الإدمان على المخدرات قضية عالمية لا تعرف الحدود وتؤثر على المجتمعات والأفراد من جميع الطبقات الاجتماعية،والجزائر ذات تراث ثقافي غني ومجتمع متنوع لا تشكل استثناءً، فقد صرّحت مسؤولة حكومية مطلع هذا العام أن تعاطي مادة الكوكايين ارتفع في البلاد بنسبة 200% خلال أقل من عام، في حين زادت نسبة استهلاك مواد مخدرة أخرى بنسبة 100%.
يعتبر موقع الجزائر الجغرافي ممرًا مثاليًا لتهريب المخدرات بين أوروبا وأفريقيا
ولعل فهم العوامل الاجتماعية والثقافية التي تساهم في الإدمان على المخدرات في الجزائر أمر بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والعلاج. في هذه المقالة، سنستكشف المشهد المعقد للإدمان على المخدرات في الجزائر من منظور اجتماعي وثقافي.
أسباب انتشار المخدرات
تعود أسباب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في الجزائر إلى عوامل عديدة،وربّما يكون أهمّها التفاوت الاجتماعي والاقتصادي؛ إذ إن معدلات البطالة العالية والفقر والوصول المحدود إلى الخدمات التعليمية والصحية، كل ذلك يسهم في الشعور باليأس والتهميش بين بعض فئات السكان، مما يجعلهم أكثر عرضةً لسوء استخدام المواد الكيميائية كوسيلة للهروب أو آلية تكيف.
كما أن موقع الجزائر الجغرافي، يجعله ممرًا مثاليًا لتهريب المخدرات بين أوروبا وأفريقيا. ويشكّل تداول المخدرات ذات التأثير القوي مثل القنب والكوكايين والهيروين، تحدّيًا دائمًا للجهات الأمنية، لكن سهولة الوصول إلى المخدرات يزيد من أعداد المدمنين ويزيد من انتشارها في البلاد.
لعل نقص المرافق العلاجية في الجزائر، وخاصّة في المناطق الريفية، يعد عاملًا هامًا وأساسيًا في زيادة الإقبال على تعاطي المخدرات؛ فنقصها يعني عدم توفير الدعم الكافي والخدمات التأهيلية للأفراد الذين يكافحون الإدمان على المخدرات، ومن ثمّ فإن ذلك يؤدي إلى صعوبة حصول كثيرين على المساعدة وغرقهم في دوامة الإدمان.
من العوامل المساعدة أيضًا في انتشار المخدرات الوصمة المجتمعية، إذ غالبًا ما يُنظر إلى متعاطي المتخدرات على أنه فاشل أخلاقيًا أو ضعيف، وهذه الوصمة تشكل حاجزًا أمام من يسعون إلى العلاج، فهم يخشون من سيطرة مجتمعاتهم أو رفضها ونبذها لهم،ويُعد التغلب على التوجهات الاجتماعية وتعزيز الفهم والتعاطف أمرًا بالغ الأهمية لكسر هذه الحواجز وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة التي يحتاجونها.
إلى هنا، يمكن القول إن محاولة الحفاظ على الروابط الأسرية قد يساهم في بعض الحالات في تعزيز سلوك الإدمان، إذ قد يتردّد أفراد العائلة في مواجهة المشكلة أو طلب المساعدة من أحد أفراد العائلة الذين نجحوا في محاربة إدمانهم، وذلك نظرًا للخوف من تلويث سمعة العائلة، يعد التعامل مع القيم وتعزيز الحوار المفتوح داخل العائلات والمجتمعات أمرًا ضروريًا لتعزيز بيئة داعمة للأفراد الذين يكافحون الإدمان.
سبل القضاء على المخدرات
تتطلب معالجة إدمان المخدرات في الجزائر نهجًا متعدد الجوانب يجمع بين استراتيجيات الوقاية والعلاج وتقليل الأذى لأقل قدر ممكن. ولعل مما يجدر توفّره من أجل ذلك الوعي الصحي، إذ ينبغي توفير معلومات شاملة وصحيحة حول المخاطر والتأثيرات السلبية لتعاطي المخدرات، وذلك من خلال حملات التوعية والبرامج التثقيفية الموجهة إلى الجمهور والشباب والأسر، خاصّة تلك التي تستهدف المدارس والجامعات ومراكز المجتمع ووسائل الإعلام، والتي تسهم في نقض الأساطير وتقليل الوصمة وتعزيز أساليب الحياة الصحية.
كما ينبغي توسيع وتحسين البنية التحتية للعلاج والرعاية لمكافحة إدمان المخدرات، بما في ذلك زيادة عدد المرافق العلاجية المتخصّصة وتوفير الموارد اللازمة للتدريب والتأهيل الكفؤ للمهنيين في هذا المجال. كما يجب توفير مجموعة واسعة من الخيارات العلاجية المناسبة لمتطلبات الأفراد المصابين بإدمان المخدرات، بما في ذلك العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الدوائي، والدعم النفسي والاجتماعي، والبرامج الإقليمية والمجتمعية.
يجب أيضًا لأيّة خطة تستهدف مكافحة المخدرات، أن تُشرك المجتمع من خلال المبادرات الأساسية، ومجموعات الدعم، والشبكات النقدية، وإنشاء أماكن آمنة للأفراد المتأثرين بإدمان المخدرات، كما يمكن أن يساهم توفير خدمات الإرشاد والتدريب المهني وفرص العمل في مساعدة الأفراد على إعادة اندماجهم في المجتمع وإعادة بناء حياتهم.
ولا بد كذلك من التعاون مع جهات دولية، إذ إن التعاون مع المنظمات الدولية والدول المجاورة يعزز الجهود المبذولة لمكافحة تهريب المخدرات، ومشاركة أفضل الممارسات في علاج الإدمان، بالإضافة إلى تعزيز الجهود البحثية، وتعزيز التعاون عبر الحدود في مواجهة أزمة إدمان المخدرات.
في هذا الإطار كانت الحكومة الجزائرية قد أطلقت مطلع الشهر الماضي حملة واسعة في الجامعات والمساجد والفضاءات التربوية والعامة، ضدّ الاتجار واستهلاك المخدرات، والتوعوية حول مخاطرها. تضمّنت الحملة لقاءات توعوية في المدارس والجامعات، وخطبًا توعوية من قبل أئمة المساجد.
قوات الأمن الجزائرية كانت قد أعلنت سابقًا أنها ألقت القبض على 1600 تاجر مخدرات، وضبطت أكثر من 10 ملايين قرصًا مهلوسًا، بالإضافة إلى أطنان من الكيف المعالج وعشرات الكيلوغرامات من الكوكايين.
دراسة للديوان الوطني لمكافحة المخدرات: هناك أكثر من ثلاثة ملايين جزائري يستهلكون المخدرات
تشير دراسة أجراها الديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان، إلى أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين جزائري، 3% من بينهم نساء، يستهلكون ويتعاطون المخدرات، بما في ذلك الأدوية ذات التأثير العقلي، إذ يبلغ عدد المدمنين على المواد المهلوسة في مراكز العلاج أكثر من 700 ألف شخص، في حين أن العدد الحقيقي قد يصل مليون شخص، والفئة الأكثر استخدامًا لهذه السموم تتراوح أعمارها بين 20 و30 سنة.