"إمرهان"، أو الأصدقاء الأحبابُ الذين آثروا أن تجعلهم الموسيقى والبيئة المشتركة عائلة واحدة، تروج لثقافة صحراوية محلية دائمة الخصوبة، منفتحة على كل التجارب والتعاون الموسيقي أفريقيًّا، أبناء تمنراست جنوب الجزائر، حيث تولد الأساطير وتبتدع الفنون لتُعاشَ وتُلبسَ فتغدو هوية دائمة لا تزول.
إياد موسى: الموسيقى التي نعزفها تنفرد بطابع غير منتشر كثيرًا
في مدينة تمنراست التي تقف شامخة في كل أغنية ولحن لهم، مدينةً عصيَّةً على الاندثار وعلى التماهي مع بقية المدن، بطابعها الساحر الخاص المتفرد الذي تجده في أغاني وأهازيج بنيها حيثما حلوا وارتحلوا عبر العالم.
تعد فرقة إمرهان من بين أنجح الفرق الجزائرية التي تغني الأسوف وهو نوع من البلوز الصحراوي الممتزج بموسيقى الغرب الأفريقي وبعض من الفولك والروك، جيل جديد ومُجدّد تحمل أعماله بين أنغامها كلماتٍ من لغة التماشق التي تسحر محبيها وتمنحهم رحلة غامضة وساحرة، تشبه تلك التي يخوضها المرتحلون عبر الصحراء بمسالكها الوعرة وكثبانها العظيمة المترامية، ودروبها التي تتوه بك في المجهول المُغري.
تغرينا هذه الفرقة الفتية بتجربتها الموسيقية، وتفتح المجال لظواهر الطبيعة وألوانها في بيئة صعبة، فتطلق العنان للرياح ولسطوة الشمس الحارقة ولسحر الرمال فتغدو كلها موسيقى جديدة عتيقة في آن، لا تجدها في مكان آخر، تبرز دفءً لا تُقاسُ خفته، وتمنح صوتًا لجيل شاب تائه يود أن يُسمع صوته عاليًا، مع حنين متأصل في إيقاعات الأغاني التي يبتدعها الأعضاء، حيث سطوة القيثار الكهربائي أو العادي الذي يترجم كل تلك البيئة الساحرة وظروفها فيبقى المستمع عالقا بين الأصالة والحداثة مستمتعًا.
لطالما كان عالم فرقة "إمرهان" الموسيقي شاسعًا لا حدود له، حتى وهو يتغنى بلغة وثقافة الطوارق المتداولة، إلا أنه تمتع دائمًا بفردانية نأت به عن تقليد ما سبق، وعن إعادته بشكل مبتذل، وهذا ما ميز هذه الفرقة عن كل مشاريع الفرق الأخرى، وجعلها تمشي واثقة نحو العالمية، خاصة مع ألبوم أبوچي (2022) الذي أظهر الفرقة بشكل ناضج وعالمي، كما جعل الأعضاء يدركون جيدًا ثقل هذه الرسالة الفنية والهوياتية التي يحملون.
في هذا الحوار المخصص لـ "الترا جزائر"، يحدثنا إياد موسى بن عبد الرحمن الملقب بـ"صدام إياد" ، قائد الفرقة ومغنيها الرئيسي، وعضو سابق في فرقة تيناريوان عن هذا المشروع الموسيقي المتفرد الذي يوحد أبناء الحي الواحد والمدينة الواحدة، وعن خبايا الفرقة وتاريخها، إضافة إلى ومشاريعها في المستقبل.
