13-يوليو-2022
مسرح

أبرزت الدورة الـ 19 للألعاب المتوسّطية التي احتضنها مدينة وهران غرب الجزائر، مشاهد متعدِّدة على تحوّل سلوك الجزائري في التعاطي مع المكان وتقبّل الآخر، وهي في حدّ ذاتها مؤشِّر على أن المجتمع الجزائري قادر بأن يكون أكثر إيجابية وليونة للتعريف بالتنوّع الثقافي وأكثر فاعلية من حيث الجانب السّلوكي في استضافته للآخر.

 مكوّنات المجتمع الجزائري راهنت كثيرًا خلال الألعاب المتوسطية على فتح  المجال السياحي والتفتح على الآخر 

من اللاّفت العودة إلى هذه الدّورة الرياضية، التي احتضنتها الجزائر من بوابة " الباهية وهران، إذ نظّمت مُجريات فعالياتها الرّياضية في ظروف كانت فيها البلاد منغلِقة على نفسها لأسباب كثيرة وظروف جعلتها بعيدة عن تنظيم التظاهرات العالمية لسنوات طويلة، يراها البعض مرتبطة بترسّبات السنوات، وخصوصًا ظروف التسعينيات وتراكماتها الأمنية والاجتماعية، فيما يرى البعض الآخر أنه من الضروري الأخذ بعين الاعتِبار  في تحليل سلوك الجزائري الظُّروف التي تشكّل فيها ومن خلالها المجتمع الجزائري زمن الاستقلال.

ترسُّبات الماضي

كثيرا ما يوصف الفرد الجزائري وخاصة من فئة الشباب، بأنه يلجأ للعنف للتّعبير عن غضبه وحتى لقضاء حاجاته وحتى في التعبير عن فرحته، غير أنّ بعض المؤشّرات لتحسن هذا السوك لاحت للعيان يمكن إبرازها من خلال الفعل الرياضي والثقافي والفني أيضًا، وذلك ما يعني أنه من الأهمية بمكان تقديم بعض أوجه تلك الترسبات التي تجذرت في التعامل مع المكان وتقبل الآخر هي نتيجة لبعض الظّروف التي عاشه الفرد الجزائري خصوصا في العشريات الأخيرة.

ويبدو أن ما عرَفته الجزائر من مراحل مِفصلية سياسيًا واجتماعيًا أسهم في تكوين السّلوك الجزائري، إذ لم تكن بسيطة أو يمكن إهمالها عند انتقاد بعض السلوكات واستهجانها أو نقدها من بوابة منطقية.

إثارة هذا الموضوع خصوصًا بعد احتضان الجزائر للألعاب المتوسطية واستضافة العديد من الجنسيات على أرض الوطن، ليس بالأمر السّهل حسب نظرة الباحث في علم الاجتماع عبد الكريم سالمي، فتقييم سلوك الجزائريين من منظور الألعاب فيه الكثير مما يقال، خصوصا وأن الجزائر عاشت العديد من الفترات المهزوزة حينا والصعبة أحيانا أخرى.

وقال سالمي لـ" الترا جزائر" إن هناك أسبابًا موضوعية ومعقّدةً جدًا يمكن من خلالها تفسير بعض السلوكات الرافضة لبعض الفعاليات خلال الألعاب وعلى هامشها، على سبيل المثال في حفلة الافتتاح والاختتام، إذ يرى أن الجيل الحالي ليس هو الجيل الذي عرف تظاهرات رياضية في الثمانينات وقبل التسعينات، مشيرًا إلى أنه وجب دراسة وتفهّم هذا الجيل الذي لا يعترف بالرتابة والجُمود ويبحث دومًا عن الجدّة والحداثة، حدّ قوله.

لا يمكن إهمال سياق تنظيم فعاليات الألعاب المتوسطية، حسب المتحدّث، إذ راهنت مكوّنات المجتمع الجزائري كثيرًا على عودة الجزائر إلى الواجهة العالمية وفتح مجالها للسياحة وقبُول الآخر، ما يمكِّن من عرض الخصوصية الجزائرية والتنوع الثقافي والسياحي وما يميز هذا المجتمع عن بقية المجتمعات، وحتى ما يتقاطع فيه مع شتى الدول.

