية "بي بي سي" لأكثر النساء إلهامًا وتأثيرها لعام 2019، وهي التي جعلت المتظاهرين يردّدون بصوت واحد "مدنية، إرادة شعبية، عندي هوية عربية أمازيغية".
انتفاضة الحراك الأدبي
اعتمد كثير من الكتاب الجزائريين على موجة الحراك الشعبي المتواصل، إذ خيّمت روح الانتفاضة الشعبية على الكثير من الأقلام الجديدة، إضافة إلى أسماء معروفة آثرت بدورها الكتابة عن الحرّية التي يصبو إليها الشعب الجزائري بكل طوائفه وأيديولوجياته.
يُعتبر معرض الكتاب الدولي "سيلا"، أكبر محفل تشهده الساحة الأدبية في الجزائر، حيث يجمع المئات من دور النشر الجزائرية والعربية والعالمية، ويُعتبر ملتقى للكتّاب والمبدعين، ولو لمرّة واحدة في السنة.
قاد التغيير السياسي والاجتماعي الذي حدث خلال الأشهر الأخير إلى عهد جديد في مجال الإصدارات، ودفع بالكثير من الكتاب إلى خوض تجربة حراكية تعدّدت رؤاها وتنوّعت زواياها.
كتاب "الهبة الشعبية 22 فيفري" للكاتب عبد العالي رزاقي، آثر صاحبه أن يحمّله زخمًا من المعلومات والمفاجآت، كونه أجرى لقاءات عدّة مع عبد العزيز بوتفليقة حسب تصريح سابق، واعتبر الكاتب تلك المعلومات مصدرًا مهمًّا لفحوى كتابه الذي انتقل من الخوض في تلك اللقاءات، وصولًا إلى بداية ما أسماه بالهبّة الشعبية.
أمّا كتاب "رماد يذروه السكون" للكاتب عبد الرزاق بوكبة، فكان أيضًا حاضرًا في معرض الكتاب الدولي عن دار ضمّة للنشر، حيث آثر كاتبه مرافقة الحراك الشعبي انطلاقًا من عدّة زوايا تأملية أهمها الجيل الجديد الذي قاد هذا التغيير، نافيا فكرة أنه جيل مستقيل ومنسحب ولا مبالٍ، إنما كان فقط مُوَقفًا سياسيًّا منه بالدّرجة الأولى حسب ما صرح به الكاتب.
من جهتها، أصدرت الإعلامية نوارة لحرش بدورها كتاب "الحراك، أسئلة ومآلات"، الصادر عن دار خيال، حيث رصدت فيه آراء نخبة من الباحثين والكتاب الذين واكبوا الحراك بكتاباتهم منذ شبّاط/فيفري الفارط، واعتمدت نوارة على ما نشرته من مقالاتٍ واستطلاعات للرأي عبر صفحة "كرّاس الثقافة" لجريدة النصر الجزائرية.
هناك عدّة إصدارات أخرى تناولت الحراك، منها "من قلب الحراك" للكاتب التهامي مجوري، مقالات للكاتب سعيد بوطاجين بعنوان "مرايا عاكسة في قلب الحراك، "الكتابة على أطراف الحراك"، للأكاديمي لونيس بن علي، إضافة إلى "يوميات الحراك" للشاعر عمر أزراج، وغيرها الكثير من الإصدارات التي أثرت موضوع المسيرات الشعبية والوضع السياسي في البلاد.
مغازلات أدبية أخرى
عرفت الإصدارات الأدبية لهذا العام أيضًا، خروجًا ملفتًا من ظلّ الرواية نحو مجالات أرحب كالفلسفة والإصدارات النقدية والشعر والسياسة أيضًا.
من أبرز إصدارات سنة 2019 في مجال الرواية، كتاب "رجل في الخمسين" للكاتب حميد عبد القادر، "طير الليل" للكاتب عمارة لخوص، و"سيرة الملح" للكاتب العربي رمضاني، و"جيم" للكاتب سارة النمس، و"لو" للكاتب مراد بوكرزازة.
