24-يناير-2023
مصنع السيارات في الجزائر (الصورة: الجزائر 360)

مصنع السيارات في الجزائر (الصورة: الجزائر 360)

مع انقضاء الأسابيع الأولى من سنة 2023، لا يزال ملف توفير السيارات في السوق الجزائرية يثير الكثير من التساؤلات، سواءً تعلق الأمر بالمركبات الجديدة المستوردة أو المصنعة وحتى السيارات المستعملة أقل من ثلاث سنوات، والتي لا تزال تنتظر صدور النصوص التنظيمية المؤطرة للعملية.

يتجه أصحاب الرخصة المسبقة اليوم لاستكمال ملفاتهم الخاصة بالاعتماد للتمكن من الاستيراد

وبالموازة مع ذلك يزداد تعطش السوق للمركبات الجديدة، إذ تثبت تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للسنوات الأخيرة، أن عدد المركبات المتواجدة في الحظيرة الوطنية للسيارات انخفض من 7.5 مليون مركبة إلى سبعة ملايين فقط، أي تهالك ما عدده نصف مليون سيارة من كافة الأصناف.

وبالتالي وبإجماع خبراء، فالحظيرة اليوم بحاجة لمركبات جديدة سواءً مستوردة أو مصنعة محليًا أو من تصنيف "أقل من ثلاث سنوات"، أي سيارات مستعملة ولا تزال بحالة جيدة للاستيراد.

إلى هنا، تجزم السلطات وعلى رأسها وزارة الصناعة، أن سنة 2023 ستكون سنة نهاية أزمة السيارات في السوق الجزائرية، حيث أن مختلف أصناف المركبات سالفة الذكر ستكون متوفرة قبل نهاية العام، إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحًا، متى بالتحديد ستتوفّر هذه السيارات، وبأي سعر؟، خاصة وأن سوق المركبات المستعملة في الجزائر شهد ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار خلال السنوات الأخيرة وتضاعفت بنسبة 200 بالمائة جراء وقف الاستيراد والتصنيع، في مقابل غياب البيع الرسمي عن طريق الوكلاء المعتمدين.
أقل من ثلاث سنوات تنتظر النصوص التنظيمية
في هذا السياق، يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بريش في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن الخطوات التي اتخذتها الحكومة عبر قانون المالية لسنة 2023، تتيح استيراد سيارات أقل من ثلاث سنوات من الخارج، عبر المادة 66 من القانون التي تحدد رسومًا أقل وامتيازات أكبر للراغبين في الحصول على هذه المركبات، مرة كل ثلاث سنوات.

يستطرد المتحدّث: "ناضلنا لأجل تمرير هذه المادة المصححة للمادة 110 من قانون المالية لسنة 2020، مع منح امتيازات أكبر للمواطنين في مجال الرسوم وكذا في طريقة الاستيراد، ودخول هذا النوع من السيارات سيكون قريبًا خلال سنة 2023"، مؤكدًا أن "هنالك مواطنين قدموا طلبيات لاستيراد هذه المركبات في القريب العاجل وينتظرون صدور النصوص التنظيمية المؤطرة للعملية".
وفي سياق الحديث عن قوانين استيراد السيارات، يوضّح بريش أن النصوص التنظيمية ستحدد كيفية مطابقة السيارات المستوردة لشروط الجودة والنوعية، فلا يمكن اليوم تكرار أخطاء الماضي من خلال استيراد  ما وصفه بـ"الخردة الأوروبية"، وهي سيارات غير صالحة للاستعمال في الطرقات الأوروبية تحول للجزائر مقابل العملة الصعبة.

أما عن تاريخ دخولها الجزائر، وبداية الاستيراد بشكل فعلي، خاصة وأن الكثير من الجزائريين متخوفون من أن يطول أمد إعداد النصوص التنظيمية، يجزم بريش أنه خلال لقاء أعضاء لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني بالمدير العام للجمارك نور الدين خالدي، جزم هذا الأخير أن النصوص التنظيمية الخاصة باستيراد سيارات أقل من 3 سنوات جاهزة اليوم وتم وضعها على طاولة الأمانة العامة للحكومة التي ستوجهها لرئيس الجهاز التنفيذي قريبًا لتوقيعها، لتصدر في الجريدة الرسمية، وبعدها تنطلق عملية الاستيراد بشكل رسمي، أما عن إمكانية أن تتعطل العملية لأشهر أخرى، يقول بريش "لا أتوقع ذلك".

