07-مارس-2021

ساحة الجمهورية في العاصمة الفرنسية باريس (تصوير: فرانسوا غيلوت/أ.ف.ب)

ما يزال مشروع قانون التجريد من الجنسية في الجزائر يصنع الجدل في كل الأوساط السياسية والقانونية والشعبية على حدّ سواء. ولعلّ الآراء والتحاليل السياسية التي أعقبت  تصريحات وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة عمار بلحيمر حول هذه الخطوة، هي ما صنع الحدث في مواقع التواصل وعبر التصريحات الإعلامية، حيث أكّد أغلب المحللين والمراقبين للوضع السياسي في البلاد، على خطورة هذا المشروع الذي اعتبره البعض "خطوة غير مدروسة وغير قانونية تمامًا". 

ناصر جابي: إسقاط الجنسية هرطقة سياسية منافية لكل قيم الوطنية الجزائرية 

إجرائيًّا، تنصّ الفقرة الأولى من  المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي انضمت إليه الجزائر بالمادة (11 من دستور 1963)، على أنه "لكلّ فرد الحقّ في التمتع بجنسية ما"، حيث لم تُقص الفقرة  أيّ إنسان مهما كان موطنه، ومهما كانت خطورة الأفعال التي يرتكبها، فإذا كان مجرمًا يمكن توقيع العقاب عليه بطرق شتَّى، لكن لا يمكن أبدًا المساس بحقه في بجنسيته. أما الفقرة الثانية، فتقر عدم جوازِ التعسف في التصرف في جنسية الإنسان ومنع تجريده منها. 

اقرأ/ي أيضًا: سحب الجنسية الجزائرية يثير الجدل.. قانون على المقاس؟

من هذا المنطلق، نجد أن الجهة التي تحضر لمشروع قانون التجريد من الجنسية تسعى مباشرة في الاتجاه المعاكس للقوانين الدولية عن جهل بها، "وهو ما يضرّ بصورة الجزائر في المجتمع والمحافل الدولية، ويُنقص من قيمة تصرفاتها القانونية التي لن تؤخذ في الاعتبار تأسيساً على ذلك من شركائها".

 من خلال هذا المعطى، يرى متابعون للجدل الدائر حول مشروع القانون أن في حال تمرير قانون الجنسية الجديد، فإن الجزائر قد تتعرّض لملاحقات قانونية دولية. 

في مقابل ذلك، من المتوقّع أن تتراجع  السلطة عن سن هذا القانون قريبًا، قبل الوقوع تحت رحمة ضغوطات القانون الدولي بسبب الإتفاقيّات الدولية التي وقّعتها الدولة الجزائرية.

كما يجدر الذكر، أنه في حالة سحب الجنسية من أي شخص خارج التراب الجزائري، فإنه من غير الممكن طلب القبض عليه دوليًا لأنه يصبح خارج سلطة الدولة قانونيًا.

 فما هو رأي الخبراء في هذا القانون وما مدى تأثيره على الوضع السياسي الجزائري داخليًا وخارجيًا. وهل من أسباب خفية قد تستغلها السلطة لصالحها عبر الإصرار على وضعه؟

هرطقة سياسية

 تفاجأ مُتابعون للمستجدات في الساحة السياسية، خاصة عقب اقتراح مشروع هذا القانون للنقاش، حيث وصفه الباحث الأكاديمي في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، بـ"السقطة السياسية الفعلية" التي لم يكن له أن يتوقّعها كغيره من الجزائريين.

وقال جابي في حديث لـ"الترا جزائر"، إنه لم يكن يتصوّرُ أن يأتي يوم تجرِّد فيه الحكومة الجزائرية مواطنين جزائريين من جنسيتهم، معتبرًا نيّة سنّ هذا القانون بمثابةِ "هرطقة سياسية" منافية لكل قيم الوطنية الجزائرية التي تعتمد على هذا الانتماءِ المشتركِ للجزائريين لبلدهم، على حدّ قوله.

وفي هذا السياق، أكّد جابي أنه سيكون لهذا القانون أثر واسع إن حدثَ وتمت المصادقة عليه، وستكون النتيجة حسبه مساندةً للوجوه السياسية التي صدر القانون لمعاقبتها، وليس العكس، عبر قانونٍ لن يُطَبَّق في نهاية الأمر، لأن الدول الغربية حسبه، لن تسلم مواطنيها للجزائر، علمًا أنَّ أغلبية الأسماء المعارضة التي يتوجه إليها هذا القانون تمتلك جنسيات الدول التي تقيم فيها.

