09-سبتمبر-2019

تراجع الحديث عن حرّية الصحافة في الجزائر (تصوير: رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

في الثامن والعشرين من فبراير/ شبّاط الماضي، أي قبل يومٍ واحد من ثاني جُمُعات الحراك الشعبي، نظّم صحافيّون جزائريون وقفةً احتجاجية في ساحة حرّية الصحافة بالجزائر العاصمة، ردّدوا فيها هتافات من قَبيل "صحافة حرّة ديمقراطية".

هل كان كلُّ المشاركين في تلك الوقفات يؤمِنون بمبدأ حريّة الصحافة؟

كانت الوقفة، التي ستتكرّر لاحقًا، استجابةً لدعوات وجّهها صحافيّون للتنديد بضغوطٍ مارستها السلطة على جريدتَي/ قناتَي "الشروق" و"البلاد" بعد تغطيتهما مظاهرات الجمعة الأولى، لكنّها شكّلت مناسبةً للدعوة إلى تحرير الإعلام بشكلٍ عام، وتمكينه من ممارسة دوره دون قيود.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام الجزائري.. ساحة ملغمة في وضع حرج

ولاحقًا، نظّم صحافيون من التلفزيون والإذاعة الحكوميَّين عدّة وقفاتٍ هي الأولى من نوعها، داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون، ندّدوا فيها بتعتيم المؤسّستَين على الحراك.

هل كان كلُّ المشاركين في تلك الوقفات مؤمِنين بمبدأ حريّة الصحافة؟ بالتأكيد لا؛ فقد كان واضحًا أنَّ نظام بوتفليقة يعيش آخر أيّامه، وهذا ما شجّع بعضًا ممّن لم يسبق أن سُمِع لهم رأيٌ حرّ على تذكُّر شيءٍ اسمه حرّية الصحافة. ينطبق ذلك بالتأكيد على وسائل إعلامية قرّرت مواجهة ما سيُصبح فجأةً "عصابةً"، وهي تُدرك أنها إنما تُطلِق رصاصاتها على كتلة تحتضر.

سيتأكّد ذلك بعد أن ذهب بوتفليقة وآلت أُمور البلد إلى السلطة الفعلية. فجأةً، سيتوارى الحديث عن حرّية الصحافة، كأنّه لم يكُن...سيعود الإعلام إلى ضلاله القديم؛ فيتجاهل الحراك الشعبي المستمرّ، أو يتناوله بكثيرٍ من التدليس والتزييف.

هكذا، تُصبح مظاهرات الجزائريّين في الجمعة التاسعة والعشرين مثلًا، بمنظور وسائل الإعلام الحكومية، "اتّفاقًا على الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية في أقرب الآجال". أكثر من ذلك، سيلجأ التلفزيون العمومي إلى تدوير الوجوه نفسها ليقدّمها كمواطنين (التقى بهم في الشارع صدفةً) "يثمّنون" الحوار ويستعجلون الانتخابات.

ليس مهمًّا جدًّا إنْ كان هذا الأداء الإعلامي الرسمي، يجري بطلبٍ مباشرٍ من السلطة الفعلية أو هو محض اجتهادٍ من مسؤولي تلك المؤسّسات الإعلامية. لكن، لا يُمكن إغفال المديح الذي كاله رئيس أركان الجيش، قبل شهرَين، لمذيع في التلفزيون الجزائري؛ إذْ كان المديحُ دعوةً شبه صريحةٍ إلى فتح منابر تلك المؤسّسات لصوتٍ واحد لا غير.

أمّا وسائل الإعلام الخاصّة، التي كان بعضُها ذراعًا إعلامية لما يُسمّى "العصابة"، فقد عاد كثيرٌ منها إلى ممارساته السابقة هو الآخر؛ كأنَّ عمر حرية الصحافة لم يكُن سوى أيّامٍ معدوداتٍ؛ هي تلك الأيّام التي كان نظام بوتفليقة يحتضر فيها.

على عكس الأيّام الأولى للحراك، اختفت دعوات تحرير الإعلام وتمكنيه من ممارسة دوره دون قيود

وعلى عكس المقاومة التي أُبديت في أولى أيام الحراك، يستمرّ كلُّ هذا الانحراف دون مقاومةٍ تُذكَر: لا وقفات احتجاجية في "ساحة حرّية التعبير"ولا في مبنى مؤسّستَي الإذاعة والتلفزيون... لا دعوات إلى تحرير الإعلام وتمكنيه من ممارسة دوره دون قيود، ولا أصوات تهتف: "صحافة حرّة ديمقراطية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تعتيم إعلامي على حراك الشعب الجزائري.. الرد في الشارع وفيسبوك

حجب الإعلانات عن قناتين جزائريتين بسبب تغطيتهما "الواضحة" للحراك الشعبي!