14-مايو-2023
حيزية

(تركيب: الترا جزائر)

"ماتت مسمومة وعاشقها هو الشاعر بن قيطون الذي خلدها في إحدى قصائده وليس ابن عمّها سعيد".. هذا التصريح الذي جاء على لسان الروائي الجزائري واسيني الأعرج في إحدى الجلسات الثقافية حول بطلة أشهر قصة حب في الجزائر، أثار ردود فعل غاضبة وجدلًا واسعًا وسط المثقفين الجزائريين.

تصريح الروائي واسيني الأعرج في إحدى الجلسات الثقافية حول بطلة أشهر قصة حب في الجزائر أثار ردود فعل غاضبة وجدلًا واسعا على المنصات

بتاريخ التاسع آيار/ماي الجاري، نزل الروائي واسيني الأعرج ضيفا على المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بقسنطينة شرقي البلاد، وتحدث في جلسة ثقافية عن "حكاية حيزية روائيا "المخيال الشعبي ودوره في تحرير السرد".

عاشق حيزية بن قيطون أم سعيد؟

وعاد واسيني في هذا اللقاء إلى أشهر قصة حب في تاريخ الجزائر، بطلاها هما "حيزية" فتاة شابة من منطقة الدواودة بسيدي خالد بمدينة بسكرة (جنوب)، و"سعيد" شاب نشأ يتيما وكفله والد حيزية، لكن الأخير طرده بعد أن ذاع خبر علاقته مع ابنته.

والد حيزية أراد تزويج ابنته إلى أحد فرسان قبيلته، لكن حيزية تمرّدت على الأعراف وحاربت من أجل حبيبها سعيد، غير أنّ الموت أدركها وهي في ربيع العمر (23 عاما).

هذه القصة الحزينة التي تغنى بها فنانون كثر خلدّها شاعر الملحون محمد بن قيطون (1843-1907) ابن مدينة سيدي خالد ببسكرة، في قصيدته "حيزية" ويقول في بعض أبياتها: "عزوني يا ملاح سكنت تحت اللحود.. في رايس لبنات ناري مقدية"، "أخي أنا ضرير بيا ما بيا.. قلبي سافر مع الضامر حيزية"، "يا حسراه على قبيل كنّا في تأويل.. كي نوّار لعطيل شاو النقضية....".

 وأشار واسيني في الجلسة الثقافية بحسب ما نقلته جريدة النصر (حكومية) إلى أنّ "جزء كبير من قصة حيزية حول حبها لسعيد ووفاتها ليس صحيحا، لذلك عمد إلى تقصي الحقيقة من خلال أسلوب الأدب الاستقصائي."

ولم يقتنع واسيني ببعض التفاصيل في القصة منها أن "سعيد" الذي يقال أنّه هو من طلب من الشاعر بن قيطون تخليد حبيبته في قصيدته، لكن عندما قرأ القصية أكثر من 50 مرّة وسماعها مرّات عديدة، لم يشعر أنّ لسعيد وجود في القصيدة، ما جعله يرجح فرضية أنّ كاتب القصيدة بن قيطون هو العاشق الحقيقي لحيزية، وسعيد مجرد قناع،" بحسب ما نقلته "النصر".

هل ماتت حيزية مسمومة؟

واسيني الأعرج ذهب إلى أكثر من ذلك من خلال زيارته قبر حيزية بمقبرة سيدي خالد، بحيث وجد قبور العائلة الأب والأم وقبور سكان القبيلة، إلاّ قبر سعيد، كما سافر إلى بسكرة والجلفة وبوسعادة حيث توجد قبائل لها علاقة بقبيلة حيزية، للبحث أكثر في القضية، ليكتشف من خلال ما روته له إحدى العجائز أنّ حيزية ماتت مسمومة ولم تكن وفاتها طبيعية.

وبعد الجدل الذي رافق تصريحاته أعاد واسيني الأعرج نشر مقالة كتبها في 22 جانفي/يناير 2023 على حسابه بفايسبوك حول قصة حيزية. وعلّق عليها قائلا: "إكراما لحيزية التي سمَّموها وهي لم تتم السنة الثالثة والعشرين من عمرها، ويمشون اليوم في جنازتها وكأن شيئا لم يكن، بلا قلب ولا ذاكرة، لك الرحمة والسلام يا ضحية الضغينة والجريمة والأحقاد."