وفي مجال الترجمة، نجد كتاب "كونغو" لإيريك فويار، ترجمة صلاح باديس، و"الانتلجنسيا المغربية أفكار ونزاعات" لكاتبه فلاديمير ماكسيمينكو. ترجمة عب العزيز بوباكير، إضافة إلى الرواية السياسية "مملكة الموز" لكاتبها بوعلام بطاطاش. وصدر مؤلّفان في الفلسفة لجمال بلقاسم بعنوان "إيماديوراس أو نصوص على وشك القيامة" و"الروبوتات والإمبراطورية"، أما في الدراسات النقدية فنجد كتاب أمينة بلعلى "خطاب الأنساق".
الجوائز والترشيحات الأدبية
كان حضور الكتاب الجزائريين في الطبعة الخامسة من مهرجان "كتارا" لافتًا هذه السنة، من خلال تتويج ثلاثة أسماء بارزة في الساحة الثقافية، حيث فاز الكاتب الحبيب السايح بالمرتبة الأولى عن فئة الرواية المنشورة بروايته "أنا وحاييم" الصادرة عن دار ميم سنة 2018، كما فازت الناقدة منى صريفق بجائزة عن فئة الدراسات التي تعنى بالبحث والنقد الروائي، عن دراستها "راهنية المعنى بين مشروعية الفهم ومأزق كتابة، تاريخ التبرير، مقاربة تأويلية ثقافية في نصوص عربية ناقدة".
وفاز أيضًا الكاتب ناصر سالمي بجائزة "كاتارا" عن فئة الرواية غير المنشورة عن مخطوطه "فنجان قهوة وقطعة كرواسون".
أمّا الإعلان عن القائمة الطويلة لمرشّحي جائزة "البوكر" التي بلغ عددها عشرين رواية، فضمّت القائمة أربع روايات جزائرية وهي "حطب سراييفو" للكاتب سعيد خطيبي الصادرة عن منشورات الاختلاف، إضافة إلى عبد الوهاب عيساوي عن روايته "الديوان الإسبرطي" الصادرة عن دار ميم للنشر، و"سلالم ترولار" لسمير قسيمي الصادرة عن منشورات البرزخ الجزائر، وأخيرًا رواية "اختلاط المواسم" للكاتب بشير مفتي الصادرة عن منشورات الاختلاف.
حصاد السينما الجزائرية
برزت السينما الجزائرية هذا العام من خلال عدة أفلام نافست في العديد من المهرجانات العالمية، أبرزها فيلم "بابيشة" لمخرجته مونيا مدور، وهو فيلم يتناول قصّة مصمّمة أزياء تواجه تحديات إثبات ذاتها، وتحدّيها لتهديدات الجماعات المسلحة خلال العشرية السوداء.
هذا الفيلم الذي شكّل جدلًا غير مسبوق بسبب منع عرضه في الجزائر، لأسباب بقيت مجهولة إلى حدّ الآن، في حين حصد العمل عدة جوائز وترشحيات في مهرجانات دولية، أبرزها ترشحيه إلى جائزة "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي.
من بين تتويجات الفيلم، حصوله على جائزة أحسن ممثلة للفنانة لينا خودري، وجائزة أحسن سيناريو وأحسن موسيقى في "مهرجان الفيلم الفرنكوفوني أنغولام 2019"، إضافة إلى تتويجه في مهرجان الجونة السينمائي، في مصر، ونجاحه في الوصول إلى القائمة الطويلة لجوائز الأوسكار هذا العام.
فيلم "أبو ليلى" للمخرج أمين سيدي بومدين، حضي باستحسان النقاد وفاز بجائزة أحسن ممثل في مهرجان قرطاج السينمائي في دورته الثلاثين، لصالح الفنان إلياس سالم، وجائزة "الموجة الجديدة" في "مهرجان سيفيا للفيلم الأوروبي".
أمّا في فئة الفيلم القصير، فقد فاز فيلم "تويزة" لمخرجه كريم بن غانة بجائزة أحسن أداء نسوي للفنانة أميرة هيلدا، في مهرجان الفيلم القصير المتوسّطي بطنجة المغربية.
الفيلم الوثائقي أيضًا كانت لديه حصته هذا العام، من خلال "143 طريق الصحراء" للمخرج حسان فرحاني، من إنتاج جزائري فرنسي قطري.
شارك هذا الفيلم الوثائقي في عدّة مهرجانات، حيث حاز على جائزتي "أفضل مخرج واعد" و"لجنة التحكيم الثانوية" في مهرجان لوكارنو السويسري، إضافة إلى "جائزة الإوز الأبيض" بمهرجان سيول الدول وكذل الجائزة الفضية لمهرجان الجونة لأفضل فيلم وثائقي.
مهرجانات واعدة
شهدت مدينة قسنطينة شرق الجزائر، نسخة جديدة من المهرجان الثقافي الموسيقي"ديما جاز" في طبعته السادسة عشرة، والذي جرت فعالياته هذه السنة على ركح المسرح الجهوي محمد الطاهر فرقاني، حيث عرف مشاركة عدّة فرق من ثمانية بلدان عربية وأجنبية، منها فرنسا، لبنان، كندا، والنمسا التي كانت ضيفة شرف المهرجان.
تنوّعت الموسيقى المقدمة في المهرجان في مزيج بين الجاز، البلوز وموسيقى الغناوة، وقد أثبت هذا المهرجان خلال طبعاته، قدرته على استقطاب أبرز الأسماء في موسيقى الجاز، مع حفاظه على طابع خاص بالمغرب العربي والقارّة الأفريقية.
في الطابع السمفوني، نظمت أوبرا الجزائر خلال شهر تشرين/أكتوبر الفارط، طبعة أخرى من "المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السمفونية" بمشاركة واسعة من 16 دولة مختلفة منها التشيك، سويسرا، أوكرانيا، ألمانيا، تركيا، فرنسا ومصر ضيفة شرف لهذا العام.
هواة "الكوسبلاي" في الجزائر كانوا على موعدٍ هذه السنة مع "مهرجان الشريط المرسوم" في طبعته الثانية عشر. هذه التظاهرة التي عرفت مشاركة واسعة للعديد من الفنانين والكتاّب الجزائريين والأجانب، الذين ساهموا في المعارض والندوات الفكرية وجلسات البيع بالتوقيع، كما استقطبت عددًا كبيرًا من المهتمّين بالإنمي الياباني، كما نظمت عروض ومسابقات لأزياء الكوسبلاي وجائزة أحسن ملصق، كما شهد المهرجان عروضًا للقصص الجزائرية، أشهرها مجلة "مقيديش" لأحمد هارون التي تعتبر أوّل مجلة جزائرية مصوّرة عمرها خمسون عامًا، حيث عاصرت هذه المجلّة عدّة أجيال منذ 1969 حتى سنة 1974.
الراحلون عنا سنة 2019
فقدت الساحة السينمائية المخرج الكبير موسى حداد بتاريخ 17 كانون الأوّل/ديسمبر عن عمر ناهز 81 سنة. صاحب الفيلم الشهير "عطلة المفتش الطاهر" الذي كان من بين أفلام السبعينات الأكثر نجاحًا ورواجًا، كما أنه شارك في فيلم "معركة الجزائر" كمساعد مخرج للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو سنة 1967. إضافة إلى أفلام "أولاد نوفمبر" و"حسان طيرو في الجبل" و"حراڨة بلوز".