لكن في المقابل من كلّ ما سبق، لا يمكن الحديث عن هذه الفعاليات من زاويتها الاجتماعية، دون الحديث عن فترة الاستعمار الفرنسي التي تسبّبت في طمس الهوية الجزائرية وتدمير الكيان الجزائري ومحاولة محو الدّولة.

وبالحديث عن الظّروف في زمن الاستقلال، يعتقد العارِفون بالشَّأن العام أن سلوك الجزائري بإمكانه أن يتحسَّن أكثر بفضل الفعاليات والنّشاطات التي تهدف إلى "تلاقح الثقافات أولا وكسب سعة الصّدر في تقبّل الآخر وقبول الاختلافات أيضا ".

تحوّلات

من هذا الباب عرّج أستاذ التاريخ فريد بودهان من جامعة الجزائر إلى القول إن سلوك الأفراد يتشكّل على فترات ومراحِل، إذ انطبعت فيه بعض التصرفات بشكل خاص ومفصلي ومركزي وفي العمق بفعل ترسّبات العنف الاستعماري المادي بسبب المجازر والمذابح والقتل والتهجير إضافة إلى اغتصاب الأرض، وكذلك العنف الرّمزي المتّصل أساسا بالسّيطرة والتجهيل.

وأضاف محدث "الترا جزائر" أن الفرد الجزائري عانى الويلات في الفترة الاستعمارية، علاوة على تأثير ترسّبات ثورة التّحرير بكلّ مخلّفاتها الدّامية.

ولم تتوقّف معاناة الجزائريين هنا، إذ لا يمكن المرور على الفترة التي أعقبت الاستقلال مرورا لطيفا، فالخروج من حرب دامت أكثر من سبع سنوات ومن احتلال استمر لـ130 سنة، له ارتدادات على نفسية المواطن الجزائري، إذ عانى أيضا من شظف العيش والتهجير والطمس والتغريب ثم العنف السياسي عقب الاستقلال أيضا، مرورا بالعُشرية الدّامية التي أطلت بتداعياتها الصعبة خلال أكثر من عشرين سنة "ونحن نُعاني من مخلّفاتها وليس بالسّهولة التّعافي من مخلّفاتها".

هذه الظّروف العصيبة انتجت هذا الجانب السّلوكي الحادّ للجزائريين الذي لا يمكِن إغفاله، غير أنه بالرغم من الأسباب السالفة هناك قابلية له من أن يتخلّص من السّلوكيات العنِيفة أو الغضب غير المبرر أحيانًا.

سياسات قديمة جديدة

ويرى الناشط الحقوقي عمار برهوم أنه وجب سد الاختلالات التي لاحظناها في الفعاليات الرياضية والاستفادة منها حتى إن كانت فيها الكثير من النقائص.

ومن هذا المنظُور، اقترح محدِّث "الترا جزائر" ضرورة تغيير السياسات المتعلقة بتدبير الشّأن العام وإحداث ما أسماه "خلخلة في التفكير السّلطوي" الذي يعتبر عنفًا سياسيًا، وتقديم خدمات تليق بالمواطن مثل ما فعلته عند بيع التذاكر الإلكترونية التي تغنيه عن الطوابير الكبرى أمام بوابة بيع التذاكر، وتقدم له منشأة صحية جيدة كبناء مستشفى في مجال جغرافي يمنع على المرضى صعوبات التنقل وغيرها من أساليب وتدابير إنشاء المرافق البنى التحتية التي تسهل الحياة اليومية على المواطن.

لا يمكن حصر سلوكيات المجتمع الجزائري في المراحل السياسية والاقتصادية التي مرت به 

لا يمكن تقديم تفسيرات شافية عن سلوك الجزائري وتغيراته التي تتساوق مع مختلف التغيرات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية التي عرفها المجتمع، إذ تؤثّر الأخيرة في تحديد سلوكات الأفراد والجماعة وتوجيهها، كما أنها تمتلك آثارًا جوهرية في إعادة ترتيب القيم لديه، ما يعيد تشكيل هوية المجتمع الجزائري.