كواليس استيراد المركبات الجديدة

أما بخصوص استيراد السيارات الجديدة، فيتواصل العمل على مستوى اللجنة التقنية المكلفة بدراسة ملفات طالبي الاعتمادات، وتتواصل أيضًا عملية إيداع الملفات وفقًا لما علمته "الترا جزائر" والتي تجاوزت لحد 20 كانون الثاني/جانفي 2022 الـ 16 ملفًا ماديًا تضاف إلى أولئك المسجلين في البوابة الرقمية، منها أربعة ملفات أبلغ أصحابها أنها غير مطابقة لما يطلبه دفتر الشروط، وثمانية محل تحفظات ومنحها الرخصة المسبقة لعلامتين، إحداهما تتعلق بالدراجات النارية وأخرى بالسيارات، فيما تتواصل عملية دراسة الملفات بشكل دقيق وصارم.

وتجتمع اللجنة التقنية مرتين في الأسبوع، وتُدرس الملفات المودعة من الساعات الباكرة للصباح إلى غاية المساء بجدية وصرامة هذه المرة، مقانة مع المرات السابقة، ما يوحي بالنية الحسنة للحكومة لحل هذا الملف.

ويتّجه أصحاب الرخصة المسبقة اليوم لاستكمال ملفاتهم الخاصة بالاعتماد للتمكن من الاستيراد، حيث أن دفتر الشروط الجديد، لا يتيح الاستيراد للوكيل المعتمد عبر الرخصة المؤقتة، وإنما تتيح له هذه الرخصة إعداد ملف الاعتماد النهائي وإيداعه على مستوى وزارة الصناعة للفصل فيه، حيث سيكون هؤلاء قبل ذلك أيضًا ملزمين بجلب وثيقة المحافظة على البيئة، والتي ستدرسها لجنة خاصة بعيدًا عن وزارة الصناعة.

وبعد استكمال ملف الاعتماد النهائي يتم إيداعه على مستوى وزارة الصناعة لتقوم لجنة ولائية بمعاينة مقرات الوكلاء في ظرف 10 أيام كأقصى حدّ عبر زيارة ميدانية وإعداد تقريرها وبعد نظر اللجنة في كل المعطيات تصدر قرارها بمنح اعتماد الاستيراد من عدمه.

ويجزم أحد الوكلاء، رفض الإفصاح عن هويته في تصريح لـ "الترا جزائر" أن المركبات الجديدة لن تكون جاهزة في السوق الجزائرية إلا شهر تموز/جويلية 2023، كأدنى حدّ وقد تتأخر عن ذلك إذا طال أمد الإجراءات المنتهجة للاستيراد، إلا أنه عاد ليقول "في كل الأحوال، السيارات ستكون متوفرة في الأسواق هذا العام، ولن يعيش الجزائريون سنة بيضاء أخرى دون مركبات".

البنوك تستبق المصانع

أما بخصوص التصنيع، فالغريب في الأمر في الجزائر أن البنوك الوطنية سواءً العمومية أو الخاصة، سبقت مصانع السيارات التي تعتزم إطلاق أول مركبة قبل نهاية العام، ويتعلق الأمر بمصنع "فيات" بشراكة مع مجمع "ستيلونتيس"، أو حتى رونو الموجود بوهران، والذي يرتقب أن يستأنف الإنتاج قريبًا، إذ أبرمت عقود شراكة لاقتناء سيارات جاهزة بمجرد الشروع في الإنتاج وإعادة بيعها للمواطنين وفق مختلف صيغ المرابحة والعروض الإسلامية الأخرى، في وقت لم تجهز أول مركبة مصنعة في الجزائر لحد الساعة.

في السياق نفسه، يكشف سفيان مزاري رئيس قسم الصيرفة الإسلامية على مستوى القرض الشعبي الجزائري في حديث إلى "الترا جزائر"، أن سيارات "فيات" أو حتى مركبات المصانع الأخرى المنتجة محليًا تستهوي "سي پي أ"، الذي وقع عقودًا مسبقة لاقتناء هذه المركبات وإعادة بيعها للزبون وفق مختلف صيغ الصيرفة الإسلامية، مقابل تسهيلات بالجملة.

يتفق مع هذا التوجه، المدير العام لمصرف للسلام الجزائر ناصر حيدر، مؤكدًا أن السيارات بمجرد أن تكون جاهزة للبيع على مستوى المصنع، سيقتنيها مصرف السلام ويعيد بيعها للجزائريين مقابل هامش ربح معقول.

لا تسمح الدولة للبنوك العمومية بمنح القرض الاستهلاكي إلا لتمويل المنتجات المصنعة محليًا

ويأتي ذلك في وقت لا تسمح الدولة للبنوك العمومية بمنح القرض الاستهلاكي إلا لتمويل المنتجات المصنعة محليًا، أي أن العملية تستثني السيارات المستوردة من الخارج سواءً الجديدة أو أقل من ثلاث سنوات، وفي النهاية يبقى المواطن في حالة ترقب إلى أن تصل أول سيارة إلى الجزائر آملًا أن يكون ذلك في القريب العاجل.