10-نوفمبر-2023
الفنان الفلسطيني محمد علي ديب (الترا جزائر)

الفنان الفلسطيني محمد علي ديب (الترا جزائر)

سواءً اتجهت شرقًا أو غربًا، جنوبًا أو شمالًا، ومهما كان البلد الذي قررت أن تحطّ رحالك به، وتتكيف مع بيئته ومجتمعه، فإنّ الوطن يظلّ يسكنك بتفاصيله الصغيرة التي قد لا يشعر بها من لم يجرّب طعم الاغتراب، هكذا هو حال الفنان الفلسطيني محمد علي ديب الذي يعيش بين نار الغربة وحلم العودة.

الفنان الفلسطيني محمد علي ديب لـ "الترا جزائر": فلسطين ستنتصر وسيذكر التاريخ من قدّم المساعدة والمتفرج لن يذكر وجوده

وفي حوار مع "التراجزائر" يتوقّف الفنان الفلسطيني محمد علي ديب عند محطات مختلفة يعود عبرها إلى تجربته الفنية في ألمانيا بعد الجزائر، دوره كفنان في الدفاع عن فلسطين، الوضع الراهن في غزّة التي تقاوم الاحتلال الصهيوني وحلفائه، حلم العودة إلى فلسطين.. ونقاط أخرى.

حلم العودة..

يقول المسرحي والراقص علي ديب المقيم في برلين منذ 2015، عن حاله في المهجر وكيف يتابع العدوان على غزّة في ظلّ البعد وألم الغربة إنّه "مثل باقي الفلسطينيين الذين لا يستطيعون العودة إلى بلادهم، قلوبهم وأرواحهم معلّقة بجانب مفاتيح البيت المسلوب، ينتظرون العودة بفارغ الصبر إلى الأرض التي تشبههم ويشبهونها.".

محمد علي ديب

ويضيف المتحدث: " نبدأ يومنا بالاطمئنان على الأهل والأصدقاء، ونكمل يومنا وقلوبنا مليئة بالقهر..  تفاصيل يومنا العادية أصبحت مليئة باللّوم والعتاب الذاتي".

وذكر علي ديب المولود عام 1984 (كلاجئ فلسطيني) في سوريا أنّه "إذا أراد مثلًا أن يشرب الماء، يفكر بالنّاس الذين لا يستطيعون الحصول على الماء تحت القصف، وقس على ذلك بقية تفاصيل اليوم العادية جدًا والتي أصبحت -وفقه- تُعتبر أحلامًا في غزة الآن، مثل فنجان قهوة، رغيف خبز، قليل من السكر".

ويضيف ديب بمرارة: "هذه التفاصيل الصغيرة في حياتنا أصبحت أحلامًا في غزة، لكن كما تقولون في الجزائر "الله غالب وهذي الحال"."

محمد علي ديب الذي يحمل فلسطين في دمه وشرايينه يسرد بحرقة ما يعانيه بين نارين نار الغربة ونار العودة، ويعبّر عن ذلك بقوله " تخيل يا صديقي أننا نصرف عمرنا، بمّا لا يقل عن 10سنوات، لكي نحصل على جواز أوروبي، لكي نستطيع أن نزور فلسطين، حتى ولو لمرّة واحدة، حتى من أجل شهيقٍ واحد، نَفَس واحد، وليكن بعدها ما يكون".

ويستطرد قائلًا: "أُتابع أخبار غزة بخليط غير مفهوم من المشاعر، شعور بالفخر والاعتزاز بأننا نمشي قُدُماً على طريق التحرير (تحرير كل فلسطين، من شمالها إلى جنوبها ومن بحرها إلى نهرها)،  وفي نفس الوقت، هنالك شعور كبير بالعجز، أمام صمود أهلنا في غزة الأبية والأيقونة لكل من يريد أن يتحرر من الاحتلال، دون أن ننسى صمود أهلنا في الضفة الغربية وباقي أراضينا الفلسطينية المحتلة عام 48..".

