09-ديسمبر-2023
طالب عبد الرحمان (الصورة: ذاكرة الشعب)

طالب عبد الرحمان (الصورة: ذاكرة الشعب)

تتقاطع حياة كيميائي معركة الجزائر طالب عبد الرحمان مع محمد الزواري المهندس التونسي الذي اغتيل من طرف جهاز الموساد الإسرائيلي في الـ 15 من شهر ديسمبر /كانون الأول سنة 2016 في مدينة صفاقس التونسية.

استدُعي طالب عبد الرحمان من طرف أزرقي بوزرينة وياسف سعدي تحت إشراف العربي بن مهيدي لتنظيم خلية صناعة المتفجرات

كِلا الرجلين أسهما في إحداث قفزة نوعية في قدرات الجيوش القتالية، فطالب عبد الرحمن تخصّص في صناعة القنابل بمنطقة العاصمة وأدرج استخدام المتفجّرات في حرب المدن التي أرهقت الاستعمار الفرنسي، بينما تمكّن محمد الزواري من تصميم وتطوير الطائرات دون طيار لصالح المقاومة الفلسطينية.

وبفضل الاسهامات التقنية للشهدين رغم التباعد الزمني والمرحلي، غير أن هنا تقاطعات جمعت بين الرجلين؛ بدءًا من حيتهما السرّية البعيدة عن الأضواء، وصولًا لملاقاتهما المصير نفسه وتعرضهما إلى التصفية الجسدية من طرف الاحتلال، فطالب عبد الرحمان أعدم وعمره لا يتجاوز 28 سنة، أما محمد الزواري باغتيل بطريقة غادرة بالرصاص من طرف العدو الصهيوني.

في هذا التقرير، تقدم "التر جزائر" المسار الثوري للشهيد طالب عبد الرحمن المعروف بـ"كيمائي معركة الجزائر"، وإسهاماته في حرب المدن في تلك الفترة، ودور هذا التحول في مسار ثورة التحرير وفي المعارك الميدانية.

المولود والنشأة

ولد طالب عبد الرحمن في صبيحة الخامس من شهر آذار/ماري سنة 1930 بشارع سيدي رمضان بمدينة القصبة وسط العاصمة، من عائلة تنحدر من منطقة القبائل، حيث انتقل والده المدعو محمد أزفون سنة 1916 واستقر في أعالي حي القصبة واشتغل خبازًا، وبعدها في صناعة الحلويات الشرقية في شارع باب عزون. تتكون عائلة طالب عبد الرحمن من الإخوة مْحَمدْ وحميد وشريف وكان عبد الرحمن أكبرهم.

في سنة 1937 التحق بالمدرسة الابتدائية براهم فاتح، ورغم الظروف الصعبة استطاع تحقيق التمييز والتفوّق في دراسته الابتدائية بفضل قوة الإدارة والمثابرة التي أبداها وهو طفل وعرف بنجابته وذكائه، قبل أن ينتقل إلى الطور المتوسط “ثانوية عقبة" بباب الواد ويتحصل على شهادة الأهلية وشهادة البكالوريا.

 منذ طفولته كان عبد الرحمن يهتم بالدراسة والمطالعة والقراءة، وكان لا يشارك الأطفال اللعب في الشوارع والأزقة، وقد عرف عنه الالتزام والانضباط، حيث كانت والدته المدعوة يمينة تلقبه بـ “الأستاذ".

نشأة الوعي الوطني

كان للأحداث السياسية في الجزائر وقتئذٍ، أثر بالغ على تشكيل الوعي الوطني لعبد الرحمان في سن الـ 15، فقد صادف ذلك انضمامه للمسيرات المطالبة باستقلال الجزائر في مرحلة عرفت بالنضال السياسي ضد الاستعمار

في الفاتح من شهر أيار/ماي 1945 نظم أعضاء حزب الشعب الجزائري مسيرة انطلقت من أحياء الشعبية بالقصبة إلى غاية البريد المركزي وسط العاصمة، تصدت لها الشرطة الفرنسية بوابل من الرصاص سقط خلال المظاهرة كثير من المناضلين بين قتيل وجريح.

