27-مارس-2023
إحراق المخدرات تحضيرًا لمزجها بالتبغ (الصورة: الشروق)

إحراق المخدرات تحضيرًا لمزجها بالتبغ (الصورة: الشروق)

يحاول سيد أحمد (53 سنة)، إقناع شاب جالس إلى جانبه في عربة ترامواي العاصمة اتجاه رويسو – درقانة بالمنطقة الشرقية، بالتخلي عن تعاطي المخدرات والممنوعات، بينما كان الشاب يبدو كمن يجاريه بالإيماءات فقط بأنه على حق.

تفشي تعاطي المخدرات وسط الشباب والمراهقين بات جزءًا من واقع ويوميات الجزائريين

يرتفع صوت سيد أحمد موجهًا كلامه للشاب: "لقد سلبتك عقلك، ولكنك لن تستفيق إلا وأنت مكبّل بالحديد أو مرمي في  السجن"، وبينما هو يستقبل النصائح من طرف محاوره، كان يبدو أن للشاب أصدقاء في العربة نفسه، يبتسمون خفية وجهرًا مشفقين على حالة صديقهم من جلسة التأنيب تلك.

تفشّي تعاطي المخدرات وسط الشباب والمراهقين، بات جزءًا من واقع ويوميات الجزائريين، وحكايات السجون وأروقة المحاكم من جرّاء قضايا التعاطي والترويج، صار حديثًا عاديًا تتقاسمه العائلات في الزيارات والمناسبات والمجالس، ولم يعد أمرًا محرجًا يُتهامس به خفية انتشار الخبر.

مخاوف الأحياء 

إلى هنا، تعيش السيدة (نعيمة. م) التي تجاوزت العقد السادس من العمر، حالةً من القلق المستمرّ والمتواصل بمجرد خروجها من البيت أو بخروج أبنائها الأربعة إلى الدراسة، فهم يزاولون دراستهم في عدة أطوار تعليمية، منها الجامعة والثانوية وأصغرهم ذو الـ 14 عامًا بات يشكل هاجسًا كبيرًا لها.

تقول نعيمة في حديث إلى "الترا جزائر"، إنها حين تشاهد أخبارًا في التلفاز عن توقيف مروجين وحجز كميات كبيرة من المخدّرات، تتعب نفسيتها ووضعها يزداد سوءًا، "فالموضوع ليس متعلقًا بأولادي بل بأولادنا جميعًا".

وواصلت: "الخلطة جلطة والجرب يعدي" ومعنى ذلك أن الرفقة السيّئة تجلب المشاكل، وليس بيدها حيلة أن تراقب كل شيء أو مراقبة سلوكات أصدقاء أبنائها، خصوصًا في بعض الأحياء التي تفشى فيها تعاطي المخدرات في العَلن وفي وضح النهار، بعدما كان كان تدخين سيجارة في الشارع، يُنظر إلى من باب السلوكات السيئة والعيب، وكان تدخينها يكون سرًا وليس أمام الملأ، على حد تعبيرها.

تفكّر السيدة نعيمة مليًا في مصير أبنائها وغيرهم من الشباب، وتقول إنه العائلات باتت تتخوّف من مجموعات الشباب في مختلف أحياء العاصمة التي تُروِّج للأقراص المهلوسة، معتبرة أن لهذه المخدرات تسميات يعرفها البعض بشكلٍ محدود، وأصبحت هاجس كل أم تخاف على أبنائها خصوصًا أمام التوسع السكاني في مختلف الأحياء الجديدة، ما جعلها وجهة لبعض المروجين الذين يسحبون الشباب والأطفال الصغار نحو التعاطي.

يدفعها الخوف على مستقبل أبنائها إلى مغادرة الحي نحو منطقة أخرى أكثر أمانًا، وتضيف محدّثة "الترا جزائر"، إنها تقوم بعمل تحقيقي يومي وتستجوب كل أبنائها خاصة أصغرهم، بل أحيانًا ترافقه للمدرسة لتقصي أخبارهم، معلقة بالقول: "إنّه زمن لا يرحم".

تعكس هذه اليوميات مخاوف هذه الأم التي نزلت في إحدى محطات الترامواي، وتتشابه حالتها مع كثير من الأمهات والآباء، رغم أن الكثيرين ممن تجاذبنا معهم الحديث يعتقدون أن "هذا الزمن وهذا الجيل صعب المراس ويصعب التعامل معه، خصوصًا وأن ما يقوله الأبوان في البيت يمحوه هاتف مربوط بشبكة الإنترنت".

وفي ظل تنامي استخدام منصات التواصل الاجتماعي، تتوسع فجوة مخاطر تعاطي المخدرات وبينها وبين الأسر أيضًا، فأطفال المدارس برأيها باتوا يتعلمون كل شيء من أقرانهم، أو هناك من يجذبهم بطريقة سلسلة لبدء عملية التعاطي، ومباشرتها تكون عبر تجريب سيجارة التبغ ثم حشيش ثم قرص مهلوس، وأكثر من ذلك " الكثيرون ضيعتهم هلوسات السوشيال ميديا".

مخاطر الإدمان

وتتوالى تحذيرات خبراء ومختصين من مخاطر تعاطي المخدرات باعتبارها أحد أوجه السلوك المنحرف، ومصدرًا يهدد كيان الأسرة والمجتمع على حدّ سواء، إذ تعود أسبابها إلى عوامل اقتصادية كالبطالة وما تسببه من مشكلات وضغوط لمواجهة الواقع الاجتماعي، وأسباب نفسية بسبب الضغوط التي يجدها المتعاطي في وسطه الأسري أو نتيجة الإخفاق في الدراسة أو عدم تحقيق طموحاته.

