11-مايو-2019

العمال المغتربون تسعهم موائد الرحمة (فيسبوك)

فرق كبير بين نمط العمل المعتاد بدوام ثابت، ينتهي بعد ساعات بالعودة إلى المنزل، وبين نمط آخر لا يعرف زمانًا ولا مكانًا ثابتين. وتتجلى الفروقات بين هذين النمطين في شهر رمضان: العودة آخر نهار كل يوم للإفطار بين العائلة، والعمل في الغربة والإفطار على الطرقات.

تتجلى الفروقات في رمضان بين نمطين للعمل: عمل الدوام الثابت الذي ينتهي بالإفطار مع الأسرة، والعمل في الغربة والإفطار على الطرقات

الرحالة

لخمس سنوات يشتغل عمار بوهني (46 سنة) سائق شاحنة نقل بضائع بين الولايات الجزائرية، شمالها وجنوبها وشرقها وغربها. وجهات تفرق بينها مسافات شاسعة، ووقت طويل، جعلت من بوهني "رحالة الصيف والشتاء"، كما يصف نفسه.

اقرأ/ي أيضًا: الحكومة تستبدل قفة رمضان بمنحة مالية بشروط تعسفيّة!

يعيش بوهني، مثل غيره كثيرين من "الرحالة" غربة عن أسرتهم. لدى بوهني خمسة أطفال يعولهم بالإضافة إلى زوجته، ويحتم عليه ذلك، أن يتحمل الاغتراب عنهم، وإن كان في رمضان.

الإفطار على الطرقات في رمضان

"أحن للمة حول مائدة الإفطار مع أسرتي"، يقول بوهني، لكن منذ سُرّح من عمله في مصنع حلوى بولاية سطيف، والترحال لنقل البضائع، طريقته لكسب الرزق.

سفرياته التي تمتد مئات الكيلومترات، تجعل جل وقته على الطرقات، وفيها يقضي حاجاته الإنسانية: نوم ومأكل ومشرب. وفي رمضان، اعتاد عمار بوهني خلال السنوات الأخيرة، أن يفطر في الطريق، إذا صادفته موائد الرحمة، أو بالوجبات التي يوزعها المتطوعون.

مرتين فقط مع العائلة في رمضان

يشتغل البعض تحت الشمس الحارقة في أعمال يدوية شاقة، وخصوصًا أعمال البناء وتلحيم الحديد وتصفيفه في الورشات الكبرى، كما الحال مع نورالدين الدوادي، وهو عامل بناء، بدأ هذه الحرفة منذ أزيد من 16 سنة، إذ اشتغل سنوات طويلة متنقلًا بين بناءات للخواص. أما هذا العام فهو يشتغل في ورشة عمومية للبناء.

يقول الدوادي: "العمل في شهر رمضان متعب ومنهك تحت الشمس الحارقة"، وما يزيد من إنهاكه غربته عن أسرته: "تقطن أسرتي في مدينة سيدي غيلاس بولاية تيبازة" غربي العاصمة، ويعمل هو في ولاية تيزي وزو شرقي البلاد.

يجتمع الدوادي مع أسرته على مائدة الإفطار مرتين كل رمضان، واحدة في منتصف الشهر، والأخرى عشية عيد الفطر، وفي هذه الأخيرة يقضي مع أسرته يومين قبل أن يعود ثالث أيام العيد لعمله.

أن تقطع مسافة أزيد من أربع ساعات ذهابًا وإيابًا يوميًا، هو حتمًا أمر شاق، يمنه الرجل الخمسيني، وزملاءه من تمضية مساءات رمضان مع أسرهم. وخلاف كونه شاقًا، هو أمر مكلف.

فرصة للعمل.. ولكن!

كثير من الشباب توجهوا للأعمال الموسمية، إذ أخذ الطيّب ذو الـ21 ربيعًا، نصيبه من البطالة، بعد أن ترك الدراسة مبكرًا، ولم ينجح في اجتياز امتحان التعليم المتوسط لثلاث مرات.

يقضي الطيب طوال شهر رمضان بعيدًا عن أهله من أجل العمل

 يشرح الطيب لـ"الترا جزائر" كيف أنه "ضحية وضع اجتماعي صعب" بعد طلاق والديه. اضطر الطيب لمزاولة مهن عديدة في سن مبكرة. وفي شهر رمضان، تزدهر بعض الأعمال الموسمية، مثل العمل في الحقول والأراضي الفلاحية باليومية، وأيضًا بيع بعض الخضروات في الشارع.

المسافة بين منطقة عمله هذا الشهر، في ولاية بومرداس، وبين ولايته المسيلة، نحو ثلاث ساعات. وبالمكسب الزهيد، وطول فترة العمل، تصبح الغربة ضرورة، ولو في رمضان، ويكون اللقاء بأهله في العيد.

في الجزائر، كثيرة هي الفئات العاملة المغتربة عن مدنها وعوائلها، ويكشف رمضان جهدهم لإعالة أسرهم، حين يفطرون على الطرقات

كثيرة هي الفئات العاملة في البلاد، المغتربة عن مواطنها وعوائلها. ويكشف رمضان جهدهم وجدّهم لإعالة أسرهم وكذا أنفسهم؛ وذلك حين تسعهم موائد الرحمة، أو ما يوزع من أطعمة للإفطار في الطرقات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

موسم السياحة الدينية.. آلاف الجزائريين يقبلون على أداء العمرة في رمضان

رمضان الجزائريين.. أرصفة محتلة