ترتفع معدلات قبول الناجحين في البكالوريا للالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة من سنة إلى أخرى، حتى تعدّت هذا العام معدل 17 في بعض التخصصات متعدية التخصصات الطبية، في ظاهرة يثمنها مهتمون بقطاع التربية، كونها قد تساهم في مستوى التعليم بالمدارس الذي يظل يحتاج إلى تحسين بالنظر للانتقادات التي توجه له.
زوبير روينة لـ"الترا جزائر": إقبال أصحاب المعدلات العالية في شهادة البكالوريا على المدارس العليا مرده الضمان المسبق للتوظيف مقارنة بباقي التخصصات الجامعية
ورغم المشاكل التي يعيشها قطاع التعليم في الجزائر، والانشغالات التي تتحدث عنها نقابات التربية، إلا أن حمل لقب معلم وأستاذ أصبح يستقطب الناجحين في البكالوريا حتى أصحاب المعدلات العالية الذين كانوا في سنوات سابقة لا يحبذون التوجه إلى هذا القطاع المثقل بالمشاكل المهنية والاجتماعية.
ارتفاع متواصل
تشير معدلات الالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة التي تكشفها وزارة التعليم العالي كل عام، بعد الانتهاء من التسجيلات الأولية للناجحين الجدد في البكالوريا، إلى الارتفاع المتواصل للقبول في التكوين الجامعي في مجال التعليم، والتي تعدت هذا العام معدل 17 في عدة تخصصات، ما جعل البعض يصفه بالظاهرة.
وحسب الإحصاءات المقدمة من قبل وزير التعليم العالي كمال بداري، فقد التحق 10 آلاف طالب جديد بالمدارس العليا للأساتذة عبر الوطن، بارتفاع 2.7 بالمئة مقارنة ببكالوريا 2023.
إلى هنا، قال الأمين العام لنقابة مجلس أساتذة الثانويات الجزائرية "الكلا"، زوبير روينة لـ"الترا جزائر" إن إقبال أصحاب المعدلات العالية في شهادة البكالوريا على المدارس العليا مرده الضمان المسبق للتوظيف مقارنة بباقي التخصصات الجامعية.
وتنص الاتفاقية الموقعة بين وزارتي التربية والتعليم العالي على التوظيف المباشر لخريجي المدارس العليا للأساتذة فور إنهائهم تكوينهم الجامعي.
شكّل هذا الإقبال الكبير على المدارس العليا للأساتذة ظاهرة هذه السنة، فقد لفت انتباه مهتمين بالعملية التعليمية في البلاد، حيث حذّر رئيس المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي “الكناس” عبد الحفيظ ميلاط، من اختيار أغلب أصحاب المعدلات العالية لهذه المدارس دون التخصصات العلمية الدقيقة التي تركز عليها كل الجامعات العالمية، من التسبب في "خللٍ كبيرٍ في البناء الجامعي الجزائري مستقبلًا".
ويرى ميلاط أن " 99٪ من الملتحقين بالمدارس العليا اختاروا هذا التوجه لأنه يضمن التوظيف المباشر"، معتبرًا أن الخطأ يكمن هنا كون الحاصل على البكالوريا ما يزال في عمر لا يسمح له بـ"النضج الاجتماعي الذي يسمح له بالاختيار، فهو يخضع لضغط الأولياء في اختيار قد يقتل مستقبله البحثي والأكاديمي ويحوله مستقبلًا لمجرد موظف بسيط، رغم أن معدله الكبير كان من الممكن أن يفتح أمامه آفاق كبيرة قد يندم عليها مستقبلًا".
عامل إيجابي
رغم انتقاده لهذا الاختيار، إلا أن عبد الحفيظ ميلا يقر بأن "المدارس العليا للأساتذة من أرقى المؤسسات الجامعية في الجزائر، وتضمن تكوينًا جامعيًا جيدًا، لا يختلف بشأنه كثيرون، واختيار أصحاب المعدلات الكبيرة لهذه المدارس يرفع مستوى التكوين فيها".
وبالنسبة للنقابي زبير روينة، فإن هذه الظاهرة أمرٌ إيجابيٌّ لتحسين مستوى التعليم في المؤسسات التربوية، لأن اختيار أحسن العناصر مجال التعليم من شأنه إعطاء قيمة إضافية لهذه المهنة والمساهمة في الرفع من عملية اختيار الكفاءات.
