قبل أقلّ من شهر، من الخروج في عطلة، احتارت إيمان كريبع (صحفية جزائرية) في قرار وجهتها لقضاء فترة من الراحة خلال شهر آب/ أغسطس المقبل، فالفنادق داخل البلاد مكلفة جدًا، لاسيما وأنّها تأمل في القيام بالحجز لأسرتها المكونة من أربعة أشخاص.
مصطفى زبدي لـ "الترا جزائر": أسعار الفنادق والمنتجعات السياحية مرتفعة للغاية في الجزائر، مما يصعب على الطبقة المتوسطة الاستمتاع بعطلتها الصيفية داخل الوطن
السفر خارج الوطن لم يعد متاحًا بالنّسبة لإيمان، فهو يتجاوز حدود الميزانية التي خصصتها للعطلة، وحتّى لقضاء أسبوع واحد في تونس مثلما تعودت عليه خلال الأعوام الماضية، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الحجوزات وتكاليف التنقل.
وشرحت ذلك في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ فاتورة التنقل بالطائرة بالإضافة إلى إقامة شخص واحد؛ قد تصل إلى حدود 90 ألف دينار جزائري وأربعة أشخاص تناهز 360 ألف دينار أي 2710 دولار، وهو مبلغ يفوق قدراتها المالية.
ومن خلال هذه العملية الحسابية، قررت محدثة "الترا جزائر" أن ترضخ للأمر الواقع ولظروفها المادية، قائلة: "لم يبق أمامي إلا استئجار منزل يطل على البحر بمدينة جزائرية ساحلية، وحتّى هذا الخيار بالنسبة لأمثالها صعب، لأن "الأسعار ملتهبة".
وكمثال على ذلك، تصل أسعار الليلة الواحدة في شقة مجهزة بمدينة شنوة بولاية تيبازة غرب العاصمة إلى 20 ألف دينار، أي 149 دولار، وتختم إيمان بقولها إنها لا تملك خيارا آخر، لأنها غير مستعدة للتخلي عن عطلتها الصيفية.
يخطط الجزائريون للعطلة، ولكنهم في المقابل من ذلك يصطدمون بغلاء الأسعار والتكاليف المرتفعة جدًا، فمنهم من يبحث عن خيارات أقلّ سعرًا، في وقت يفضل الميسورين قضاء العطلة بشرم الشيخ المصرية وأنطاليا التركية وبلدان آسيوية مثل ماليزيا وغيرها.
مشكلة الأسعار
إلى هنا، يؤكد رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، أن أسعار الفنادق والمنتجعات السياحية مرتفعة للغاية في الجزائر، مما يصعب على الطبقة المتوسطة الاستمتاع بعطلتها الصيفية داخل الوطن.
ويرى زبدي أنّ هذا الارتفاع أدى إلى حرمان العديد من العائلات من فرصة قضاء إجازة مريحة وممتعة. ولكن بالرغم من تعهد المؤسّسات الفندقية العمومية بتقديم أسعار تنافسية، إلا أن الطلبات المرتفعة على هذه المؤسسات مقابل العروض المنخفضة أبقت على مستوى ارتفاع الأسعار، حتى بالنسبة للعائلات التي تبحث عن حلول بديلة، مثل كراء فيلات أو شقق بالقرب من الواجهة البحرية كملجأ يعوضها عن الفنادق والمنتجعات السياحية الباهظة الثمن.
ويقول رئيس منظمة حماية المستهلك في تصريح لـ "الترا جزائر" إنّه بالرغم من ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، إلاّ أن العطلة عند البعض لها أهمية بالغة، ويرفضون التنازل عنها بأي ثمن".
وأشار في هذا الصدد أن كثيرين يبحثون عن بدائل حتى وإن استدعى الأمر برمجة خرجات يومية مع العائلة إلى شاطئ البحر بأقلّ التكاليف أو حتى التوجه إلى مدينة الألعاب المائية التابعة للخواص، والتي يبلغ سعر قضاء يوم واحد فيها للفرد 2000 دينار أي 14.5 دولار .
كما يقول زبدي إن احتياجات الجزائريين الضرورية، كدفع أقساط لشراء مسكن أو شراء سيارة، أثّرت بصفة كبيرة على جيوبهم، وعلى برنامج العطلة الصيفية، خاصة مع إطلاق عملية الحصول على سكنات بصيغة البيع بالإيجار أو ما يعرف بسكنات "عدل 3 "، أو الادخار من أجل شراء سيارة، التي باتت من ضمن أولويات الجزائريين.
في نظر البعض، فإن الحصول على السكن والسيارة، "مشاريع ذات أولوية"، بإمكانها أن تزحزح العطلة إلى أسفل قائمة الأولويات، ودفعت ببعض العائلات إلى تغيير خططها أو إلغائها في بعض الحالات، رغم العروض المقدمة سواءً من قبل الفنادق أو شركات الطيران التي أعلنت عن عروض خاصة لموسم الاصطياف".