قبر حيزية

وممّا خلص إليه الأعرج في هذه المقالة بعد أن سرد حكايات متشعبة من قصة حيزية، حيث قال: "أهم شيء في هذه المروية الشعبية التاريخية الحكائية التي استمرت صبحية كاملة هي أنها تؤكد على مقتل حيزية مسمومة، أي أن غموض موتها في قصيدة بنڤيطون (ابن قيطون) له ما يبرره إما لكون هذا الأخير لم يكن يعرف الحقيقة، أو لتفادي حرب بين الدواودة وآل بنڤانة."

تصريحات واسيني بخصوص "حيزية" أشعلت منصات التواصل الاجتماعي، وخلقّت ردود فعل كثيرة في الأوساط الثقافية، حيث انتقد واتهم مثقفون صاحب "مملكة الفراشة" أنّه زيّف الحقيقة والتاريخ، مثقفون آخرون تعاطفوا مع واسيني، وقالوا إنّ "من حقه أن يكتب عنها روائيا وينتصر لها سرديا."

انتقادات لاذعة لواسيني

في السياق كتب الدكتور عزوز لحسن أستاذ النقد الحديث والمعاصر منشورا على حسابه بفايسبوك عنونه بـ"بكائيات واسيني وألطف حيزية الخفية"، انتقد فيه واسيني، وقال:" في سياق مواز مختلف تتهاوى كل الرموز الشعبية والأساطير التاريخية والعجائبية التخييلية في حاضر عنيف ومأساوي عند الروائي (واسيني الأعرج) حتى تصبح الرموز أقنعة وهياكل حجرية بين سطوة الأنا وشخوص متهاوية منتهية في نوار اللوز، "مي ليالي إيزيس كوبيا"، حتى "ليليات رمادة"، "تراتيل ملائكة كوفيلاند"، فالنصوص تصبح أمكنة للموت والخراب، تتصادم عند واسيني الأعرج الأمجاد اليوتوبية بالأوغاد الديستوبية في فجوة ومفارقة تتسع كل لحظة تاريخية وكأنها الرصاصة الأخيرة والخوف الأخير من الانطفاء والتلاشي ."

وأضاف:" يحاول واسيني الأعرج البحث عن خوف مزدوج واختيار صامد لشاعريته وسردياته التجريبية وهو بحث عن مجد قديم في سطوته و قوته وأسطرته وانتصاراته وبشكل مغاير في ندواته المكوكية تحتضر القصة الشعبية (حيزية) داخل نقاشاته الهامشية فيحمل صورا جديدة للملتقي الجزائري في حذف وتجريد وتحطيم وهدم واحتضار للغة والقصة والحكاية والمتخيل والذاكرة والمحاولات الأولى والدلالات السياقية الذاكراتية ليمارس الرقص حول النار التي يشعلها في أحطاب تجربة يريدها كحكاية المدينة الفضية؟ ."

وجاء في المقال أيضا قول الأستاذ عزوز:" واسيني الأعرج يتمتع بقوة باطنية تخييلية فذة هائلة ولا شك  رؤيا مكتظة بحشد من الأساطير ليفاجئ نفسه بأن حيزية ماتت مسمومة وأن الشاعر محمد بن قيطون هو من كان عاشقا لها وحبيبا عبر ثنيات حوارية متعددة وأشكال معقودة وعبر لغة لا تتلامع إلا للجمال والتفرد والصياغة الجديدة والبناء الكثيف لكنه يستبدل التاريخ وبمحاكاة خاصة وقصاصات هرمونية تظهر داخل صمته وهدوئه وقدرته على الابتسام المخيف وصمت القدرة على الكلام ألوان أخرى متخاطفة ليعود بزخم وقوة صاخبة صارخة صادحة ( أنا واسيني الأعرج وفقط).

وفي المقال قدّم عزوز نبذة عن حيزية وتاريخ ومكان ميلادها (1855)، وطفولتها بسيدي خالد ببسكرة، وقصة الحب التي جمعتها مع ابن عمّها سعيد الذي رباه والدها أحمد بن الباي ورعاه في يتمه حتى صار فردا من العائلة، وأنّ والد حيزية لم يتفطن لنار الحب بينهما، وقرر تزويج ابنته لفارس من القبيلة.