نضال في الخارج من أجل فلسطين

وحول دور فنانين فلسطين في التعريف بالقضية وفضح الاحتلال في الخارج، يعتبر علي ديب أنّه يشعر بـ"القهر يوميًا، ليس وحده فقط، بل كل الفلسطينيين الموجودين في بلدان مختلفة، لكن كفنان فلسطيني في المهجر أو في بلدان اللجوء يدرك تمامًا –بحسب تعبيره- أنّهم لا يستطيعون الوصول بسهولة لعقل الإنسان الغربي (الأوروبي، الأمريكي، اللاتيني)، لذا يحاولون في البداية إظهار الحقيقة للأشخاص العاديين، مثل الزملاء في العمل أو الأصدقاء أو الجيران، الذين لم يسمعوا عن احتلال فلسطين من قبل أو عن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ 75 عامًا هي -كما قال- عمر الاحتلال الحقير".

وعن تجربته الشخصية يوضح أنّه "يحاول على المستوى الشخصي أن يقول لكل من يعرفه من الألمان أو الأميركان أو من أي جنسية أخرى، أنه مازال حيًا وأنه يقاوم بشكل آخر ولن ينسى فلسطين حتى لو كان يشعر بالأمان في أوروبا".

وفي معرض حديثه، أشار إلى أنه "يقول ذلك بطريقة مباشرة عن طريق الأحاديث الشخصية، أو عن طريق الأعمال المسرحية أو المواد البصرية مثل الصور والفيديو، لأنّ فلسطين موجودة في تفاصيل يومه.. في البيت، في ملابسه، على لسانه، على منصات التواصل الاجتماعي".

وفي السياق لفت إلى "وجود نتائج ملموسة وبشكل لا يصدق، على المستوى الشخصي، بحيث كان سببًا في تغيير وجهات نظر الكثير من الأصدقاء الألمان، من خلال إيصال القصة الحقيقية عن احتلال فلسطين، وعن بداية القصة وكيف وصلَت ليومنا هذا".

الغرب والعنصرية

وبشأن ما إذا يتعرضون لمضايقات وعنصرية بسبب دعم بلاده في ظلّ ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع كل من يتضامن مع غزّة من العرب والمسلمين، يجيب بكل وضوح، قائلًا: " أما عن العنصرية، فهذا حديث يطول سرد تفاصيله وأحداثه، تجارب شخصية أو تجارب أصدقاء أو ما نراه على شاشة التلفاز هو حقيقة، هناك الكثير من العنصرية التي نقابلها في حياتنا اليومية، على مستوى المهنة أو العمل، وحتى في الشارع".

ويتابع قوله: "لكن هذه العنصرية تختلف نسبتها من مكان لآخر وتختلف مستوياتها حسب الفئة العمرية التي تعمل أو تتواصل معها أو المكان الذي تتواجد فيه، لكن في الوقت نفسه هناك من تستطيع أن تصفهم بالأشخاص "الخارقين" الذين يخرجون فجأة من العدم لكي يدافعوا عنك، دون أدنى معرفة تصلك بهم وفقط لأنهم يؤمنون بالمساواة وغير راضين عن سياسات حكوماتهم".

القضية.. الوعي في الغرب أصبح أكبر

ويعتقد علي ديب الذي يشتغل في مجال الفن الرابع منذ أكثر من 17 عامًا أنّ "ما يٌشاهد الآن في أوروبا وبقية أرجاء العالم دليل على أن الوعي بالقضية الفلسطينية أصبح أكبر، وشاغل للرأي العام العالمي على مستوى الفرد أو الإنسان العادي أو الطالب الجامعي، ممن لديه صلة صداقة بشخص لديه خلفية مشرقية أو عربية أو أمازيغية أو خلفية دينية مختلفة عن المجتمع الغربي. وهذه بحد ذاته –يعتبره- نصر لفلسطين وهزيمة مُذلة لدعاية الاحتلال الصهيوني الذي يدّعي الإنسانية بينما يقتل آلاف الفلسطينيين وعلى الهواء مباشر".

