عندما نرتحِل قليلاً عبر حسابات مواقع التّواصل الاجتماعي في الجزائر، ومن بين آلاف الأسماء التي تركّز غالبًا على النّوع نفسه من المحتوى ذو الأثر الأشبه بالوجبات السّريعة، نجد بين الحين والآخر أسماء تحمل على عاتقها مسؤولية التّرويج والتعريف بالجزائر، كلٌّ من منبره وعلى حسب اختصاصه، ونلمس فيما يقدّمونه تلك الغيرة على التّراث الثّقافي والثّروات المحلية التي تكاد لا تنضب.
عبد الرّحيم كبّاب: تلقّيتُ استحسانا من الجمهور ومن الفنانين والمعماريين، لكن إلى الآن، لم أتلقَّ عروض تعاون رسميّة
من بين هذه الأسماء، نجد روجي ديزاين الذي يُتابعه الآلاف حاليًا من أجل محتواه الذي يُعنى بالأساس بالتّصميم العمراني في الجزائر، وقد قد انتشر أكثر من خلال فيديو تخيّل فيه عودة فندق سياحي في منطقة الغوفي ولاية بسكرة، حيث يمكن أن نلمس من خلال محتواه المُقدّم، رغبة كبيرة وطاقة شابة تبتغي خدمة هذا المجال، إضافة إلى اكتشاف تعطّش الجزائريين للجماليات العمرانية والمحتوى التثقيفي في هذا المجال.
عبد الرحيم كباب لـ "الترا جزائر": استخدام الإعلام الرقميّ يمكن أن يكون وسيلة فعّالة لإعادة التّواصل بين الجيل الجديد وهذا التراث
جلب هذا الاهتمام الفني تفاعلًا جماهيريًا مع ما يُقدّمه، في الوقت الذي نشهد فيه تدميرًا يكاد يكون ممنهجا للذوق العمرانية في الجزائر مقارنة مع فترات تاريخية سابقة.
اسمه الحقيقي عبد الرحيم كبّاب، يعرفه الجميع على مواقع التواصل وبين الأصدقاء باسم "روجي"، وهو اسمه في حسابه أيضًا على انستغرام "روجي ديزاين"، حيث تعرّفنا على محتواه المُتفرّد الذي يهتم بالعمارة والتصميم والتّراث والثّقافة الجزائرية، واشتهرت تصاميمه وأفكاره المقترحة وقصصه المتخيلة والواقعية عن تاريخ العمران بين المتابعين له في الجزائر وخارجها.
وُلد عبد الرحيم كباب في الجزائر ويعيش حاليًا في مرسيليا بفرنسا حيث يتابع شغفه العميق بالفنّ والهندسة المعمارية منذ الطفولة، إذ كانت والدته، ليلى، فنانة عصامية، ورغم أن موهبتها كانت معروفة فقط ضمن العائلة الصغيرة، فقد كان لها اليد في تعريفه بعالم الفن وصقل شغفه به.
في المقابل، يهتمّ عبد الرحيم بالهندسة المعمارية بفضل والده الذي ألهمه حبّ هذا المجال، حيث كان رسّاماً مُصمّما، وقد ولع بإنشاء الأشياء والرّسم مُنذ صغره لفرط ذلك الاهتمام الذي سكنه.
من هنا، بدأ "روجي" في تعلّم برامج التّصميم ثلاثيّ الأبعاد في عمر العشر سنوات.
أمّا على الصعيد الأكاديمي، فقد درس خمس سنوات في المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر، حيث تخصّص في تصميم التّهيئة، وراح يواصل دراسته، وتحصّل على ماستر 2 في التّصميم من المدرسة العليا للفنّ والتّصميم بمرسيليا.
يُدير الشّاب عبد الرحيم حاليًا استوديو للابتكار متعدّد الاختصاصات والتّصميم ثلاثي الأبعاد، متخصص في الفيديوهات التوضيحية والمعمارية، كما يطمح إلى تقديم محتوى متنوع في التصميم والتراث المعماري الجزائري.
