يعود الكاتب والإعلامي الجزائري موهوب رفيق في هذا الحوار مع "الترا جزائر" إلى روايته الجديدة التي تصدر خلال أيام عن دار "فهرنهايت". ويقول إنّها تغوص عبر قالب بوليسي تاريخي وواقعي في سنوات الجمر بالجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي.
"الهرّاب" رواية تنبش في حياة وتاريخ اليهود بالجزائر بأسلوب يجمع بين الرواية البوليسية والتاريخية والواقعية
ويتحدّث صاحب "الهرّاب" لماذا اختار لأحداثها شخصية "اليهودي" بطلًا، كما يتحدث ويبدي رأيه في قضايا ثقافية خاصة الجوائز الأدبية والجدل الذي صنعته "هواريةّ" لإنعام بيوض الفائزة بجائزة آسيا جبار للرواية..إلخ.
بعد روايتك الأولى "منام ميت" تعود في رواية ثانية بعنوان "الهرّاب" ودائما بموضوع تاريخي.. ماذا تحكي تحديدا؟
يتحدث نص رواية "الهَرّاب" عن شخصية داوود اليهودي التي تقود القارئ في رحلة عبر فترة التسعينات الدموية في الجزائر بكل ما تحمله من مآسي إنسانية وتناقضات فكرية، وتتناول الرواية حياة البطل وتجاربه وكل ما يكوّن شخصيته كموروث عائلته من الحقبة الاستعمارية إلى مرحلة العشرية السوداء، أين يجد نفسه فاعلًا في الأحداث مؤثرًا ومتأثرًا بحيثياتها.
كيف وصفت حقبة التسعينيات في روايتك؟
فترة التسعينات الدموية والأشد قسوة على الجزائريين في مرحلة ما بعد الاستقلال، والتي سبق بها الجزائريون إخوانهم العرب في معايشة تناقضات الإيديولوجية وضيق الأفق الفكري، كنتيجة حتمية لطول المعاناة الفكرية والمصطلحية، وغياب بيئة للحوار المجتمعي المفتوح، كانت نتائجه كارثية، رأى فيها الجزائريون من فظائع الحرب الأهلية أشكالا وألوانا، من تقاتل بين الإخوة ومجازر يندى لها الجبين خزيا ورعبا، جرائم كان مقترفوها أقل ما يقال عنهم أنهم فقدوا إنسانيتهم قبل أن يفقدوا عقولهم، أحداث ستبقى وصمة على جبين الضمير الجمعي الجزائري، كلما تعرض لها أحد بالذكر تفتقت الأسئلة المُحَيّرة لتبقى دون إجابات.
هل تقوم روايتك على قصة حقيقية؟
هي رواية متشابكة الأحداث في رحلة يتقاطع خلالها الواقع بالخيال، عبارة عن محاوِلة لتسليط الضوء على جانب مهمل في المجتمع الجزائري، بل يعدُّ من الطابوهات لثقل ما يحمل من التصورات الاجتماعية السلبية، حيث تعالج موضوع تواجد العنصر اليهودي داخل المجتمع الجزائري كمكون له حضوره التاريخي عبر الجغرافيا وفي ذاكرة الشعب الجزائري الثقافية، من خلال حي القصبة، حيث تسكن ذاكرة الجزائريين الجماعية، حافظة لمظاهر تلك الحضارات الغابرة التي مرت عليها، تتقاطع ثقافات صارعت النسيان تنسج عبر حكاية بطلها داوود اليهودي، الذي عايشت عائلته كل الأحداث التاريخية الجزائرية الكبرى، بدءًا من الحقبة الاستعمارية إلى الاستقلال، وصولًا إلى العشرية السوداء، حيث تتطور الأحداث وتتشابك لتشكل بيئة روائية تعكس مرحلة التسعينات المظلمة تتخللها أعمال جوسسة بطلها داوود، وجرائم قتل أبطالها أشباه بشر فقدوا إنسانيتهم، وأخبار عن أشخاص قاوموا الظلم والاحتلال ولم يعلم عنهم الناس شيئا. وأشير إلى أنّ أسلوب "الهرّاب" يجمع بين الرواية البوليسية والتاريخية والواقعية، من خلال توظيف حقائق تاريخية تنسج قصة جاسوس، بغير معزل عن حياة وأخبار العائلات الجزائرية في تلك المرحلة التي كان عنوانها "الموت".
هل يوحي "الهرّاب" (الهارب) إلى الانهزام.. ماذا أردت القول من خلال عنوان جاء في مفردة واحدة؟
عنوان أي رواية هو البوّابة الأولى للعمل السردي، وربما يشكل أيضا مفتاحا من مفاتيح المعنى داخله، وكثير من الكتب المشهورة تحمل عنوانا من مفردة واحدة توازي النص كله وتضيء ظلاله كرواية "الغريب" لألبير كامو مثلا، ورواية "العاشق" لمارغريت دوراس. "الهراب" تُشير إلى حال بطل الرواية داوود اليهودي، "الهَرّاب" كشخصية تتسم بالتنقل والتحرك والتململ في المكان والزمان والفكرة أيضا، وربما يلمح إلى الأزمة النفسية للبطل وإحساسه بعدم الانتماء لأي مشروع وحالة الانفصام الهوياتي بين الواقع والمتوقع، وبالتالي العناوين من مفردة واحدة أرى أنّها تبقى عالقة في أذهان القراء كرموز لقصص وحكايات لا تنسى.، وقد تعني "الهرّاب" خيبة البطل بعدما فشل ويئس في إيجاد موطئ قدم له ولعصابته في بلاد المحروسة والمحمية بالله.
على ضوء إجابتك ومقارنة بالعمل الأدبي الأول لك، انتقلت من الفترة العثمانية إلى العشرية السوداء.. ما غرضك من هذا الانتقال وتسليط الضوء على حقبة أخرى حسّاسة جدًا؟
الانتقال من تناول الفترة العثمانية إلى العشرية السوداء هو رغبة منّي لتلمس مسارات تاريخية أعتبرها مهمة في تاريخ الجزائر، وبحكم تخصصي في التاريخ، فقد شكّل هذا دافعًا قويًا لي من أجل تسليط مزيد من الضوء على فترات تاريخية ملتبسة ومليئة بالتناقضات والتحديات الاجتماعية. أعتبرها أساسية في تكوين الهوية المجتمعية للجزائريين، ولكنني أهتم كثيرًا بالفترة العثمانية، وأحاول منحها حيزًا مهمًا في قادم أعمالي.
أصدرت روايتين بالموازاة مع اشتغالك في الصحافة.. هل تتفرغ مستقبلا للأدب؟
العمل الأدبي بالنسبة لي لا ينفصل أبدًا عن العمل الصحفي والإعلامي، بل أعتبرهما مرتبطان بشكل عضوي ويكملان بعضهما، فمن خلال الصحافة والأدب يعزز الإنسان صلته بواقعه وأحلامه ويعمّق تجربته الإنسانية، لذا لا أفكر حاليًا في ترك العمل في المجال الإعلامي، ما دمت أستطيع التوفيق بينهما، ما دمت أجد المتعة في فعل ما أفعله.
في موضوع، كيف قرأت الجدل الذي دار حول رواية "هوارية" لإنعام بيوض؟
أعتبره صحيًا ما دام يناقش العمل الأدبي، ولا يقفز إلى شخصنة الصراع والدخول في ملاسنات ضيقة الأفق هدفها الوحيد هو إثبات الذات على حساب الإبداع.
لكن الجدل حول "هوارية" تخطى حدود النقاش "السليم" والرأي والرأي الآخر؟
حسب رأيي الخاص يعكس التفاعل الحيوي بين الأدب والسياسة والإيديولوجيا والثقافة في الجزائر، ويظهر في أشكاله المتعددة كيف يمكن أن تثير الأعمال الأدبية قضايا حساسة ومناقشات مهمة داخل المجتمع. لكنني في الحقيقة أتأسف لما آلت إليه الأمور من تجاوزات قفزت فوق العمل الأدبي ومناقشته منهجيًا وتقنيًا وفنيًا لتحوله إلى شماعة سياسية وإيديولوجية ومهنية. كما أنّ هذا الجدل حدث في غياب الحلقة المفقودة بين القارئ والكاتب ودور النشر بحيث يعتبر الكثير من أفراد المجتمع القراءة مضيعة للوقت أو ترفّه، ولهذا يجب تأطير النقاش بوضع القارئ والكاتب في صلب الموضوع.
موهوب: جدل "هوارية" يعكس التفاعل الحيوي بين الأدب والسياسة والإيديولوجيا والثقافة في الجزائر
"هوّارية" أعادت النقاش بشأن "مصداقية" الجوائز الأدبية..هل أصبحت الأخيرة في الجزائر منطلق للصراعات في الوسط الثقافي؟
حقيقة، لا أرى في الجوائز الأدبية أمرًا مهمًا ومحددًا لحياة العمل الأدبي، مقروئية العمل الأدبي هي المؤشر الوحيد والأهم الذي يعطي للعمل الفني حياة أو يقتله في مهده، لكنني أومن إيمانًا راسخًا بأن أيّ عمل أدبي راقٍ ستُكتب له حياة مادام هناك قارئ يُحيي السطور الميتة بإعطائها صوته ولو لمدة محدودة. أما بالنسبة للكاتب الجوائز يمكن أن تكون دعمًا نفسيًا له لكنها لن تزيده إبداعًا ولن تنقص منه شيئًا مادام قد دخل ميدان الإبداع برغبة مستقلة منه نابعة من حبه للفنون.
كما أن الصراعات التي تظهر بعد تسلّم الأدباء للجوائز منطلقها دوافع شخصية وتُغذِيها الغيرة والحسد في وسط ثقافي موبوء تحكمه كما قال الأديب سعيد بوطاجين "عصابات أدبية لا علاقة لها بالأدب"، همها الوحيد هو المناصب والبقاء فيها والاستفادة من الامتيازات فقط.