23-نوفمبر-2019

تختلف القراءات السياسية في تحديد مرشّح للسلطة (تركيب/الترا جزائر)

يفتّش الجزائريون في لائحة المرشّحين الخمسة عن مرشّح السلطة الذي تدعمه مؤسّسات الدولة بشكل غير مباشر، كما جرت العادة دائمًا في الاستحقاقات الرئاسية السابقة، وذلك منذ التعددية الحزبية في بداية تسعينات القرن الماضي، لكن إلى الآن والحملة الانتخابية تلفظ أسبوعها الأوّل، ما زالت الأمور تتّسم بالغموض حول من يمثّل السلطة في هذه الانتخابات.

تسعى السلطة الفعلية في الجزائر لأن تخفي دعمها لأيّ مرشّح للانتخابات الرئاسية القادمة

السؤال الأكبر الذي طُرح منذ أوّل يوم للحملة الانتخابية، كان حول إقدام السلطة الفعلية في البلاد، على مواصلة إنهاء المسلسل المعقّد من عمر أزمة تشهدها الجزائر منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من نيسان/أبريل الماضي، عن طريق تنظيم انتخابات في أقرب وقت ممكن، في مقابل ذلك، كان عليها ألا تعطي انطباعًا بأنها اختارت منافسًا قويًا ليفوز في الاستحقاقات المقبلة التي تريدها "شفافة ونزيهة".

اقرأ/ي أيضًا: هل سيكون عبد المجيد تبون الرئيس القادم؟

من هو مرشح السلطة؟

من المؤكّد أن المرشّح المحسوب على التيّار الإسلامي، عبد القادر بن قرينة، لا يُمكن أن  يُمثّل دور المرشح السلطوي، كما لا يمثّله المرشح عبد العزيز بلعيد، إذ تُشير مختلف الاحتمالات أن ثمّة مسافة سياسية كبيرة بين هذين المرشّحين والسلطة، كما يقول الأستاذ في العلوم السياسية الأستاذ عبد النور بودهان لـ"الترا جزائر"، معتبرًا أن كلّ ما يروّجه بن قرينة حول أنه رئيس الجزائر القادم، يجب قراءته من عدّة زوايا؛ أهمّها أنه يُثير الانتباه إلى أن الانتخابات ستكون "نزيهة ويُمكن أن ينجح في تخطّي الامتحان الصعب أمام منافسيه".

أمّا الزاوية الثانية حسب المتحدّث، فهي أن بن قرينة وبلعيد شخصيتان تدرّجتا في الفعل السياسي منذ زمن الرئيس المستقيل، فالأوّل تدرّج عبر المناصب الحكومية والأحزاب، والثاني هو نتاج جبهة التحرير الوطني عبر المنظّمات الطلابية "الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين"، وبالتالي فإنّ تسخين الحملة الانتخابية يكون عبر هذه الخطابات، يضيف المتحدّث.

في هذا السياق، يُمكن استبعاد أن يكون وزير الثقافة السابق عزّ الدين ميهوبي مرشّح السلطة، لضعف علاقته بالمؤسّسات الحيوية في السلطة، يقول الأستاذ بودهان، والقراءة نفسها تنطبق على مرشّح حزب طلائع الحرّيات علي بن فليس الذي خرج من مربع النّظام منذ عام 2004، بعد منافسة شرسة في رئاسيات تلك السنة مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم انخرط في مبادرات قوى المعارضة. ما يجعله مستبعدًا أيضًا إلى حين ظهور حسابات سياسية أخرى يمكن أن ترجّح الكفة لفائدة بن فليس، خصوصًا أنه محسوب على المعارضة السياسية في الجزائر وبإمكانه أن يكسب وعاءً انتخابيًا، من هذا المنحى.

تبون ومؤشرات منظومة الحكم

برغم التأكيدات المستمرّة للمؤسسة العسكرية، القائل بعدم تدخّلها في الشأن السياسي، غير أن أنظار العارفين بخبايا منظومة الحكم في الجزائر، تتّجه نحو المرشح الحرّ عبد المجيد تبون، رغم حرص الأخير على التأكيد أنّه لا يمثّل دور مرشّح السلطة، إلا أن مجموعة من المؤشّرات دفعت متابعين للشأن السياسي في الجزائر إلى اعتباره مرشّح السلطة الفعلي.