في هذا الحوار، نحاول تسليط الضّوء على الطاقات الشابة التي يمثّلها عبد الرحيم، والذي يحرص في اختصاصه على توظيف قُدرته على تصوّر وتجسيد مشاريع تعطي بعدًا حديثًا وتاريخيًا في آن واحد، مع المحافظة على الطابع الجزائري الأصيل بلمسات حديثة تواكب التقدم الحاصل في مجاله، كما نسائله عن أهدافه من هذه الفكرة الترويجية والأبعاد التي يعمل عليها، بالإضافة إلى رؤيته المستقبلية في هذا المجال وأفكاره التي تُعنى بالتراث الجزائري.
- تعرّفنا عليك من خلال حساباتك على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تقدم محتوى غير مألوف حول التّراث والمعمار الجزائري. كيف نشأت هذه الفكرة؟ وما الذي دفعك لتقديم هذا النّوع من المحتوى؟
في الواقع، جاءت الفكرة من شغفي بالتّراث المعماري الجزائري واهتمامي بتقديمه بطرق تتماشى مع العصر، مما يُعزّز الفخر بالهوية ويعيد إحياء العمارة التقليدية بشكل يتماشى مع الرؤية المستقبلية. أرى في العمارة الشعبية والتفاصيل العفوية جمالًا فريدًا، وأردت تسليط الضوء على هذا الجمال ليكون أقرب للأجيال الشابة ويصل إلى جمهور أوسع.
- كيف تخلق فكرة كل فيديو؟ وما الأدوات التي تستخدمها لتجسيد هذه الأفكار بشكل مرئي؟
يبدأ كل فيديو بمرحلة البحث لجمع أدق المعلومات حول الموضوع، تليها عملية التصميم ثلاثيّ الأبعاد التي أعتمد فيها على برامج متقدمة لإنتاج رسومات توضيحية للمواقع والمباني.
في الحقيقة، أنا أهدف لجعل التجربة التّعليمية مشوّقة، حيث يتعلّم المشاهد عن طريق الاستمتاع، وهذه الطريقة تسمح لي بدمج الأصالة مع الحداثة في عرض التراث، مما يجعل المحتوى بصريًا وجذابًا بحكم استعمالي لتقنيات سينمائية في العرض، كل ذلك، بفضل خبرتي والعمل في مجال السينما في فترة من حياتي .
- هل لاقت أفكارك ومحتواك ترحيبًا من الجهات المعنية بحفظ التراث؟ وما هي رسالتك لهم؟
لقد تلقّيتُ استحسانًا كبيرًا من قبل الجمهور العريض وحتى من الفنانين والمعماريين، لكن إلى الآن، لم أتلقَّ عروض تعاون رسميّة، وأرى أنني ما زلت بحاجة لإنتاج محتوى إضافيّ لإظهار جدوى هذه الرؤية.
رسالتي واضحة للجهات المعنية، إنّ تراثنا يحتاج لإحياء معاصر يستفيد من التّكنولوجيا الحديثة، وأعتقد أنّ استخدام الإعلام الرقميّ يمكن أن يكون وسيلة فعّالة لإعادة التّواصل بين الجيل الجديد وهذا التراث، وأتمنى أن أتمكن من إقناع المسؤولين بمدى أهمية هذه المقاربة في حماية هويتنا الثقافية.
- بصفتك مصمّم ديزاين، هل تعتقد أن هناك بيئة خصبة للنشاط في الجزائر؟ وما الذي يحتاجه هذا المجال ليزدهر؟
بطبيعة الحال، أرى أن هناك إمكانيات كبيرة للتّصميم في الجزائر، لكنّها تحتاج إلى تطوير البنية التّحتية ودعم أكبر من الحكومة والقطاع الخاص.
تاريخيًا، نما التّصميم وازدهر مع الصّناعة، وهذا يعني أنه مع تطوير الصّناعة المحلية سنحتاج حتمًا إلى تطوير فروع التّصميم، مثل التّصميم الصناعي وتصميم الفضاءات وحتى التّصميم الجرافيكي.
إذا تحقّقت هذه البيئة، سنرى إقبالًا أكبر على تعلّم التّصميم وإبداعًا محليًا يظهر جليًا في السوق.
ما الأهداف التي تطمح إلى تحقيقها من خلال المحتوى الذي تقدمه؟
هدفي الأساسيّ هو أن يُصبح الفنّ المعماري جزءًا من اهتمام كلّ فرد، بحيث يرتفع الذّوق العام ويصبح أكثر رُقيًا وانتقائية، حيث لا يقبل المجتمع الرّداءة أو الزّخرفة الزّائدة.
أطمح إلى تثقيف الجمهور حول مفهوم الجمال الحقيقيّ، وأن أساهم في رفع مستوى الذّوق العام ليصبح راقيًا ومتميزًا.
سأعمل على تحقيق هذا الهدف من خلال سلسلة الفيديوهات الّتي أنتجها، والّتي تهدف إلى تثقيف الجمهور وإبراز أهمية التّصميم الجيد في حياتنا، كما أحتفظ بخطط لمشاريع مستقبلية ملموسة لدعم هذا المسار.
- هل ترى أنّ الجيل الحاليّ في الجزائر قد تخلّص من الأفكار التّقليدية في التصميم العمرانيّ والبناء؟ وما الذي نحتاجه لنشر هذه الثقافة؟
أعتقد أنّه من الطبيعي أن يمتلك كل جيل مرحلة من النّشاط والأمل، حيث يبدأ الجيل الشاب عادة باندفاع نحو تبنّي أفكار جديدة وأكثر حداثة، لكن دائمًا ما يواجه هذا الجيل خطر الوقوع في نفس نمطية الأجيال السابقة، خاصة إذا لم تتوفّر له بيئة تحفّز الإبداع وتحتضن الأفكار الجديدة.
في حال لم يجد هذا الدّعم، فإنّ هذا الجيل قد يجد نفسه عالقًا في أفكار لم تعد تواكب الزّمن. وأعتقد أنّ الحلّ يكمن في توفير بيئة داعمة، وفي فتح المجال للأفكار الشابة، حتّى وإن بدت مجنونة في البداية.
من المهمّ جدًّا تَبَنّي فكرة الانتقال من مرحلة النّشاط والإبداع إلى مرحلة نقل الخَبرات، حيث يُصبح الجيل الخبير مدركًا لأهمية نقل معارفه للأجيال الجديدة وتشجيعهم على دمج الأصالة مع الحداثة واحترام طبيعة كلّ منطقة وثقافتها.
إنّ نشر هذه الثقافة يبدأ بالتّعليم، عبر تضمين مواضيع العمارة والتّصميم في المناهج الدراسية، بالإضافة إلى دور المؤسسات الثّقافية في رفع مستوى الوعي المجتمعيّ حول أهمية الابتكار والحفاظ على الهوية المحلية.
- هل سيكون هناك تجديد وتعمّق في المحتوى المقدم في المستقبل؟
بالتّأكيد، لديّ خطط لمزيد من التّوسّع والتّجديد في هذا المحتوى، إذ أريد أن أتعمّق أكثر في جوانب أخرى من التّراث المعماري والثقافيّ، وأن أجعل الفيديوهات أكثر تفاعلاً.
عبد الرحيم كباب لـ "الترا جزائر": أسعى للتّعاون مع خبراء في مجالات متنوعة لإثراء المحتوى وجعله أكثر شمولية
في المقابل، أسعى للتّعاون مع خبراء في مجالات متنوعة لإثراء المحتوى وجعله أكثر شمولية، حتى يتسنى للجمهور استكشاف الجوانب الخفية والمميزة للثقافة الجزائرية.