- كيف اجتمع أعضاء فرقة إمرهان لتأسيسها وما سر اختيار هذا الاسم للفرقة؟
أسسنا فرقة إمرهان خلال سنة 2006، حيث كنا مجموعة من الأصدقاء والجيران في أحد أحياء تمنراست، وقد تربينا وعشنا ودرسنا في بيئة واحدة وفي حي واحد، بيوتنا ما تزال متجاورة أيضا كما هي، كنا نجتمع لنتمرن على العزف والغناء ليلا بقيثارتنا الوحيدة التي تبعتها قيثارة أخرى بعد فترة من الزمن، وقد كبرنا على عشق موسيقى عدة فرق صحراوية وترقية أهمها تيناريوان، ما جعلنا نصقل مواهبنا شيئًا فشيئًا، لينمو فينا حب الفن، ثم يرسو بنا الركب إلى مشروع جدي، فقررنا أن نؤسس فرقتنا الخاصة "لحباب" إمرهان، حيث كان اسم الفرقة في بادئ الأمر "أحباب الصحراء"، ليصبح مع الوقت "إمرهان".
كنا دائمًا نغني عن الحب والمحبة، الأخوة الصحراء، الغربة والمسافات التي تفرقنا وتجمعنا كأصدقاء، ما جعله اسمًا على مسمى.
- تنتمون إلى موجة جديدة شبابية تعمل على الترويج للفن الترقي عالميًا (خاصة في ألبومكم الأخير)، ولديكم جمهور شاب واسع في مختلف أنحاء العالم. ما الذي يجعل طابعكم هذا محبوبًا لهذه الدرجة، وما السحر الذي يتمتع به ليبقى "طازجا" طيلة الوقت، ويكتسب كل هذا الجمهور عبر العالم؟
تنفرد الموسيقى التي نعزفها بطابع فريد غير منتشر كثيرًا ، لهذا فهي مطلوبة بشكل دائم من الجمهور المحلي ومن الجمهور الأجنبي خاصة، فالشعوب عبر العالم بطبعها تحب كل ما هو غريب وجديد عليها وعلى ثقافتها الموسيقية المعتادة، كما أن هؤلاء يحبون التعرف الدائم وبشكل مستمر على أنماط موسيقية مختلفة عما يعرفونه ويستمعون إليه في حياتهم اليومية.
في الوقت نفسه، تبقى موسيقانا قريبة جدًا من المجتمع المحلي، ومن بيئتنا التي صنعتها وصنعتنا أيضًا، نظرًا إلى أن موسيقى "الأسوف" والفن الترقي بشكل عام وبكل طبوعه، هو في الأصل فلكلور قديم وأصيل خاص بسكان الصحراء دخل عليه التجديد بالآلات العصرية، وبقي يحمل نكهته الصحراوية التي لا تبرحه أبدًا رغم العصرنة، إضافة إلى سحر اللغة الترقية "تماشق" الفريد الذي يجلب الاهتمام والإقبال، وهذا ما أظن أنه يمنحنا اهتمام ذلك الجمهور المتعطش لكل ما هو جديد ومختلف، والذي ينتظر منا المزيد من الأعمال التي تشبع فضوله وشغفه بالموسيقى والأعمال التي تروج لبيئة غير بيئته.
- تعتمدون على نصوص تحكي بيئتكم بكل سحرها، وعلى ألحان تمزج بين ثقافتكم المحلية التي هي بذاتها مزيج جميل بين سحر موسيقى الغرب الافريقي والأسوف مع من نفحات من الفولك الصحراوي. من يكتب نصوص وألحان أغاني إمرهان؟ وما هي المواضيع التي تركزون عليها؟
نكتب كلمات أغانينا بأنفسنا في الأغلب، وهي كلمات نابعة من حياتنا الواقعية اليومية وظروف عيشنا، عن طبيعة تمنراست والصحراء وكل المحيط الذي نشأنا فيه، فتجد تجاربنا الشخصية مكتوبة ومغناة أيضًا، إضافة إلى كلمات أغانٍ عن المشاكل والمنغصات الاجتماعية، عن ثقافتنا، عن مناخنا القاسي وطبيعتنا المميزة التي نفخر بها، ولا تخلو أغانينا أيضًا من مواضيع الهوى والحب، نحاول جاهدين دومًا أن نتناول أغلب أنواع المواضيع ونحرص جدًا على تنوعها في ما نقدمه من أعمال.