ودعا روينة، هنا، وزارة التربية إلى التفاعل الإيجابي مع التحاق أصحاب المعدلات العالية بسلك التعليم، عبير تدعيم الجانب المهني والبيداغوجي والاجتماعي بالإجراءات اللازمة، لأن من التحق بسلك التربية من أجل الوظيفة يمكنه التخلي عنها عند وجود البديل.
ويرى المتحدث أن مساهمة أصحاب المعدلات العالية في تحسين مستوى التعليم بصورة لافتة وفعالة مرتبط أيضًا بمن يختار الانتماء لمهنة التعليم عن قناعة بعيدًا عن كونها مجرد رزق فقط، لأن التعليم مهنة مرتبطة بالرغبة، والتكوين الجيد عامل يمكن اكتسابه لما تكون لدى المنتسب لهذه المهنة التعليمية إرادة وشغف، على حدّ قوله.
غير كاف
بالنسبة للأمين العام لنقابة مجلس أساتذة الثانويات الجزائرية، فإن تحسين مستوى الأساتذة والمعلمين لترقية أداء المدرس الجزائرية لا يتعلّق فقط في الرفع من معدلات الالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة، إنما بوضع استراتيجية توظيف استشرافية من قبل الوزارة.
وبين أن حديث وزير التربية منذ أسابيع، عن إمكانية اللجوء إلى عملية الانتداب لضمان توظيف جميع خريجي المدارس العليا للأساتذة، يؤكد غياب السياسة الاستشرافية للتوظيف.
وشدد روينة على ضرورة التحضير المسبق للأساتذة الذين يخلفون زملاءهم الذين يُحالون على التقاعد، مبينًا أن نقابته وإن دعمت عملية إدماج المتعاقدين والمستخلفين التي قامت بها الوزارة، فإنها تطالب في الوقت ذاته أن تبقى هذه العملية استثناء لا أن تصبح قاعدة، على حدّ تعبيره.
وقال روينة إنه من غير المعقول أن يتكون حاصل على البكالوريا في الجامعة كأستاذ ثانوية، وعند التخرج يوجه للتدريس أستاذًا في الطور الابتدائي جراء لجوء الوزارة لعملية الانتداب، حيث يصبح الهدف هو إيجاد منصب عمل للمتخرّجين وليس تحسين المستوى التعليمي، إضافة إلى أن هذا الوضع يدخل الوزارة في تناقض كونها تتحدث من جهة عن نقص التأطير واللجوء إلى الادماج، وتعتمد من جهة أخرى الانتداب الذي يظلم كثيرا من خريجي المدرسة العليا للأساتذة.
ويصنف زبير روينة هذا الوضع في خانة غياب التنسيق بين وزارتي التعليم العالي والتربية، وهو واقع يؤكّده المفتشون الذين يتحدثون عن صعوبات في التعليم يواجهها خريجو المدارس العليا للأساتذة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في عملية التكوين الجامعي وتحيين البرامج التعليمية بالجامعة للتواؤم مع التغييرات التي عرفتها المناهج التربوية.
وبالنسبة للامين العام للمجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي، فإن "من المستحسن اليوم جعل التكوين في المدارس العليا للأساتذة يبدأ من مرحلة الليسانس وليس من البكالوريا، حيث يصبح الطالب قد اكتسب نضجًا أكبر، ولديه الاختيار في أن يكمل مساره في التخصص الجامعي الذي اختاره في مرحلة الليسانس، أو التوجه للمدارس العليا للأساتذة".
تنص الاتفاقية الموقعة بين وزارتي التربية والتعليم العالي على التوظيف المباشر لخريجي المدارس العليا للأساتذة فور إنهائهم تكوينهم الجامعي
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري قد أعلن في آذار مارس 2023 الشروع في مراجعة برامج التكوين بالمدارس العليا للأساتذة، مبينًا أن أي تغيير في طبيعة التكوين يجب أن يكون بالتنسيق مع وزارة التربية حتى يكون هناك تطابق بين التكوين الجامعي بهذه المدارس وبين ما سيقدمه المتخرجون منها لتلامذتهم مستقبلًا".