ويؤكّد في هذا السياق أنّ "فلسطين ستنتصر، وسيذكر التاريخ من قدّم يد المساعدة للشعب الفلسطيني ولأرض فلسطين، بينما من وقف متفرجًا دون حتى أن يفتح فمه، فهؤلاء سينساهم حتى أعزّ أقربائهم وسوف لن نستطيع تذكر وجودهم بيننا".

الألم.. دافع لأستمر

وعلى صعيد أعمال التي يقدّمها في برلين ومدى حضور قضية فلسطين فيها، ومدى ترجمته لما يحدث من جرائم وتقتيل ومجازر يومية من طرف الاحتلال الصهيوني، يوضح المتحدث أنّه يحاول دائمًا التمسك بالألم في العروض التي يقدمها على المسرح، وذلك كدافع للاستمرار وإثبات الوجود دون محاولة لتجميل الألم أو الموت بطريقة درامية مبتذلة."

يحاول محمد علي ديب "سرد النص بطريقة مُبسّطة قدر الإمكان، دون المبالغة بالأداء "لأنني أؤمن أن الفن على خشبة المسرح هو الحقيقة التي نراها في حياتنا اليومية.. وفكرة تَجميل الموت أو الألم غير واردة في قاموسي الشخصي".

وبالنسبة له "الموت هو الموت، الألم هو الألم وعلى الجمهور أن يُحضّر نفسه لجرعة كبيرة من الحزن، وفي وصف ذلك يشرح: "لا أترجم الألم، بل أنقله كما هو للجمهور، الجمهور يجب أن يبكي، لأن الحكاية لم تنتهِ بعد بنهاية سعيدة، عندما تتحرر فلسطين، في حال كنت على قيد الحياة، سأُقدّم عملاً مسرحيًا بنهاية سعيدة".

الفنان الفلسطيني محمد علي ديب

مشاريع وأماني

ومن سوريا، حيث ولد، إلى الجزائر، التي عاش بها سنتين وانضم إلى "باليها الوطني" للرقص، إلى إسبانيا، ثم برلين، تتواصل رحلة علي ديب في ممارسة فنّ يهواه ويعشقه، في حين سيطل على الجمهور سينمائيا من خلال كتاب سيصدر -كما كشف- قريبا.

وفي ختام حواره مع "التراجزائر" أبرز علي ديب جزءًا من تجربته الفنية في ألمانيا وتحدث عن مشاريعه وأعماله من بينها أنّه يدرّس الرقص ويقدّم ورشات حركة الجسد مع فئات عمرية مختلفة، وكانت له مشاركة في مهرجان المسرح التجريبي الدولي في القاهرة في شهر أيلول/ سبتمبر الفائت، في انتظار مشاركته بمهرجان تونس للرقص المعاصر في الشهر القادم، في حال لم يتم تأجيل موعد المهرجان.

ويأمل محدث "الترا جزائر" في العودة إلى الجزائر مجددًا للمشاركة في مهرجاناتها الدولية والوقوف على مسارحها المميزة، ومشاركة الأصدقاء والأحبة من الفنانين الجزائريين، أعمالًا مسرحية تبقى في الذاكرة الجزائرية الفلسطينية.

الفنان الفلسطيني محمد علي ديب لـ "الترا جزائر":  أنقل الألم للجمهور دون تجميل لأنّ قصة فلسطين لم تنته بعد بنهاية سعيدة

محمد علي ديب وهو شاعر أيضًا، قدّم عدّة عروض عن فلسطين أبرزها "في النهاية"، كما عمل بالمقابل متطوعًا لمدة ثماني سنوات مع المفوضية مع الأطفال اللاجئين كمصمم رقصات ومعلم رقص، وكان قد درس الرقص بمسرح "إنانا" للرقص بدمشق، وشارك مع "إنانا" في عديد المهرجانات بمختلف الدول العربية.