وجهات مهمة
مع بداية موسم الاصطياف، تشهد وكالات السياحة والأسفار تزايدًا في عدد طلبات الحجز لقضاء العطلة سواء داخل الوطن أو خارجه، حيث تقدم هذه الوكالات العديد من العروض المميزة والوجهات المفضلة للجزائريين للاستمتاع بعطلتهم الصيفية.
وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس النقابة الوطنية لوكالات السياحة والأسفار، نذير بلحاج، في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن طلبات الحجز لقضاء العطلة في الجزائر انطلقت هذا العام مبكرًا. وأوضح أن أغلب العروض داخل الوطن قد حُجزت بنسبة 90 بالمائة لشهري تموز/جويلية وأوت/ تموز وآب. أما بالنسبة للوجهات الدولية التي يفضلها الجزائريون، فلا تزال الطلبات عليها مستمرة، خاصة بالنسبة للعائلات الميسورة الحال.
وبخصوص الوجهات السياحية الأكثر طلبًا لصيف 2024 للراغبين في قضاء العطلة خارج الوطن، يقول بلحاج إن مصر، وتحديدًا شرم الشيخ، احتلت المرتبة الأولى بنسبة فاقت 40 بالمائة من الطلبات، وبلغ سعر قضاء أسبوع كامل في فندق خمسة نجوم يشمل كل خدمات الترفيه لشخصين 400 ألف دينار، وهو ما يساوي 2980 دولار في ذروة الصيف.
كما تعدّ تركيا وبالتحديد أنطاليا، من البدان الأكثر طلبًا في الصيف بالنسبة للجزائريين، رغم ارتفاع أسعار النقل والحجوزات، مشيرًا إلى تسجيل طلبات جديدة للجزائريين خاصة بالخدمات الإسلامية، قائلًا: "الحجز في أنطاليا لمدة أسبوع كامل في فندق خمس نجوم تجاوز 600 ألف دينار وهو ما يساوي 4470 دولار".
وضمن الوجهات المفضلة لدى عموم الجزائريين، تحوز الوجهة التونسية مكانة مهمة، رغم ارتفاع أسعار الحجوزات في فصل الصيف، بنسبة فاقت 30 بالمائة مقارنة بما كان عليه الأمر سابقًا، بالإضافة إلى تراجع خدمات الفندقة والإطعام في أعقاب نهاية جائحة كورونا قبل سنتين.
وفي سياق آخر، دخلت الوجهات الدولية على الخط هذه السنة، يضيف بلحاج، وعرفت طلبات كبيرة لدى فئة من الجزائريين، لا سيما رجال الأعمال وأصحاب "البزنس"، فقد شملت الفيتنام وماليزيا وبعض الدول الآسيوية التي باتت محل طلب لدى الجزائريين الراغبين في قضاء عطلة الصيف، وهي وجهات مكلفة جدا قد تصل إلى مليون دينار أو تتجاوزه أي ما يصل 7450 دولار.
الاهتمام بالوجهات الداخلية
بسبب نقص عروض الخدمات الفندقية وغلاء الأسعار، انتقادات كثيرة توجه للسياحة المحلية، إلا إن المنتوج المحلي، حسب أرقام وإحصائيات قدمتها وكالات السياحة والأسفار، تعتبر من الوجهات المفضلة الراغبين في قضاء عطلتهم داخل الوطن، بالشواطئ الجميلة على مدى الشريط الساحلي.
وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس الجمعية الوطنية لوكلاء السفر محمد أمين برجم في إفادة لـ: " الترا جزائر "، بأنها تتماشى مع إمكانيات الآلاف من العائلات الجزائرية، وتستجيب لمختلف رغباتهم. وأوضح أن الطلبات الخاصة بقضاء عطلة الصيف في بعض المناطق السياحية في الجزائر، ارتفع بشكل لافت، إذ فاقت الحجوزات الخاصة بشهر آب/ أوت المقبل الـ 90 بالمائة.
كما يشير إلى أنّ الطلب على الخدمة المحلية في القطاع السياحي، يعرف تحسنًا ملحوظًا، خاصة بعد جائحة كورونا، حيث سجلت السياحة الداخلية خلال هذه الفترة أعلى مستوياتها، وذلك راجع إلى عدة عوامل منها الجهود التي تبذلها الحكومة في إطار النهوض بالقطاع السياحي، خاصة وأنه يعد عصب الاقتصاد.
وأضاف أن من بين الأسباب أيضًا، محاولة اكتشاف الجزائريين للمناطق الساحرة في الداخل، بالموازاة مع تنشيط الحملات الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تهدف إلى التعريف بما تزخر به الجزائر من ثروات طبيعية.
نذير بلحاج لـ"الترا جزائر": طلبات الحجز لقضاء العطلة في الجزائر انطلقت هذا العام مبكرًا وأغلب العروض داخل الوطن قد حُجزت بنسبة 90 بالمائة لشهري جويلية وأوت
بالمقابل، دعا برجم الحكومة إلى العمل على تدعيم الخدمات السياحية، لتكون الوجهة المحلية متاحة لجموع العائلات، خصوصا وأن البلد يملك مقومات طبيعية هائلة.