وأشار الكاتب إلى موت حيزية في ربيعها الـ23، العام 1878، أمّا سعيد فكان يزور قبرها بين الفينة والأخرى، والحكاية خلدّها الشاعر محمد بن قيطون.

وبشدّة انتقد الكاتب والشاعر أبو العباس برحايل في منشور على حسابه بفايسبوك ما أدلى به واسيني الأعرج حول حيزية.

ومما ورد في منشوره: "صديقنا لعرج سيؤلف رواية عنها وسيقول عنها.. أنها ماتت مسمومة وان زوجها اسعيد لم يكن قط وإنما هو رفيف جناح خيال؛ وأن فارس مغامرة العشق الحرام معها إنما كان الشاعر ابن قيطون نفسه شحما وعظما، إذ لاعهد للأزواج بحب بمثل ذلك التلهف العاصف الذي ترصده قصيدة ابن قيطون التي لهج بغنائها العبابسة وخلفي احمد ودرياسه ونحوهم من مطربي الغناء الصحراوي المتجذر في الذاكرة الوطنية. "

وأضاف: "طبعا من حق الروائي واسيني الأعرج أن يكتب في أي محمول ثقافي أو تاريخي أو أسطوري شاء ولكن.. أقول ولكن..ما استخلصته من قراءاتي لبعض روايات الأعرج أنه إن كتب في التاريخ زني أي زور بالمعنى الذي قصده بوجدرة بلفظة زناة التاريخ..ليجد لفلسفته التي اعتنقها وهو شاب مكانها، العدمية، إن مذهب العدمية في الأدب هو أن يقتل القيم الخلقية والدينية التي يزدهي بها المجتمع ويحشو نصه بقيم الموت الماثلة في قتل الدين وقتل الجمال وقتل الفضيلة وقتل الحب العفيف؛ وقتل القتل ذاته بالمعنى العدميحين تستوي الحياة والموت."

وأردف قائلا: "نعم؛ في كل عمل يكتبه؛ أول ما يقوم به هو أن ينصب خيمة للعهر.. كشيء يشبه قاعدة حياة للمشروع؛ بالعهر ينجس الشخوص العاملة للقيم الخيرة ويبديها شخوصا عاهرة نجسة شاذة؛ ويقلب الدور؛ فتبدو المومس في دور الشخصية الفاضلة مع عهرها كما لو كان العهر فضيلة. فما ينتظر حكاية حيزية إذن على يد الأعرج ؛ هو ان تبدو حيزية عاهرة فاضلة ويبدو معلم القرآن الذي هو هنا الشاعر ابن قيطون؛ لا ذمة له ولا إلا؛ يغوي الصبية طالبة القرآن في اللوح ويرسم بين نهديها اسمه وشما وعهرا...."

من جهته، ردّ الكاتب محمد الطاهر بعيجي على تصريحات واسيني في منشور طويل عنونه بـ"أعد لبحث يا سيد الأعرج عن حيزية"، وممّا ورد فيه: "لو تكلم السيد الأعرج عن عبلة وليلى وعنيزة وجوليات وأطلق عنان الخيال وقال عنهن أساطير وشخصيات وهمية قد لا نعارضه في ذلك لكننا لا نتوافق معه لقرون مضت على قصصهن ويصح أن بطلق الخيال فيها.

وأضاف: "لكن أن يكتب عن شخصيتين عاشا مع أجدادنا ونقل قصتهما أباؤنا إلينا وقبراهما بين موتانا والسكن الشتوي لأسرتيهما شاهد عيان بين مساكننا ويقول اسعيد شخصية وهمية، هذا ما لا يستساغ وصعب علينا في أي رف نصنفه. ببساطة لأننا نهلنا من المصدر ونهل الأعرج من أماكن لا علاقة لحيزية ولا لسعيد بها ."