مجازر الـ 8 ماي 1954 شهدتها كل من مدينة سطيف، ولاية ڨالمة ومنطقة خراطة، ووصلت أخبار المجازر والتقتيل الجماعي في حق الجزائريين إلى مسامع سكان القصبة، وعلى إثر تلك الهمجية في حق الجزائريين، بدأت أعمال التضامن والتكاتف في حق سكان تلك المناطق تُنظم، وكان طالب عبد الرحمن رفقة أفراد عائلته أحد النشطاء في تنظيم الإعانات، وبفضل مستواه التعليمي كان عبد الرحمان يقرأ صحيفة (Alger Républicain )، وينقل على مسامع المناضلين تطور الأحداث.

لم ينقطع طالب عبد الرحمان عن مواصلة الدراسة، بعد انتقاله إلى ثانوية عقبة بن نافع حاليًا بحي باب الواد، تبل َوسعت أفق وعلاقات طالب عبد الرحمن، وتَعززت لديه معالم الفكر الاستقلالي والنضالي بفضل احتكاكه مع أساتذة من التيار اليساري ومناضلين من حزب الشعب الجزائري.

في سنة 1951 كان طالب عبد الرحمان رفقة شباب من أحياء القصبة ضمن وفد، زار السفارة البريطانية بالعاصمة الجزائرية، لنقل احتجاج وتضامن الشعب الجزائري مع الشعب المصري ضدّ وجود الاستعمار البريطاني على الأراضي المصرية.

عرفت مرحلة ما بعد الحرب العالمية 1945 -1952 نشاطًا دوليًا ووطنيًا ضد الوجود الاستعماري ونمو الفكر الوطني والقومي وتعزز الفكر الاستقلالي لدى الحركة الوطنية، فانضم طالب عبد الرحمن وشارك في نشطات التيارات الوطنية، كما شارك في اليوم العالمي للشبيبة من أجل إسقاط الاستعمار سنة 1952، وربط علاقات نضالية مع قيادات في الحركة الوطنية وحزب الشعب الجزائري على غرار صالح لوانشي، الحاج علي

التحاقه بالجامعة

لم يمنع انخراط طالب عبد الرحمن من النشاط السياسي والنضالي من مواصلة دراسته، إذ التحق بعدها بكلية العلوم لتحضير ليسانس في الكيمياء بجامعة الجزائر سنة 1951، حينها توسّعت علاقاته نضالية أكثر رفقة مصطفى كاتب ومحمد زينات وأحمد عكاش، وولد عمروش والشهيد أحمد غرمول ومناضلي حزب الشعب الجزائري الذي تحول اسمه إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية بداية من سنة 1946.

كان مقهى تلمساني في شارع البحرية بالعاصمة، مقرًا لاجتماع أغلب مناضلي الحزب وأعضاء الحركة الوطنية، تتداول فيه الأخبار وتقام فيه النشاطات وتثار فيه النقاشات، حيث عرف عن طالب عبد الرحمان تردده كثيرًا عن المقهى الذي يقع أسفل مدينة القصبة، وبحسب شهادات بعض رفقائه كان عبد الرحمن شغوفًا بالإنصات إلى تدخلات الوطنيين، ودون أن يبدي أي اعتراض أو انتقاد، بل يسجل كل ما يقال في الصمت والهدوء.

التحاقه بالثورة

في نهاية سنة 1955 وبداية سنة 1956، وفي هذه الفترة بالتحديد سجلت منعطفًا تاريخيًا في حياة طالب عبد الرحمن، في مقهى تلمساني حيث يلتقي ببعض مناضلين ينشطون في منطقة القبائل وبالضبط في إيغيل مهني وسط عرش آت جناد بين منطقتي فريحة وأزفون، كانوا بصدد البحث عن عناصر لدعم صفوف المجاهدين والمقاتلين، حينها أفاد طالب عبد الرحمن لمسؤولي المنطقة عن إمكانية إنشاء ورشة لصناعة المتفجرات والقنابل التقليدية لصالح جيش التحرير الوطني.