لعلّ المؤشّر الأوّل، هو كون الرجل الأكثر وضوحًا في نظر المؤسّسة العسكرية، مقارنة مع منافسه المباشر علي بن فليس، على اعتبار أنه عمل في الفترة نفسها التي تولّى فيها قائد الجيش الفريق القايد صالح قيادة الأركان عام 2004، وتعزّزت العلاقة بينهما أكثر بعد تولّي تبون لرئاسة الحكومة ما بين حزيران/جوان وآب/أوت 2017.

المؤشّر الثاني، هو تعيين تبون للسفير الجزائري لدى الأمم المتحدة بنيويورك عبد الله باعلي مديرًا لحملته الانتخابية، برغم أن السفير كان في تلك الفترة قيد الخدمة الدبلوماسية، وتم تعيينه في حركة نقل الدبلوماسيين كسفيرٍ في فرنسا، إضافة إلى ذلك، أحاط تبون نفسه بمجموعة من الإعلاميين المحسوبين على دوائر السلطة لإدارة حملته الانتخابية.

مؤشّر آخر كان يدفع باتجاه أن تبون مرشّح السلطة، هو تجمّع عدد من الأحزاب السياسية المعتمدة أو قيد التأسيس حوله وإعلان دعمها له، مثل حركة الإصلاح والاتحاد من أجل التنمية، ومجموعة من الجمعيات التي يُعرف عنها ولاؤها التام للسلطة، في انتظار أن تُعلن أحزاب أخرى موالية للسلطة دعمه.

احتمالات وتشويش

ما شوّش على هذه التقديرات في الساعات الماضية، هو مجموعة من التطوّرات التي تُخرج تبون من هذا المربّع وتضعه في موقف محرج سياسيًا وانتخابيًا؛ الأوّل يتعلق باستقالة مدير حملته الانتخابية السفير عبد الله باعلي، وهي في رأي الناشط السياسي المحامي خالد دحماني، ضربة قاصمة من قبل دبلوماسي ظلّ لعقود موظفًا سياسيًا يُطبق الخيارات التي تُمليها السلطة. إذ فهم البعض أن ذلك "يمثّل رسالة سياسية مفادها سحب الدعم الرسمي لتبون، رغم أن هذه القراءة قد تكون متعسّفة على الواقع السياسي".

بالإضافة إلى ما سبق، جاء توقيف رجل الأعمال عمر عليلات في قضايا فساد، المتحكّم في سوق استيراد الخمور، والمعروف بعلاقته الوطيدة بالمرشّح تبون، لتمثّل ضربة قاسية أخرى له، وتشير إلى أن هناك توجّهًا من السلطة لتخريب حملته الانتخابية، كما يضيف دحماني، رغم مسارعة تبون إلى التعبير عن استيائه من تقارير نشرتها صحف ومواقع وقنوات إعلامية محليّة بخصوص هذه القضية.

رفض رئيس الحكومة الأسبق ومرشّح الرئاسيات تبون، تحميله وِزرًا سياسيًا لسلوكات أيّ شخص آخر، وجاء ردّ مديرية حملته الانتخابية في بيان رسمي لها بأن ما نُشر حول الموضوع يعدّ "تلفيقًا وتشويهًا لشخصه".

كانت السلطة الجزائرية في السابق تنحاز بشكل واضح إلى أحد المرشّحين من خلال دعم مؤسّساتها المباشر

بين المرشّحين الخمسة، تاهت البوصلة السياسية في استخراج الرئيس المحتمل للجزائر، خاصّة وأن السلطة عوّدتنا في عدة انتخابات، على حسم جولات العملية الانتخابية لفائدة منافس محدّد، كثيرًا ما تلتف حوله عدّة أحزاب، وتقدّم له الإعانات وتسلّط عليه الأضواء الإعلامية، ويحاط بهالة كبيرة من المناضلين والمريدين والمحبّين والمقتنعين ببرنامجه، بيما يظلّ بقية المرشّحين مجرّد ديكور للانتخابات. لكن هذه المرّة، تبدو ملامح الرئيس المقبل غير واضحة المعالم، رغم أن مؤشّرات كثيرة كانت تحوم حول عبد المجيد تبون، إلا أن الزوبعة الإعلامية التي طالته خلال الحملة الانتخابية، أفقدته الكثير من النّقاط قبل جولة الحسم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حرب تصريحات بين فليس وتبّون.. نيران صديقة؟

حوار | علي بن فليس: حاصر الحراك الجزائري التصحر السياسي والمغامرة بمصير الدولة