لمظاهر التضامن في الجزائر خلال شهر رمضان أشكال وألوان، من بين تلك التقاليد الرمضانية التي تنتشر عبر سائر محافظات البلد، "مطاعم الرحمة"، التي تقدم وجبات الإفطار المجانية للمحتاجين وعابري السبيل، مبادرة حافظ عليها الجزائريون منذ سنوات عديدة إذ يقوم أهل الخير والإحسان بفتح مطاعم توفر أماكن إفطار للصائمين وتقدم وجبات ساخنة محمولة أيضًا لبعض المحتاجين، هذه المطاعم تنشط بتراخيص من السلطات المحلية وتراعي شروط الصحة والأمان، ويقوم بتسييرها غالبًا متطوعون تابعون لجمعيات خيرية، وأخرى تابعة هيكلياً لمنظمة الهلال الأحمر الجزائري.
تنتشر في مختلف محافظات الجزائر مطاعم الرحمة التي تقدم وجبات الإفطار المجانية للمحتاجين وعابري السبيل
الثالثة زوالًا بمدينة "بشلول"، إحدى دوائر محافظة البويرة، شرقي العاصمة، تدب الحركة في أحد المحلات التي تم تجهيزها لتكون مطعمًا خلال شهر رمضان، عدد من الشباب المتطوعين متواجدون هنا منذ الصباح، مهمتهم تنظيف المحل والبدء في تحضير وجبة الإفطار لحوالي 50 شخصًا يقصدون المكان مع اقتراب ساعة الإفطار.
اقرأ/ي أيضًا: في الجزائر.. أطباء يفطرون على طاولة العمليات
جعفر، ناشط جمعياتي والمسؤول عن المطعم يصرح لـ"الترا صوت": "عملنا هنا تطوعي بالكامل، ننقسم إلى فرق، كل فرقة نوكل لها مهمة خاصة بها، بعضنا يقوم بتنظيف المحل كل يوم، فيما نتعاون على تحضير الوجبات اليومية مع طباخ يشتغل هو أيضًا كمتطوع في المطعم". ويضيف: "نقوم بتوفير 50 وجبة يوميًا، يقصد المطعم غالبًا عمال فرضت عليهم ظروف العمل التواجد بمناصبهم ساعة الإفطار، كما نقوم بإيصال أزيد من عشرين وجبة لعمال آخرين لا يستطيعون أن يبرحوا أماكن تواجدهم كالأطباء المداومين، كما يقوم متطوعونا بإيقاف عابري السبيل على الطريق وإرشادهم لمكان تواجد المطعم".
وعن مصدر تمويل المطعم، يقول جعفر إن "هيئات حكومية قامت بمساعدتهم بالمواد الأساسية فيما تأتي غالبية الأموال من المحسنين وأهل الخير الذين يتسابقون لتقديم يد المساعدة، فحتى المحل الذي نتواجد به منحه لنا صاحبه مجاناً".
المشهد ذاته يتكرر في أحد المطاعم التي فتحت خصيصًا لإطعام عابري السبيل، على مستوى المحطة البرية المحاذية للطريق السيارة، إحدى الشرايين الرئيسية في الجزائر والذي جعل من مدينة "البويرة" نقطة عبور نحو الشرق والغرب، هنا تستوقفك لافتة كتب عليها "لا تسرع، إفطارك معنا"، حيث قام الكثير من المتطوعين التابعين لجمعية "ناس الخير"، وبمساهمة من السلطات المحلية بتنصيب خيمة عملاقة من أجل استضافة الصائمين هناك وتمكينهم من وجبة كاملة ساعة الإفطار، معوضين الجو العائلي الرمضاني وضاربين المثل في التكافل ومد يد العون في شهر التراحم، المتطوعون هنا أخر من يجلس لمائدة الإفطار، وتجدهم تفرغوا بالكامل للخدمة اليومية في كامل شهر رمضان.
اقرأ/ي أيضًا: الصيام الأول للطفل الجزائري.. كأنه ولادة!
علاوة على تلك المطاعم المنظمة، تعتبر عادة إفطار الصائم جزءًا مهمًا من فسيفساء الشهر الكريم في الجزائر، إذ تجد الساكنين بمحاذاة الطرق العامة يتسابقون لركن السيارات والحافلات واستضافة المسافرين في منازلهم لمقاسمتهم الجو الرمضاني. يقول كريم، تاجر من مدينة "القادرية"، أنه ورث العادة عن أبيه، فمنزلهم يقع بجانب الطريق الوطني رقم 5، ولقد دأبت العائلة على توفير صالة لإفطار عابري السبيل منذ سنوات، كما نجد الكثير من الشباب الذين تطوعوا بما يملكون لتقديم اللبن وحبات من التمر للمارين جنب الطريق أثناء توقيت الإفطار.
"موائد الرحمة"، هذا التقليد الضارب في عمق الكرم الجزائري والمؤشر على بذرة الخير في نفوس الناس، تتناقله الأجيال وتسعى عديد المنظمات والجمعيات لتكريسه كأحد أيقونات العمل الخيري في رمضان وكمظهر من مظاهر التآخي والشعور بالمحتاج ومن تقطعت بهم السبل.
اقرأ/ي أيضًا: