26-سبتمبر-2022
جامعة الجزائر (الأناضول/Getty)

من أمام جامعة الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

يبدو أن السنة الجامعية الجديدة ليست بالسّهلة بالنّسبة للوافِد الجديد على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، رغم احتكاكه السابق بالميدان وبالإدارة الجامعية، إذ تنتظره عدة ملفات تخصّ الهيئة الجامعية والطلبة، فالإرث الثقيل بسبب مشاكل قطاع تمّ ترحيلها لسنوات طويلة خاصة منها ما تعلّق بتنفيذ نظام التّكوين الجامعي القصير المدى "أل أم دي"، وتبعاته على ثلاثة أصعدة أهمها طبيعة التكوين في الجامعة فضلًا عن المقاعد البيداغوجية وهيئة التدريس.

وزير التعليم الجديد دعم توظيفهم الدكاترة البطالين في عدة مرات في وقت سابق حين كان رئيسًا للجامعة

تعيين البروفيسور كمال بيداري جعل من الأسرة الجامعية تتنفّس الصعداء، في مقابل توجيه سهام الإبقاء على بعض الملفات الخاصة بالهيئة البيداغوجية من أساتذة قيد التجميد والأخذ والردّ إلى الوزير السابق عبد الباقي بن زيان، وراح الكثيرون يهللون لقدومه على رأس الوزارة بالعاصمة الجزائرية، بعدما " أثبت نجاعته على رأس جامعة المسيلة".

تفاصيل الدخول الجامعي والإجراءات الطبيعية التي تعودت الجهات الرسمية تذليلها مع كل بداية موسم جامعي، تبقى في رصيد الوزير السابق فقبل أيام فقط من بداية السنة الجامعية الجديدة تمّت إقالته، لكن في كلّ الحالات فإن القطاع يعرف غليانًا شديدًا وتراكم لمشكلات تعود لأكثر من عقدين من الزمن.

بطالة بشهادة عليا

منذ بروز مسألة الدكاترة البطّالين وازدياد عددهم كلّ سنة، إذ بلغ عددهم الـ 23 ألف دكتور بطال، وهو رقم كبير مقارنة مع شحّ الموارد المالية للتوظيف، لذا تعدّ أولى القنابل التي يتعيّن  على الوزارة تفكيكها دون مخلفات تضرّ بالقطاع.

ويرى معنيون بهذا الملفّ، أن السؤال الجوهري هو كيف يمكن تجاوز قرار ما يسمى بـ"المنصب البيداغوجي يعادل شهادة دكتوراه؟"، إذ كل وزير يمرّ على القطاع يتحدّث علنا عن التوظيف المباشر فور الحصول على الدكتوراه، مثلها مثل المناصب التربوية في قطاع التربية بعد التخرج من المعاهد التعليمية وتكوين الأساتذة، لكن في الواقع لم يطبق هذا القرار.

ويرى الأستاذ كريم جوادي من جامعة قسنطينة، شرق الجزائر، أن موقف الوزير من توظيف الدكاترة البطالين واضح حيث دعم توظيفهم المباشر في عدة مرات حسب المقربين منه لما كان رئيسًا للجامعة، لكن هل يواصل في موقعه أو بالأحرى نهجه فور تسلمه للحقيبة وارة التعليم العالي؟

ودعا الدكتور جوادي وهو (دكتور بطّال وأستاذ مؤقّت بجامعة الحقوق)، زملاءه الدكاترة البطالين إلى القيام مجددًا بوقفات الكرامة أمام مقر الوزارة بالعاصمة الجزائرية وأمام مختلف الجامعات الجزائرية، لافتا في حديث لـ" الترا جزائر"، أن هذا الضغط هو خطوة فعالة ربما تدعم قراره في تفعيل التوظيف المباشر، ومن خلالها يمكن تصور ما وصفه بـ "نية الوزير إزاء الدكاترة البطالين".

القيم العلمية

في هذا المجال، يعتقد البعض أن الوزير كمنصب ممثل للدولة على رأس قطاع لا يمكنه أن يحلّ مختلف التحديات التي تخوضها الجامعة، خصوصًا مع الدخول الجامعي ومشكلاته السنوية، لكنه في الآن نفسه مطالب بأن يفتح ملفات كثيرة تتعلق بهيئة التدريس كقنبلة ثانية إذ تعتبر البروفيسور كريمة لعضايمية من جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا بالعاصمة الجزائرية الهيئة العلمية المُشكّلة من أساتذة وكفاءات أكاديمية أساس الجامعة وعِمادها، تستلزِم توظيف الكفاءات كلّ في مجاله.

وفي هذا المضمار، قالت لـ" الترا جزائر" إن هيئة التدريس في الجامعات الجزائرية أصابها "الكسل والخُمول" لأسباب متعددة، أهمها عدم تدوير الكفاءات في المناصب العليا في الجامعات واعتبارها مناصب "إدارية" لا غير، دون تحفيزات وتقييدها بقوانين خاصة بالوظيف العمومي".