وتابع قوله: "الدكتور أحمد أمين ابن بلدة سيدي خالد حيث عاشت حيزية الذي كرم بسيدي خالد وعائلته خلال الأسبوع الفارط بملتقى وطني دام يومين من الجمعية النونية لترجمة حياته باعتباره مؤسس الأدب الشعبي الجزائري حاضر فيه دكاترة من الأغواط بسكرة المسيلة الجلفة الجزائر تيزي وزو .....وممن كان قريبا منه، وكثير منهم ذكر الأعرج وعلاقته بالدكتور أحمد أمين صاحب أول إصدار عن رواية عن حيزية وقد استسقى واقعها من أهل بلدته وكان والده معلم القرآن عمر الشريف وأترابه قد نقلوا قصة حيزية من آبائهم الذين عاشوا فعليا أحداث القصة. ."

 

واستطرد قائلا: "ولم يتوصل أحمد أمين إلى ما وصل إليه خيال الأعرج أن اسعيد شخصية وهمية، و"اعتقد أن فكرة الشخصية الوهمية كانت تراود الأعرج منذ حياة الدكتور أمين لكن لم يتجرأ عن الإفصاح عنها إلاّ بعد رحيل أمين أحمد لانعدام السند لديه."

واعتبر في ختام حديثه أنّ "هذا النوع من الكتابة هو تجارة واسترزاق في قصة حب عذري معروفة أحداثها عند سكان سيدي خالد.". داعيا في السياق الأعرج إلى البحث عن الحقيقة وقال: " تفضل يا سيد الأعرج على الرحب إلى سيدي خالد أن كنت تبحث عن حقيقة حيزية لتكتب تاريخا نظيفا وحقيقيا، وانتم أدرى منّي أن الكذبة الحالية تتحول إلى حقيقة بعد حين ونتوق إلى نقل تاريخ وتراث سليم وحقيقي إلى من يقرأ لنا وشكرا دكتور واسيني الأعرج."

تعاطف

ومقابل هذه الانتقادات اللاذعة التي قوبل بها واسيني الأعرج بسبب ما قاله بشأن حيزية في ندوة أدبية بقسنطينة، تعاطف معه مثقفون وأدلوا بآرائهم في القضية.

الأستاذ الجامعي بقسنطينة إدريس بولكعيبات تفاعل مع الجدل وكتب على حسابه بفايسبوك  منشورا بعنوان "حيزية والعشق الممنوع"، وقال: "التاريخ ليس استرجاع الماضي بكل حمولته ! أقصى ما يمكن فعله هو إعادة بناء أهم المحطات واسترجاع أهم اللحظات !."

 وأوضح بولكعيبات أنّه "في الأدب حرية الحركة أكبر عكس كتابة التاريخ، وبالتالي، من حق الروائي "واسيني الأعرج" كما من حق غيره التحري، وإعادة ترميم شظايا الأحداث ونسج سرديات مختلفة حول تلك المأساة خاصة وأنها أخذت بعدا أسطوريا في المخيال الشعبي،! لا بد من تحريك السواكن بإلقاء الحجارة في المياه الراكدة !."

وأشار إلى أنّه "شخصيا لا يرى مبررا لكل ذلك الحنق من حول سردية الأعرج لـ"حيزية"، فالتأويلات حلقت بأصحابها إلى حدود الهوس بوجود مؤامرة تستهدف كرامة القبيلة وعصمة الإمام !."، وإن كانت "حيزية" العاشقة استطاعت من قبرها بعد قرن إثارة كل هذه الضجة حول مأساتها وربطها بالمقدس، فما بالك بفتح باب النقاش حول شخصيات تاريخية مثيرة للجدل بشيء من التجرد، الأكيد سيكون كمن يفتح على نفسه أبواب جهنم!."

وشدد المتحدث أنّه "مرة أخرى يتأكد مدى عسر بل استحالة كتابة تاريخ الجزائر سواء عن الماضي البعيد أو القريب ليس لشح المصادر وندرتها وإنما لانتصاب حاجز من الخوف والوهم يصعب اجتيازه، ويبدو أن الجزائري ليس مقداما إزاء هذه المسألة وهو يخشى فعلا النبش في الماضي أكثر من خشيته الحاضر بكل تحدياته وحتى المستقبل بكل نزواته !."، ولهذا لا حاجة لنا -وفقه- إلى ذلك الأرشيف ! فلسنا على استعداد لفتح صندوق باندورا !."