- كيف كان التفاعل مع ألبوم "أبوچي"، وما هي ظروف إنتاجه؟
يعتبر "أبوچي" أول أستوديو عملنا على تشييده والعمل فيه في قلب مدينة تمنراست، وقد تعبنا جدًا للخروج به إلى النور والعمل على أغانينا فيه، لهذا سمينا هذا الألبوم الذي حمل 11 أغنية على اسمه، ألبوم يعكس ألوان تمنراست الساحرة، وما خبرناه فيها في حياتنا اليومية، كما أنه عمل نابع من بيئته الأصلية، لهذا فهو يحمل نكهة خاصة، ويُعتبر رسالة من قلب المنطقة وصرخة لظروفها، وقد لاقى رواجًا لدى صدوره، وردود أفعال إيجابية وقبولًا بين الجمهور داخل وخارج الوطن، كما أننا كنا راضين كفرقة على ما قدمناه من أعمال في هذا الألبوم، وسعدنا جدًا بردود الأفعال التي لم نتوقع بأنها ستأخذ كل ذلك الحيز من الصدى والإيجابية.
- هل علاقة القرابة التي تربطك بأحد أعضاء فرقة تيناريوان العالمية منحتك انت والفرقة ثقة أكبر للخروج نحو جمهور عالمي أكبر خارج الحدود؟
نعم، ففي سنة 2016 ذهب الأصدقاء في الفرقة إلى فرنسا لعرض الألبوم الأول، أما أنا فقد كنت أعزف مع فرقة تيناريوان، من سنة 2014 إلى سنة 2016 بحكم أن لدي ابن خالة من أعضاء تيناريوان يعزف على آلة الباس، وقد كان لهذا القريب دور كبير في توجيهنا وإعطائنا نصائح وإرشادات أفادتنا كثيرًا في عملنا كفرقة ومنحنا أسرارًا عن هذا المجال لم نكن ندركها من قبل، كما أنه ساعدنا أيضًا في تكوين ملامح الألبوم الأول، وله فضل كبير في انطلاق "إمرهان" نحو العالمية.
- هل ننتظر ألبومات جديدة قريبًا لفرقة "إمرهان"؟
هنالك دائمًا مشاريع قادمة تعمل عليها الفرقة، لأننا نجتهد مرارًا لتقديم الجديد، فمن يعشق الفن ويكرس له حياته، عليه أن ينظر دومًا إلى الأمام وأن يصبو إلى التجديد والتجدد، لهذا، نحن نجهز حاليًا ونحضّر مشروع ألبومنا الرابع، حيث سيحمل أفكارًا وموسيقى جديدة، كما أننا نؤمن بالصبر والتأني في هذا المجال، وسنستمر في المضي قدما خطوة خطوة دون التسرع في خياراتنا الموسيقية، ونتمنى دائمًا أن نكون عند حسن الظن.
إياد موسى: تتمنى فرقة "إمرهان" أن تجد الخط المناسب الذي يفتح لها الأبواب للاحتكاك بالجمهور الجزائري
- مشاريع حفلات قادمة داخل الجزائر للتعريف بالألبوم الجديد؟
تتمنى فرقة "إمرهان" أن تجد الخط المناسب الذي يفتح لها الأبواب للاحتكاك بالجمهور الجزائري حيثما كان عبر كل ربوع الوطن، رغم أنه لا تبدو في الأفق أي مواعيد قريبة أو منظمة للقائه، لكننا ما نزال نحمل ذلك الحلم الكبير لإسعاد الجمهور محليًا والتفاعل معه عبر حفلات كثيرة، في كل ولايات الوطن إن شاء الله، لأنه جمهور مهم جدًا بالنسبة لفرقتنا، كما أننا نمتلك معجبين نفخر بهم دائما ونتمنى لقاءهم.