وفي هذا الإطار، تطرح بإلحاح ضرورة وضع قانون أساسي خاص بالأساتذة، ليكونوا قوة فاعلة في مجالاتهم، ويتحرّرون من مِطرقة القرارات التي تمليها الإدارة بناء على مواقف سياسية.

وبالإضافة إلى ذلك، فالأستاذ الجامعي أصبح "مثله مثل أي عون إدارة"، وهذا خارج إطار "قيمة العِلم والبحث العلمي"، ملفتة إلى أنّ القطاع أصابه "فيروس المحاباة والبيروقراطية" بسبب التّوظيف العشوائي وعدم مراعاة عدة سلّم القيم التي تفرضها أي جامعة في أي بلد.

التكوين وفضاءات بعيدة عن الواقع

أما الملف الثالث فتعلق بالرجوع إلى الإرث الثقيل، منظومة التعليم العالي في الجزائر وبقرار حكومي اتخذت تدابير لتدريس نظام قصير المدى قبل 18 سنة تقريبًا وهو ما يعني تغليب ساعات تدريس المقاييس والمواد الميدانية وتكييفها مع سوق الشغل، ولكن ما يحدث فعليا هو تقليص ساعات العمل والإبقاء على منظومة تعليم نظرية في فضاء الجامعة، أو أحيانا بعيدة عن العالم الخارجي.  

لقد ظلَّت الجامعة هي الصّورة التي تقدّم واقع المجتمع، إذ يعتبر التّعليم العالي والبحوث العلمية واجهة الدولة، لذا يتحدث العديد من الأساتذة عن ضرورة التحضير لاجتماعات دورية للتقييم، وهو ما لا يمكن فعله اليوم خصوصًا أمام تغيير الوزير، إذ ما هو مطلوب اليوم من الوزير بيداري هو إدارة الدخول الجامعي واستقبال الوافدين الجدد من حملة شهادة الباكالوريا الجدد.

عطفًا على هذا المستجدّ، يشير البروفيسور أحمد عماري من جامعة دالي إبراهيم، بالعاصمة الجزائرية، أن المشكلة الحالية في إدارة الآلاف من الطلبة وتقييم التخصصات التي تتطلّبها سوق الشغل في البلاد، ناهيك عن ملفّ الشبكة البيداغوجية من أساتذة سيحالون على التقاعد، دون الكشف عن القدرة على استثمار خبراتهم.

البروفيسور عماري الخبير في مجال التسويق، أفاد لـ" الترا جزائر"، أن الوزير الحالي يعرف جيدًا القطاع من الداخل من خلال تجاربه السابقة، فالسؤال المطروح هو ضرورة "ردّ الاعتبار لكل الأساتذة المتقاعدين بحسب القانون الذي يفرض عليهم وضع ملفات الإحالة التقاعد بعد بلوغ سنّ السبعين، لكن في المقابل يستوجب عليه أن يتعامل معهم على أساس "مادة رمادية لازالت في عزّ العطاء من بوابات التّكوين والتأطير، والتفكير والاستشراف للمستقبل أيضًا".

ترحيل ملفات أم إغلاقها نهائيا

لا يمكن أن يفكك الوزير الجديد "القنابل" المعروضة وغيرها كثير، خصوصًا وأن المدة بين توليه لحقيبة وزارية والدخول الجامعي الجديدة، قصيرة جدا في إمكانية ترتيب بيته الوزاري، والإذعان إلى فرضيات الواقع من حيث المسؤوليات الموكلة إليه.

وفي هذا السياق، يتحدّث المتابعون للشّأن الجامعي لـ" الترا جزائر" عن ما يصفونه بأن التعليم العالي في الجزائر يعيش في النّفق أو " النّفق الجامعي" فترة لأسابيع لتسيير القِطاع إلى غاية لملمة أشلاء القرارات التي نجمت عن اجتماعات مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، علاوة عن التّوصيات التي خرجت بها الأسرة الجامعية في اجتماعات سابقة بغية إصلاحات تروم الأسرة الجامعية التخطيط لها لتحسين القطاع والتوصل إلى جودة التعليم العالي.

يرى البعض أن تسيير قطاع الجامعات يستحقّ إعادة هيكلة تتعلّق أساسًا بمخرجات الأغلفة المالية

ولكن يرى البعض أن تسيير قطاع الجامعات يستحقّ إعادة هيكلة تتعلّق أساسًا بمخرجات الأغلفة المالية للمخابر العلمية ومنتجات الجامعة وتأثيرها على الاقتصاد الوطني في عالم تحكمه المعلومة والخبرة والمنتج الذي يرفع من مستوى التّنمية التي بدورها تنعكِس إيجابًا على المواطن.