بعد استقراره في معسكر جيش التحرير الوطني، أعد طالب عبد الرحمن قائمة بالمواد المستعملة في صناعة المتفجرات والقنابل، وتم اقتناء المواد الكيمياوية من محل بحي بلكور وسط العاصمة، وأرسلت الطلبية عبر حافلة نقل المسافرين إلى منطقة فريحة وتم تسجيل الطلبية باسم تاجر من اليهود يدعى دفيد حجاج تفاديًا لكل شبهة أو مراقبة أمنية.

العملية الإرهابية الفرنسية

في يوم الـ 10 من شهر آب/أوت سنة 1956 بالقصبة، نفذت منظمة فرنسية نازية تدعى "اليد الحمراء"، المكونة من أنصار الجزائر الفرنسية، عملية إرهابية بوضع قنبلة وسط حي القصبة، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 80 شخصًا وتدمير بيوت ومنازل بأكملها، قررت قيادة جبهة التحرير الوطني الرد على جرائم الفرنسية باستعمال الأسلوب نفسه.

 وعلى إثر ذلك استدعي طالب عبد الرحمان من طرف أزرقي بوزرينة وياسف سعدي تحت إشراف العربي بن مهيدي لتنظيم خلية صناعة المتفجرات. فكان أول ورشة لصناعة المتفجرات كانت في دويرة تعود لعائلة جميلة بوحيرد، وفي نهاية شهر أيلول/سبتمبر سنة 1956 جاء رد جبهة التحرير الوطني عبر استهداف كافيتريا "ميلك البار" وكافيتريا مقابلة لجامعة الجزائر.

ولأسباب أمنية، قرر ياسف سعدي نقل الورشة خارج القصبة، وإقامتها في "فيلا الورود" بحي سكالة بالأبيار، وفي الـ من شهر 11 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1956 وإثر خطأ فني وقع انفجار في فيلا أدى إلى تدمير البيت وسقوط رشيد كاوش شهيدًا. مما سمح للشرطة الاستعمارية من اكتشاف المخبر والورشة.

قادت تحقيقات الشرطة والاستعلامات الفرنسية إلى أن صانع المتفجرات هو الطالب في كلية العلوم شعبة الكمياء طالب عبد الرحمان، فانطلقت رحلة البحث عنه واشتد الحصار على طالب عبد الرحمان وخلية القصبة، فانتقل إلى جبال الشريعة حيث واصل مهامه في تدريب وتكوين الجنود الجزائريين على صناعة القنابل والمتفجرات.

احمل سلاحك وانضم للجبال

 في أواسط شهر في شباط/فيفري سنة 1957 وفي كمين نصبته فرقة من القوات المظليين الفرنسية رفقة مصالح الاستعلامات ألقي القبض على طالب عبد الرحمان جنوب ولاية البليدة، وتعرض على إثر ذلك استنطاق وتعذيب وتنكيل شديد، قبل تحويله إلى سجن برباروس، وبعد ثلاث جلسات قضائية حكم عليه بعقوبة الإعدام.

قال طالب عبد الرحمان لإمام جاءت به إدارة السجن لتلقينه الشهادة "احمل السلاح وانضم إلى الجبل"

في الـ 24 نيسان/أفريق سنة 1957 على الساعة الثالثة في ساحة سجن برباروس وأمام المقصلة، كان آخر ما قاله طالب عبد الرحمان لإمام جاءت به إدارة السجن لتلقينه الشهادة أو قراءة الفاتحة: "احمل السلاح وانضم إلى الجبل"، وأضاف "من أجل وطني، من أجل مُثلي العليا، من أجل شعبي، الموت تضحية رائعة".

 

 

 

 

تتقاطع حياة كيميائي معركة الجزائر طالب عبد الرحمان مع محمد الزواري المهندس التونسي الذي اغتيل من طرف جهاز الموساد الإسرائيلي