 مِن جانبه، يرى المختصّ في علم الاجتماع السياسي، أن هذا القانون سيكون "محطة أخرى في مشوار القطيعة بين السّلطة والمواطنين الذين لن يقبلوا قانونًا قد يتم استعماله، بشكلٍ أكيد لتصفية حساباتٍ مع وجوه معارضة فقط"، كما قال. إضافة إلى أنه "سيشوّه صورة الجزائر كدولة، وليس صورة النظام فحسب، سواءً خارج البلد أو أمام الرأي العام".

 في الأخير، لفت الأستاذ جابي إلى أن الجزائر لم تلجأ قطُّ في السابق، وحتى في أحلك الظروف إلى مثل هذه القوانين، كما أنه لم يتم تطبيقها حتى على من يسمون بـ"الحركى" أو "الإرهابيين". 

مشروع ينافي مسار التغيير 

بعيدًا عن ما جاء في القراءات السابقة، وفي غياب الهيئة التشريعية المخولة بالمناقشة والمصادقة على مختلف القوانين الناظمة للدولة، طرح الناشط السياسي عبد الجليل بن سليم تساؤلات تعلّقت في جوهرها بشكل المشروع، وكان أهمها يدور حول جدوى وضع المشروع للنقاش في الغرفة العليا للبرلمان أيامًا عقب الإقرار رسميًا بحلّ الغرفة السفلى(المجلس الشعبي الوطني)، على اعتبار أنها المخول المعني بمناقشة قوانين وصفته التشريعية.

ويرجّح بن سليم أن النظام متّجه نحو التفكير في سحب الجنسية من أي مواطن يعيش خارج الوطن، ويكون متورطًا في نشاط يمس الأمن القومي، وهذا دليل على أن النظام يلوّح بِإقصاء أي صوت يريد التغيير السياسي والسلمي في الجزائر، لأن النظام، حسب المتحدّث، لا يسمع أي صوت إلا صوته، كما تنحصر كل خرجات موظفيه في القول أن هناك جزائر جديدة دونما ملامح لهذه الجزائر التي يتغنون بها في كل مناسبة.

يتساءل الناشط هنا، عما إذا كانت الجزائر الجديدة ستبنى على الإقصاء؛ لأن "سحب الجنسية هو سلاح، عادةً ما تستعمله الأنظمة القمعية التي اختصرت الدولة في أشخاص معينين، كما أن التجريد من الجنسية هو أحد الطرق التي تستعملها الأنظمة القمعية لتجنب المساءلة الدولية حول التضييق على النشطاء، إذ أن ردة فعل النظام إذا ما تم رفع قضية ضده، غالبًا ما ستكون بالقول أن تجريد أفرادٍ من جنسيتهم كان لدواعي أمنية محضة، وأن الجزائر من حقّها أن تنتهج أيّة وسيلة لحماية أمنها". مضيفًا أن النظام بمثل هذا القانون أثبت أنه لا يريد تقبل فكرة التغيير في الجزائر وسيقمعها بأي طريقة كانت، على حدّ تعبيره. 

 قد يكون من باب التسرّع الحكم على مشروع قانون صنع جدلًا كبيرًا في الأوساط القانونية، السياسية والشعبية أيضًا، حتى لو أشار وزير العدل الجزائري الحالي إلى تفصيلٍ مفاده أن المقترح القانوني موجه لفئة محدّدة فقط، ولا يشمل كُلَّ الجزائريين، لكن على ما يبدو أن عدم الثقة في السلطة بدا جليًا من خلال بعض القراءات التي استقتها "الترا جزائر" سابقًا عبر فرضية القراءة القانونية للمشروع الذي بدا في ظاهره حسبهم، وسيلة قانونية ردعية أكثر منه مواد للتطبيق.

هل سيتم تمرير القانون؟ وماهي المبرّرات التي قد تستند إليها السلطة في حال تمريره؟

هل سيتم تمرير القانون؟ وماهي المبرّرات التي قد تستند اليها السلطة في حال تمريره؟ومثلما سبق الذكر حول المبدأ الدستوري المتعلق بالاتفاقيات الدولية، فإن هذا الأخير  يفوق القانون الوضعي لكل بلد على حدّة، ومن هذا المنطلق قد يغدو القانون المقترح حاليًا، إحراجًا كبيرًا للدولة الجزائرية أمام التزاماتها الدولية، فهل سيتم تمرير القانون؟ وماهي المبرّرات التي قد تستند إليها السلطة في حال تمريره؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جزائريون يستنكرون مشروع قانون سحب الجنسية

حزب العمال يطالب بالسحب الفوري لقانون نزع الجنسية