رولان دوكان أو “دخان” بالنطق العربي، شاعر ومؤلف، ولد في قسنطينة في الحي اليهودي الشهير الشارع الذي يقع في قلب المدينة العتيقة بتاريخ 23 نوفمبر 1928.
تعرّف رولان خلال فترة دراسته الثانوية على صديقه الكاتب والشاعر مالك حداد، كما عمل معه في سنوات لاحقة في جريدة آلجي ريبيبليكان بالتواصل مع هنري علاڨ وكاتب ياسين بداية من سنة 1947 وإلى غاية سنوات حرب التحرير، وغلق هذه الجريدة بين سنتي 1956 و 1957.
تعرّف رولان خلال فترة دراسته الثانوية على صديقه الكاتب والشاعر مالك حداد، كما عمل معه في سنوات لاحقة في جريدة آلجي ريبيبليكان بالتواصل مع هنري علاڨ وكاتب ياسين بداية من سنة 1947 وإلى غاية سنوات حرب التحرير، وغلق هذه الجريدة بين سنتي 1956 و 1957.
بعد الاستقلال، استقر رولان في باريس، وتفرغ لكتابة ديوانه الشعري " “الشاب الصّمتُ"، ثم كتب رواياته التي استحضر فيها شوارع قسنطينة حيث نشأ، كما بقي مدافعا عن أفكاره التقدمية، حيث يشغل منصب السكرتير العام للجمعية اليهودية الإنسانية واللائكية.
هنا، حاولنا تجميع المعلومات والترجمة- بتصرف- لبعض ما جاء في مقالات متفرقة عن علاقة مالك حداد برولان دكان، وكيف نشأت الصداقة بين الكاتبين الجزائريين الذين لم يفرقهما الدين والهوية بقدر ما جمعتهما الكتابة والنضال ضد المستعمر.
بداية صداقة قوية
خلال سنة 1949، نشرت الجريدة الأسبوعية الاشتراكية "ليبيرتي" لأول مرّة نصوص شاعرين شابين ينحدران من ولاية قسنطينة، أحدهما كان مالك حداد، (22 سنة) والآخر رولان دوكان "دخان" (21 سنة).
لقد كانا شابين طموحين في مقتبل العمر، امتهنا الكتابة منذ الصغر، كما تشاركا في حب الجزائر، ورفض الاستعمار، إضافة إلى رغبة النضال من أجل الحرية.
تعارف مالك حداد ورولان دوكانخلال دراستهما في ثانوية "دومال" (رضا حوحو حالياً)، حيث كان رولان يدخل دائما في نقاشات طويلة مع مالك خلال حصص دروس الفلسفة، وقد أثيرت بينهما عدة مواضيع تتعلق بالأصل والهوية والنضال، أهمّها كان ذلك الغموض الهوياتي الذي فرضه الاستعمارعلى الجزائريين بكل فئاتهم خلال فترة احتلال الجزائر، حيث نشآ معاً فيه، وعانيا كثيرا من تبعاته.
مالك "الڨاوري" ورولان "العربي"
كان مالك حداد ابناً لرجل يدعى سليمان حداد، معلّم جزائري مسلم من أصل أمازيغياعتمد اللغة الفرنسية، وآثر ألا يتعلم أبناؤه اللغتين العربية والأمازيغية، كما فضّل أن يمنحهم أسماء أولى فرنسية، فكان مالك مثلا يحمل اسم إيمي حداد.
أما رولان دوكان فقد انتمى إلى عائلة فقيرة كثيرة الأفراد ذات معتقد يهودي، فكانت والدته تحمل اسم باية آتال، أما والده فكان يحمل اسم جوزيف دوكان.
نشأ رولان متحدثا اللهجة الدارجة العربية المتداولة بين سكان قسنطينة، حيث تعلمها من والدته الأمية ذات الهندام المحلي الذي لم يكن يدل أبدا على أنها كانت تعد في الواقع مواطنة فرنسية بعد تقرير قوانين فيري، وقانون كريميو الذي أُقِرَّ بدايةً من سنة 1870، والذي منح حق الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر، فلطالما بدت باية والدة رولان مثلها مثل باقي نساء السكان الأصليين بلباسهن المتداول في حي الشارع العتيق.
لقد كانت المفارقات بين نشأة الصديقين واضحة وغريبة في آن واحد، ولكن علاقتهما ضلّت منسجمةً على طول الخط، فلطالما تم التعامل مع مالك حداد على أنه المتعلّم "الڨاوري" الأجنبي الذي يتحدث الناس إليه باللغة الفرنسية، بسبب هندامه وأسلوبه وشخصيته، في حين كان يتم التعامل مع رولان على أنه ذلك الشّاب الجزائري المُعرّب نظراً لسُمْرَتِهِ وهيئته، إضافة إلى حديثه باللّهجة المحلية.
صداقةٌ لم تعترف بالاختلاف
قال رولان دوكان ذات حوار أجراه خلال سنة 2007، أن مالك حداد كان بمثابة أخ له، وقد برر ذلك القول بفرط حبهما المشترك للكتابة والشعر، إضافة إلى نزعتيهما النضالية ضد المستعمر الفرنسي.
وخلال هذه الصّداقة التي دامت سنوات طويلة،، أطلق الصديقان أسماء مشتركة مستوحاة من اسميهما على ابنيهما، فحمل ابن رولان اسم ميشال مالك دخان، في حين أطلق مالك حداد على ابنته اسم نادية رولاند حداد.
كانت صداقة الشاعرين خلال دراستها وشبابهما في قسنطينة حميمية يملؤها الهزل والضحك من تلك الاختلافات، وبغية الابتعاد عن تأثير التوترات الهوياتية بين عائلتيهما، كان مالك حداد يستضيف رولان للمبيت في بيته الكائن في حي الفوبور لامي، رغم تخوفات والدة رولان من فكرة مبيت ابنها في منزل شخص "عربي"، خاصة بعد مقتل شقيقها ميشال أتال خلال الأحداث التي نشبت بين يهود ومسلمين في قسنطينة خلال سنة 1934.
مع ذلك، دائما ما أراد رولان تلطيف الأجواء أكثر، واستقبل بدوره صديقه مالك للمبيت عدة مرات في بيته البسيط الكائن في الحي اليهودي "الشارع"، لينتهي الأمر بمالك محبوبا من الأم اليهودية باية التي كانت دائما ما تمازحه، كما تواطأ معها مالك في عدة مواقف مضحكة وهو يجلس مع عائلة دخان، وهذا ما صرح عنه رولان لاحقا في حواره، بأن ذلك الانسجام بين والدته ومالك هو”ما كان يكافح لحصوله وهو في العشرين من العمر.”
مالك ورولان مناهضان للاستعمار
كان ذلك الكفاح العشريني بالنسبة لرولان، تماما مثل مالك، يكمن أيضا في سعيهما إلى الانخراط في الحزب الشيوعي الجزائري، كما كان يعني أن يستمرّا في الكتابة والتأليف، بين الشعر والقصص والروايات التي كانا يتراسلان حولها، ويستلهمان من بعضهما البعض شخصياتها.
مع الوقت، سافر رولان إلى باريس وأصبح طالبًا هناك، وانضم إلى مجموعة لغات الطلاب الجزائريين، كما كان في الوقت ذاته يحتك بلوي أراغون وإلسا تريولي وفريق الآداب الفرنسي.
بالنسبة لرولان دوكان اليهوديّ الذي كُسِرَت هويته الفرنسية مع بروز قوانين فيشي المناهضة لليهود، كان هذا الشاب يكافح عبر كل الجبهات لإثبات أن "شارع فرنسا" حيث ولد وترعرع، "هو بالمقام الأول شارع الجزائر"، أي أنه آمن منذ البداية باستقلال الأرض التي ولد فيها، ففي كتابه الذي يحمل نفس اسم الشارع، قالت شخصية بطله "سعيد" تلك الكلمات التي تعني أنه مرتبط بجذوره الجزائرية، وبذلك المزيج الذي تحمله كل معاني كلمات "عرب" ، "يهود" و "جزائريون".
لقد كانت قصائده ونصوصه تتحدث عن السكان الأصليين المسلمين واليهود معا، حيث كان يُطلِق عليهم اسم "شعب الحبّ" و "مجتمع الأماكن الصغيرة"، وكان يركز في كتاباته وقصائده على تلك الجسور التي أمكنها أن تربط بين هؤلاء، منها الوطنية والانتماء، الثقافة العربية البربرية، وخاصة النضال ضد المستعمر الفرنسي.
مثّل هذا الشاب رفقة صديقه مالك حداد فئة مهمة من اليهود والمسلمين المحبين للجزائر والمكافحين من أجل حريتها، والذين عانوا من الممارسات الكولونيالية في أوت 1934 وخلال ماي 1945، كما كانا بعيدان إلى الذاكرة على طريقتهما ذكرى المناضلين الراحلين قدور بلقايم ولوسيان سبورتيس، وهما شهيدان شيوعيان، أحدهما عربي والآخر يهودي تم اغتيالهما خلال الحرب العالمية الثانية.
نضال رولان ومساعدته لثورة التحرير
كان رولان يعي جيدا مدى "هامشية" وضعه بعد كل تلك المواقف، كما كان يدرك كل العوائق التي ستواجه وضع هوية محددة ليهود الجزائر وسط الشعب الجزائري، خاصة مع انتماء بعض هؤلاء إلى الحركة المناهضة للاستعمار، في حين فضل البعض الآخر الوقوف مع فرنسا.
لقد كان رولان يعرف أيضا أن حرب التحرير قريبة ووشيكة، وقد ترجم ذلك على لسان سعيد شخصية روايته “شارع فرنسا” الرئيسية، حيث كتب :" هل ترى ذلك؟ إنها الفييتنام والجزائر إنه مجرد اختلاف في الأماكن"، في إشارة منه إلى أن ثورة ما قد تكون وشيكة في الجزائر.
خلال حرب التحرير، كان رولان دوكان يقطن بعيدا في فرنسا، مع ذلك، كان يساعد جبهة التحرير الوطني ماديا بشهادة العديد من المناضلين، كما آوى أصدقائه الكتاب مثل مالك حداد وكاتب ياسين، الذين أصبحا لاحقا شخصيتين مهمتين في المجال الثقافي في الجزائر المستقلة.
بالنهاية، بقي رولان دوكان في فرنسا بعد حصول الجزائر على استقلالها، حيث كوّن هناك أسرة وحياة عملية خاصة به، بعد أن اقتنع أخيرا باستحالة الرجوع إلى مسقط رأسه والعيش في الجزائر، بعد ترحيل عائلته ومعظم اليهود منها خلال فترة حكم الرئيس بومدين.