ووافق الكاتب والمترجم عبد القادر زيتوني، إلى حدّ بعيد رأي بولكعيبات في منشوره "بين المنطق والثرثرة" الذي جاء ردّا على منتقدي واسيني الأعرج. وذكر: "الآن تثار قضية حيزية وعاشقها هل هو بن قيطون نفسه ام اسعيد ؟.

وقال زيتوني: "واسيني لعرج حسب تحرياته وبحثه لكتابة رواية عن الحدث يرى أن العاشق الحقيقي هو ابن قيطون نفسه بينما يستبعد آخرون هذا كون ابن قيطون كان معلّم قرآن ولا يمكن أن يكتب أو يرسم بين نهدي تلميذته."

ولفت إلى أنّه "شخصيا يميل لما ذهب إليه واسيني، لأنّ ملحمة بهذا الزخم والرقة والعشق على حدّ تعبيره- لا يمكن أن تصدر إلاّ ممن كابدها ولا يعقل أن نكتب في موضوع العشق والتوه نيابة عن آخر."

وتابع قائلا: "أمّا حجة أن بن قيطون كان معلّم قرآن ويستبعد أن يصدر منه أو لا، هذا أمر إنساني عاد، لا غرابة فيه ثانيا أن تاريخ معل"مي الكتاتيب مليء بمثل هذه الأحداث وأكثرها ولا ينكره إلاّ معاند بل كانوا يأتون بأكبر من هذا ولا زلنا نسمع من حين لآخر أخبارهم المدهشة، وتهمة ضرب الدين والإساءة له ثرثرة في فراغ."

من جهته، قدّم الأكاديمي والمترجم عبد الحميد بورايو، رأيه بخصوص اللغط المثار حول هذه القصة والتأويلات المختلفة التي رافقتها.

وكتب: "فيما يتعلق خاصة بعلاقة الشاعر بكلّ من حيزيّة وسعيّد، كنتُ قد نشرتُ دراسة حول توظيف هذه القصّة في رواية لزهاري لبتر "حيزيّة أميرة العشق من بلد الزيبان" التي ترجمها من الفرنسية إلى العربيّة الصديق عبد القادر بوزيدة، ضمن كتاب أصدره مركز التراث بالشارقة حول "التراث والإبداع؛ مقاربات ورؤى". تحمل الدراسة عنوان "مسار قصيدة تراثيّة".

واعتبر أنّ "قيمة قصة حيزية تظل تكمن في رمزيتها الأدبية، وبالتالي –حسبه- هناك فرق واضح بين القصة الحقيقية التي حاول الكشف عنها كتاب أحمد لمين "حيزية الملحمة الجزائرية (القصة والقصيدة)، من ناحية، واستثمارها في الأعمال الأدبية والفنية، مثلما فعل المناصرة وحازورلي ولزهري لبتر وأخيرا واسيني."

وأردف قائلا: " من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار قصة حيزية حدثا تاريخيا هاما يرقى إلى مصاف الأحداث التاريخية الهامة في حياة المجتمع الجزائري، مثلما هو الحال بالنسبة لحياة الأمير عبد القادر مثلا، إذ تبقى قصة حيزيّة متعلقة بالبعد العاطفي الإنساني، وبالحياة الأسرية، وليست لها صلة بتاريخ المجتمع في عمومه."

 

ورأى أنّ "قصة حيزية تتيح حرية أكثر للمبدعين عند معالجتها، مما سمح بتصورات متباينة لطبيعة العلاقة ما بين الثلاثي: حيزية وسعيد وبن قيطون. وهي في الغالب تصورات ذاتية نابعة من موقف فلسفي رومانسي يقدس العلاقات العاطفية الفردية ويراعي مدى صدقها في التعبير الشعري. بينما تم نظم القصيدة من قبل بن قيطون في نطاق جماليات موروثة، تقدم صورة "المرأة التمثال" على حدّ تعبير أحمد لمين، ما هو معروف في شعر الغزل العربي في العصور القديمة، وفي العهد الأندلسيّ، والذي لا تنطبق عليه فكرة صدق العاطفة المرعية في الأدب الرومنسي."

ووفق بورايو "كل ذلك يدل على أن تأويل العلاقة ما بين هذه الأطراف الثلاثة خاضعة للموقف الحالي للمبدعين المحدثين، ولا يعبر عن واقع القصة ودلالة القصيدة الموروثة."