31-يوليو-2023
 (الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

صبيحة يوم حار، يَشهد السوق البلدي للخضر والفواكه ببلدية باش جراح، حركة ضئيلة بفعل الحرارة والرطوبة العالية، حيث يعرض بائع الفواكه صناديق العنب الأسود بأسعار زهيدة، هاتفًا: "كُول يا الزوالي.. صندوق عنب بـ 100 دج"، ورغم السعر المغري لا يلتفت حول طاولة البائع إلا عدد قليل من الزبائن الفضوليين، إذ يعاينون طاولة البائع لكن سرعان ما يصطدمون بنوعية العنب الرديئة.

توقّع منتجو فاكهة العنب لهذا السنة إنتاجًا يفوق السنوات الماضية حيث توسّعت مساحات زراعة الكروم على مستوى عديد من الولايات الوسطى والغربية من البلاد،

في حديث جمع "التر جزائر" مع البائع حول أسباب رداءة نوعية العنب لهذا السنة، ذكر المتحدث أن نوعية العنب الأسود ليست رديئة، بل أُتلفت وأُهلكت نتيجة الحرارة المرتفعة والحرائق الأخيرة التي شهدتها خصوصًا بضواحي ولاية بومرداس (برج منايل، بغلية، دلس..)

خسائر كبيرة 

وأضاف محدثنا أن هناك خسائر كبيرة يعيشها الفلاحون ممن أقدموا على زراعة أشجار العنب بكيمات كبيرة خلال هذا الموسم الفلاحي، موضحًا أن أسواق الجملة للخضر والفواكه تعرض فاكهة العنب سواء الأبيض أو الأحمر أو الأسود بأقل من 50 دج للصندوق، ورغم ذلك لا تَستهوي ولا تُروق لكثير من الباعة، ماعدا عدد محدود من البائعين المتجولين.

وزاد أن الكثير من بائعي الجملة ومنتجي العنب في نهاية مداومة السوق، ونتيجة تكدس المنتوج، يلجؤون إلى التخلص منها ورميها في حاويات القمامة.

بومرداس ودلس

وبخصوص الولايات الأكثر تضررًا من تلف وخسارة منتجات الفواكه كالعنب، ذكر المتحدث أن منطقة برج منايل ودلس (بومرداس) هم الأكثر تضررًا، زيادة على بعض الولايات كالمدية وغليزان ومستغانم.

وبحسب البائع فإن ولاية بومرداس لوحدها تُمول السوق الوطني بأكثر من 70 في المائة من فاكهة العنب، مردفًا: "بعض منتجي فاكهة العنب تكبدوا خسائر هائلة، وقد تطال الخسارة كامل موسم جني العنب الذي يمتد إلى غاية شهر تشرين الأوّل/أكتوبر".

موجة الحر

في هذا السياق، توقّع منتجو فاكهة العنب لهذا السنة إنتاجًا يفوق السنوات الماضية، إذ توسّعت مساحات زراعة الكروم على مستوى عديد من الولايات الوسطى والغربية من البلاد، غير أن موجة الحر الشديدة ألحقت خسائر هائلة في المنتجات الزراعية كالفواكه، وتداول متابعون على صفحات المواقع التواصل الاجتماعي نداءات أرسلها منتجو العنب، مُطالبين بتدخل السلطات وعلى رأسها وزارة الفلاحة سواء لتعويض الخسائر أو مد يد العون لها. 

إلى هنا، أفاد منتجو العنب أن تكلفة الإنتاج باهظة جدًا، وتحتاج إلى متابعة يومية ومستمرة واستثمار عتاد ومعدات، وفي ظلّ خسائر هذا الموسم الفلاحي، لا يمكن الاستثمار أو الاستمرار في العمل للسنة المقبلة نظرًا للخسائر المالية، كل بحجم مساحته المزروعة.

التغيرات المناخية

في سياق الموضوع، قال الشاب مراد، أحد المستثمرين في مجال الفلاحة، إن التغييرات المناخية التي تشهدها الجزائر وبلدان الحوض المتوسط باتت تهدد الأمن الغذائي والمحاصيل الزراعية.

وأوضح في حديث إلى "الترا جزائر"، أنه نتيجة ارتفاع درجة الحرارة فإن الكثير من المنتجات الزراعية ستكون نهايتها الإتلاف في هذا الموسم، على غرار فاكهة التين الكرموس أو الباكور واليقطين "الكابويا" وفاكهة العنب.

وتوقع محدثنا أن موسم حصاد القمح اللين ستكون نتائجه ضئيلة الوفرة، عكس التوقعات المتفائلة، أما موسم حصاد الشعير فستكون حسنة، على حد قوله، ويبرر مراد توقّعاته بأن المحاصيل الزراعية خاصة المرتبطة بالمواسم الفلاحية الربيعية والصيفية تمتاز بالحساسية.

الأمطار الربيعية كانت قوية

إلى هنا، يعتبر المتحدث أن الأمطار الربيعية الأخيرة كانت قوية، وألحقت خسائر معتبرة في بعض المنتجات الموسمية خصوصًا الفواكه، وزاد أن درجة الحرارة المرتفعة لم تعد تَقتصر على طوال النهار بل تتعداه إلى فترة الليل أيضًا، وحين لجأ الفلاحون إلى عمليات السقي الليلية أتى ذلك بنتائج عكسية وتلفت الأشجار والنبات، التي لم تعد قادرة على امتصاص المياه بفعل الحرارة.

وبخصوص الحلول العملية من أجل التكيف مع التغيرات المناخية، أفاد المتحدث أنه يجب وضع استراتيجية تعيد الخريطة الزراعية بأكملها، وتتبعًا مستمرًا، وإرشاد الفلاحين في كل الظروف الاستثنائية.

يتوقع خبراء أن السنوات القادمة ستشهد ارتفاعات قياسية في دراجة الحرارة

وضع استراتيجية بعيدة المدى

في ظل التغييرات المناخية، أمسى الأمن الغذائي محل تهديد خطير، ويتوقع خبراء أن السنوات القادمة ستشهد ارتفاعات قياسية في دراجة الحرارة، فضلًا عن تساقط الأمطار غير الموسمية، وفي ظل تزايد عدد السكان الجزائر في أعقاب 2030-2050، ترتفع مطالب بوضع استراتيجية تضمن توفير الغذاء وإطعام الساكنة، والانتقال من الزراعة التقليدية والتجارية إلى الزراعة الاستراتيجية التي تستجيب إلى التقنيات العلمية والعصرية، وتخضع إلى البحوث والدراسات الحديثة.