غادرتنا أيضًا هذه السنة، الممثلة الفرنسية ماري جوزي نات، عن عمر ناهز 79 سنة، بعد معاناة طويلة مع المرض. ماري جوزي بوحلاسة هي من أب جزائري من أصول أمازيغية، عاش في إقليم كورسيكا. اشتهرت بدور فروجة في فيلم الأفيون والعصا للمخرج أحمد راشدي، حيث شاركت الراحل سيد علي كويرات بطولة الفيلم.
فقدت الساحة الفنية أيضًا هذه السنة، المخرج والسيناريست شريف عقون خلال شهر كانون الأوّل/ديسمبر، إثر سكتة قلبية في باريس عن عمر الثامنة والستين.
المخرج هو صاحب أوّل فيلم قصير باللغة الأمازيغية، كما قدم الفيلم الطويل "البطلة"، الذي صور فيه معاناة إحدى العائلات الجزائرية خلال العشرية السوداء.
شهد هذا العام أيضًا، رحيل السيناريست الفرنسي من أصل جزائري عزيز شواقي، في سن السابعة والستين في باريس الفرنسية، إثر أزمة قلبية.
وتوفي السيناريست الجزائر في التسعينات، بعد تهديدات عديدة من الجماعات المتطرّفة، وهو الذي اشتهر في كتاباته باللغة الفرنسية بانتقاده للتطرف الإسلامي. كما كتب روايته "نجمة الجزائر" (2011)، التي ترجمت إلى لغات عدّة، وتحكي قصة موسى ماسي الذي يريد أن يصبح مايكل جاكسون الجزائر، قبل أن يتحوّل إلى شخص متديّن.
رحيل مغنّي الراي المثير للجدل هواري منار هذا العام، فتح الباب لنقاشات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في بداية سنة 2019، حيث فارق الفنان الحياة، عن عمر ناهز السادسة والثلاثين، تحت التخدير الطبّي أثناء إجرائه عملية تجميل.
الفنان هواري منار، هو من مواليد مارسيليا الفرنسية، وكان ممنوعًا من الظهور في القنوات الرسمية، ومن المشاركة في الاحتفالات الوطنية بسبب الجدل المثار حوله، رغم أنه يحظى بمتابعة واسعة على يوتيوب وشبكات التواصل.
هذه السنة عرفت رحيل المطرب محمد العماري في سن الـ 79، بعد صراع مع المرض، صاحب أغنيات "رانا هنا" و"جزايرية" الذي مثل الجزائر في العديد من المحافل الدولية، وغنّى لمحمد الحبيب حشلاف، ومحبوباتي، ومصطفى تومي وغيرهم، كما امتاز بصوته القويّ والمتفرّد، وشخصيته القويّة على المسرح.
إلى متى؟
عمومًا، كانت الثقافة في الجزائر وسيلة سياسية تتقاذفها المصالح، وهي حتمًا مجال لابدّ له من إعادة إعمار وترتيب لكل تلك الأوراق المخلوطة، بعد عمليات النهب والسطو التي طالت خزينة الوزارة الوصية، إضافة إلى سنوات متعاقبة من الركود الذي تسبب فيه صمت بعض المثقفين والأكاديميين، إضافة إلى سيطرة سياسات ثقافية رديئة بعثتها السلطة في المشهد العام.
لم تكن المبادرات الفردية أبدًا حلًا كافيًا لإحداث انتعاش الوسط الثقافي
لقد كان التواطؤ بالفعل متقاسمًا بين السلطة وزمرة لا بأس بها من المثقفين، سواءً بالوقوف جنبًا إلى جنب لصنع مشهد المتواضع، أو بالنأي عن لعب دور المثقف العضوي الفاعل في المجتمع، حيث لم تكن المبادرات الفردية أبدًا حلًا كافيًا لإحداث ذلك الانتعاش المبتغى في هذا الوسط، فهل سيتحرّر المثقّف والفعل الثقافي مواكبةً لكل هذا التغيير الحاصل؟
اقرأ/ي أيضًا:
"جدل الثقافة".. النقد في مواجهة أسئلة الكولونيالية وما بعدها
المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين