14-سبتمبر-2024
 (الصورة: فيسبوك) علياء عبد الله

(الصورة: فيسبوك) علياء بن عبد الله

بحب ومهينة.. تشتغل في الإعلام الثقافي لأكثر من عقدين من الزمن، تحظى بإشادة الفاعلين في الشأن الثقافي على أنّها واحدة من أبرز صحفيات هذا المجال في الجزائر، أمّا صوتها الساحر فيحلق بك عبر أثير الإذاعة الجزائرية إلى عوالم السينما والكتاب والفن الرابع، ويأسرك لإكمال البرنامج حتى النهاية.

علياء بن عبد الله لـ "الترا جزائر": الكتابة لليافعين تعيدني إلى نقطة البداية. إلى الطفلة التي حلمت بأن تصبح كاتبة، الرواية جاءت عناقًا  للطفلة داخلي. تلك العاشقة للكتب مذ التقت أول حرف في حياتها

علياء بن عبد الله صحفية تدرجت في مناصب المسؤولية بالإذاعة بين التقديم وإنتاج وتطوير البرامج وإدارة العلاقات العامة، وتضيف إلى هذا الرصيد الثري إنتاج أدبي جديد تدخل به عالم الكتابة الأدبية وعالم الجوائز، فلنتعرّف في هذا الحوار لـ"التراجزائر" مع علياء عن رواية "قمر في قبو الكتب" الفائزة بجائزة عربية مهمة ولماذا اختارت أن تكتب للأطفال؟ ولماذا تأخرت في إصدار أول رواية لها بعد سنوات من العمل في الصحافة الثقافية؟ وكيف حال الأخيرة في ظل "سيطرة" السوشل ميديا؟

علياء بن عبد الله لـ "الترا جزائر": حان الوقت لاتخاذ الكتابة الأدبية مساحة حرّة خارج حدود الحوار الصحفي 

كيف استقبلت فوزك بجائزة شومان عبد الحميد شومان لأدب الأطفال عن عملك الروائي "قمر في قبو الكتب" خاصة -أعتقد- أنها أول جائزة لك في الكتابة الأدبية؟

كان هناك مزيج مشاعر، مشاعر الفرح وعدم التصديق والمفاجأة والفخر، كما تعرف هو أول عمل روائي لي في أدب اليافعين ونجح في افتكاك جائزة عبد الحميد شومان واحدة من أهم وأبرز جوائز أدب الطفل في العالم العربي، جائزة تحكمها لجنة تضم أسماء لامعة وكبيرة أدبيًا، جائزة يتنافس عليها سنويًا عدد مذهل من الكتاب منهم كتاب كبار لهم باع طويل في الكتابة للطفل والكتابة الإبداعية إجمالًا، لذلك جائزة عبد الحميد شومان تعد بحق حلم كل كاتب للطفل، والفوز بها شرف وتقدير رائع وأنا متحمسة جدًا بفضل هذا التحفيز الكبير الذي منحته لي الجائزة لجميع تلك القصص التي لم تأت بعد والتي أطمح لسردها.

  • حول ماذا تتحدث روايتك "قمر في قبو الكتب".. وما دلالات كلمات العنوان.. القمر قد يعني النور وقد يعني المرأة، القبو قد يعني الظلام. ما العلاقة؟

أعترف أنك نجحت في فك جزء من طلاسم هذه الرواية، لكن دعني أحكي لك شيئًا عن الرواية دون كشف كل تفاصيلها حتى لا نفسد دهشة قراءتها، بطل روايتي فتى توفيت والدته التي كانت كل عالمه، يقرر والده أخذه لقضاء فصل الصيف في بيت عماته الثلاث اللائي يعشن بمفردهن في بيت مظلم بالكاد يدخله ضياء الشمس وتحيط به حديقة واسعة تضج بالأشجار والأزهار النادرة.

علياء بن عبد الله لـ "الترا جزائر": جائزة "عبد الحميد شومان" تحفيز للقصص التي لم تأت بعد وأطمح لسردها

بطل حكايتي الذي يقرر الصيام عن الكلام ويقضي وقته في قراءة الكتب لا يملك قوى خارقة وسحرية تساعده على مجابهة قوى الشر كما هو رائج في كثير من قصص اليافعين، قوته الخارقة هي خياله المجنح، هو يرى الأشياء بعيني خياله، فعمّاته اللواتي يعانين من تشوهات خَلقية يراهُنَ هو بطريقة مختلفة جدًا وتناقض ما يراه الآخرون، في أول يوم له في البيت يعيش الفتى مغامرة عجائبية ترافقه فيها إحدى العمات، مغامرة لا يعرف بطلنا إن كانت من نسج خياله أو عاشها حقيقة مما يدفعه لطرح الأسئلة عن حقيقة عماته غير العاديات.

بعد هذه المغامرة يجد بطلنا كل صباح تحت وسادته كتابا مع ورقة مطوية تطالبه بقراءته وتغيير النهاية إن لم تعجبه، يبدأ الفتى بالبحث عن الشخص الغامض الذي يترك له الكتب مستكشفا أسرار البيت  ليعثر على قبو مليء بالكتب به سر كبير سيغير حياته للأبد.. إنها رواية عن قوة القراءة في مجابهة الصدمات عن التعاطف والتضحية وعن الوعود المكسورة، رواية عن الإرث الذي يجب أن يتركه البشر للأجيال القادمة في أرض تتحول إلى كرة نار بسبب الاحترار العالمي وجشع الإنسان، عن التكنولوجيا التي يجب أن نجعلها خيرة لبناء عالم أفضل وأكثر من كل هذا عن "أطفال القمر" الذين يختبئون من أشعة الشمس الحارقة ويؤنسهم ضياء القمر.

  • عرفناك صحفية محترفة ومحاورة جيدة.. مسار طويل في الصحافة الثقافية.. هل التراكم المعرفي في الثقافة والسفر بين الكتب والسينما والمسرح.. شكل لك دافعا لكتابة أول رواية؟

كما يقال الصحافة من أهم المهن المجاورة للأدب وعدد كبير من الكتاب الذين حققوا نجاحات كبيرة مارسوا الصحافة أيضا غابريال غارسيا ماركيز وارنست همنغواي، توم وولف وحتى نجيب محفوظ وغسان الكنفاني، الطاهر وطار، سعيد خطيبي، جميلة طلباوي وعبد الرزاق بوكبة وآخرون كثر لا يسعنا المقام لذكرهم جميعًا.

العمل في الصحافة الثقافية يمنحك فرصة فريدة للإبحار في عوالم إبداعية متنوعة من الأدب والسينما والمسرح والفنون بمختلف أجناسها واللقاء مع المبدعين على اختلاف رؤاهم واهتماماتهم وأفكارهم وأساليبهم في التعبير والاطلاع على ما يكتبه وينتجه الآخرون، فالصحفي الجيد كما الكاتب الجيد لابد أن يكون قارئًا، أعتقد أن السفر المستمر بين الكتب يوسع التفكير ويعمق الفهم للحياة وللإنسان، وربما حان الوقت بالنسبة لي للقفز بأفكاري الخاصة وتلك المعارف المتراكمة بعيدا عن حدود الحوار الصحفي، واتخاذ الكتابة مساحة حرة تعكس شغفي، وحتى لو لم أنشر كتابا قط أو لم أعمل صحفية، أعتقد دائما أن الكتابة هي الطريقة الأفضل ليفهم الإنسان ذاته ويرى العالم بشكل أكثر وضوحا.

علياء بن عبد الله لـ "الترا جزائر": أجّلت حلم الكتابة لأنني أخشى ما تحمله كلمة "الكاتب"

  • سؤال مباشر.. لماذا ارتأيت أو قررت أو كان لديك ميول للكتابة للأطفال واليافعين ولم تكتبي رواية موجهة للكبار؟

لأن الكتابة لليافعين تعيدني إلى نقطة البداية إلى الطفلة التي حلمت بأن تصبح كاتبة، الرواية جاءت عناقًا  للطفلة داخلي تلك العاشقة للكتب مذ التقت أول حرف في حياتها، والتي تؤمن بأن لا أحد سيشعر بالوحدة والانكسار داخل مكتبة، فالكتب أصدقاء مخلصون، ولا يوجد أدب أكثر أهمية من الأدب الموجه للطفل واليافعين، فالأطفال أهم بكثير من الكبار هم يمثلون المستقبل، فما الذي يمكن أن يكون أكثر أهمية من كتاب يقرأه طفل  ويساعده على فهم العالم من حوله، أو قصة يجد الأطفال في شخصياتها من يشبههم ويطرح نفس أسئلتهم.

أدب اليافعين يشكل جسرًا بين عوالم الطفولة والنضج ويلعب دورًا حاسمًا في تشكيل عقول الأجيال العربية القادمة لذا يجب الاهتمام به وترقيته وتشجيع الكُتاب على الكتابة  فيه لتقديم محتوى عربي نابع من قيمنا السامية والنبيلة التي تزخر بها ثقافتنا، أدب الأطفال واليافعين ليس مجرد ترفيه أو تسلية هو أكبر وأعمق من ذلك بكثير ويجب أن لا نترك وعي أطفالنا الذاتي ليشكله آخرون، لهم أجنداتهم التي قد تتعارض أحيانا مع فطرة الإنسان السليمة ما يشكل خطرًا كبيرًا.

  • كواحدة من أبرز صحفيات الأقسام الثقافية والفنية تثيرين النقاش بأسئلة جوهرية وعميقة في مسائل معينة في السينما، المسرح.. إلخ،.. هل انطلقت في بناء قصة نصك الروائي من سؤال أم من جواب على سؤال أم من قصة واقعية؟

ليس تماما، هي رواية في عشق القراءة، كتبتها بدافع من خوف داخلي كبير بأن يهجر الأطفال قراءة القصص والحكايات فيموت الخيال ويتقلص الإبداع الخلاق ويصبح العالم أكثر انكسارا وبؤسا.

  • هل العمل الصحفي جعلك تتأخرين أو تؤجلين الرغبة في الكتابة الإبداعية؟

الصحافة مهنة تبتلع من يمارسها،  لكن هل كانت هي السبب في تأخير وتأجيل  الكتابة، لا أظن ذلك، هناك مصطلح إنجليزي يحلو لي الاعتقاد بأنه قد ينطبق علي هوlate bloomer  ويعني من ينجزون أشياء في وقت متأخر على غير المتوقع، لطالما أردت أن أكون كاتبة لكني أجلت الحلم طويلًا ربما لأني كنت أخشى ما تحمله كلمة "الكاتب" من معنى، الكتابة حمل ثقيل، مسؤولية، الكتابة تعني أن تجابه العالم مرتديا كلماتك وأفكارك فقط، كلمات وأفكار يقرأها الآخرون ويشكلون صورتهم عنك كل حسب فهمه، كلماتك تشكلك، ستختفي أنت لتصبح ما تكتب، إنه أمر مرعب، أرى أنه يحتاج شجاعة كبيرة لذلك لم أستسهل الكتابة يوما ولا النشر.

  • نعود إلى الصحافة الثقافية في الجزائر.. بين الأمس واليوم هل تغيّرت في ظل الوسائط المتعددة وتراجع مقروئية الجرائد؟

لا يمكننا إنكار تراجع الصحافة الثقافية على مختلف وسائل الإعلام، الجرائد والوسائل السمعية البصرية، وهذا ليس في الجزائر فحسب بل أراها ظاهرة عامة، وازداد الوضع ارتباكا في ظل تطور الوسائط المتعددة، ولكن هذا التراجع ليس تراجعا مطلقا، بل أراه ناتجا عن  تحول في طبيعة استهلاك الثقافة وتغطيتها فمع انتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، تغيرت طرق عرض واستهلاك  المحتوى الثقافي.

  • كيف ذلك؟

 أصبح الجمهور المرتبط بالاتصال الفائق (Hyper connectivity) يفضّل الوصول إلى المحتوى السريع والمبسط مثل المقالات القصيرة والملخصات ومراجعات الكتب المختصرة والفيديوهات القصيرة وغيرها من المحتويات التي توفرها الوسائط المتعددة بأسلوب مبتكر على عكس ما تقدمه وسائل الإعلام التقليدية التي تفضل الغوص في التفاصيل وتقديم  المقالات المطولة وإعطاء التحليلات المعمقة وإجراء الحوارات الطويلة، بالإضافة إلى معاناة الجرائد من شح الإعلانات والنتيجة تقلص الموارد ما يعني تقليص الصفحات وفي أحايين كثيرة الصفحة الضحية هي الصفحة الثقافية.

لكن هذا لا يعني اختفاء الصحافة الثقافية، بل يعني ضرورة تحولها إلى الفضاء الرقمي. وهذا ما يحدث، مواقع ومجلات ثقافية رقمية تستخدم أساليب تقنية حديثة كالبودكاست مثلا صارت تظهر باستمرار ورغم أن عددها يظل محدودا إلا أنها نجحت في جذب جمهور مهتم بالمحتوى الثقافي العميق على  سبيل المثال موقع ثمانية السعودي ومواقع أخرى.

علياء بن عبد الله لـ "الترا جزائر": أدب الأطفال واليافعين ليس مجرد تسلية هو أكبر وأعمق

  • بعد الرواية الأولى في مجال الكتابة للطفل.. هل ستواصلين في هذا التخصص الإبداعي أم تنتقلين لكتابة أ‘مال موجه للكبار أو سيناريوهات أفلام أو نصوص مسرحية.؟

مرة أخرى سأستعير مصطلحًا إنجليزيًا Pantser  لا أجد له مرادفًا بالعربية، لكن دعني اختار كلمة تلقائي يعني أنا من أولئك الذين لا يخططون مسبقًا لما سيكتبونه، ولا أضع خارطة طريق لما سأكتب، الكتابة للطفل شاقة وشائقة في آن معا وهي أصعب وأعقد من الكتابة للكبار، أتمنى المواصلة فيها، فأجمل شيء يمكننا تقديمه لأطفالنا هو منحهم أفضل القصص، وهناك مشروع بدأت الاشتغال عليه، أيضا  لديّ مجموعة قصص قصيرة أفكر بأنه حان الوقت لترى النور مطبوعة على ورق ومنشورة، أتمنى أن يحصل ذلك قريبًا.