بينما الأسباب الاجتماعية، تتعلق بما يسميه مختصون في علم الاجتماع بـ "التنشئة الاجتماعية التي تسهل على الفرد الانحراف"، كما ذكرت أستاذة علم اجتماع الجريمة بجامعة قسنطينة كريمة رزايقية لـ" الترا جزائر" معتبرة أن الإهمال من الجانب العائلي والقسوة من طرف أحد الوالدين أو البيئة العائلية عمومًا من بين العوامل الأساسية التي تدفع بكثيرين إلى الاتجاه نحو طريق تعاطي المهلوسات.

كما لا تنفي الأستاذة رزايقية تداخل العديد من الأسباب والعوامل، فقد يكون الطفل قد نشأ في بيئة ظاهريًا جيدة، ولديه كل الشروط اللازمة للعيش السهل أو بشكلٍ جيد، إلا أن ذلك في الجانب الآخر يؤثر عليه من خلال الرفاهية المادية التي تدفعه للانحراف بمخالطة شباب مقتدرين ماديًا مثله وحب تقليدهم كنماذج لتعاطي المخدرات أو العكس من ذلك، إذ يكون هو الجسر الذي يسلكه الكثيرون لأجل توفير مبالغ مادية للتعاطي.

غياب دور بعض المؤسّسات الاجتماعية وخاصة الأسرة من بين العوامل المؤثرة، إذ أبانت بعض التصريحات أن المواطن الجزائري الذي يلهث من الصباح للمساء عن لقمة العيش، كثيرًا ما يهمل هذا الجانب المتعلق بمراقبة الأبناء خاصة في سنّ المراهقة.

كثيرون يربطون تفشي خطر المخدرات بـ "العزلة الاجتماعية" التي تعيشها الأسرة الجزائرية، في البيت الواحد، لأسباب كثيرة، وغوصها في توفير الماديات على حساب تقويم الأبناء، ومراقبة مخالطتهم اليومية.

قوانين رادعة 

ورغم دعوات الردع ومخططات مكافحتها، باتت ظاهرة تعاطي المخدرات بحسب المحامي نور الدين بوكلوخ، تشبه "لعبة القط والفأر"، فما تجنيه بعض الشبكات من أموال لا يساوي قيمة معالجة المدمنين وتأثير ذلك على الأسر اقتصاديًا واجتماعيًا.

وأَضاف الأستاذ بوكلوخ، أن المخدرات فعلت بعقول شبابنا الكثير، خصوصًا بالنسبة لواقع سيطرت فيه الحياة المادية، فالكثير من قضايا الإجرام ارتبطت خيوطها بتعاطي المخدرات أو مجموعة من المدمنين.

تفشي تعاطي المخدرات لم تسلم منه فئة النساء والمراهقات أيضًا، خصوصًا وأن المدارس والثانويات باتت أهم الفضاءات التي يتم الترويج فيها للمؤثرات العقلية، وبحسب الأولياء فإنه لا يمكن استثناء البنات من هذه المشكلة، لأنه في الوقت الحالي أصبحت البنت عرضة للكثير من المؤثّرات الخارجية خصوصًا في سنّ المراهقة.

وأدى استمرار عمليات تدفق مختلف أنواع المخدرات على الحدود الجزائرية، من القنب الهندي والكوكايين إلى ارتفاع منسوب القلق لدى الجزائريين، حيث أعلنت السلطات الأمنية إحباط محاولات إدخال كميات من المخدرات عبر الحدود مع المغرب، تقدر بأكثر من ثلاثة قناطير من المخدرات، كما أوقفت 108 تاجر مخدرات في فترة الأسبوع الأول من شهر فبراير/ شباط الماضي، في مقابل مخاطر تجارة الأقراص المهلوسة التي باتت تهدد المدارس والثانويات والوسط الشباني في البلاد.

ولمواجهة هذه المعضلة الخطيرة، تسعى الحكومة الجزائرية إلى وضع استراتيجية لمحاربة المخدرات والاستعمال غير المشروع للمؤثرات العقلية، من خلال "توفير حماية للصيادلة من الاعتداءات التي تطالهم من جانب مدمني هذه المواد السامة، وفرض عقوبات مشددة على المتورطين في عملية الترويج للمخدرات والمؤثرات العقلية تصل إلى 30 سنة سجناً، بينما أعفى مشروع القانون المتابعات القضائية إذا خضعوا للعلاج في حالات الإدمان، وكرّس ضمانات قانونية لحماية المبلغين عن جرائم المخدرات قبل وقوعها".

من ناحية أخرى، يتلقى مروجو المؤثّرات العقلية، عقوبات تتراوح ما بين عام وثلاث سنوات حبسًا نافذًا، وغرامة مالية على "كل من يتحصل أو يحاول الحصول على مؤثرات عقلية باستعمال التهديد أو العنف أو التعدي، ويعاقب بالحبس من 10 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة مالية كل من قام بطريقة غير مشروعة بإنتاج أو صنع أو بيع، أو الحصول على، أو العرض أو الشراء قصد البيع أو التخزين أوسمسرة أو شحن أو نقل مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية".

علاج الإدمان

"من السهل التعود لكن من الصعب العودة إلى الطريق".. هكذا يتحدّث بعض المعالجين خصوصًا في المراكز الخاصة بمكافحة تعاطي المخدرات والإدمان عليها،هنا، تؤكد أسماء ماغا، الأخصائية النفسانية من مركز البلدية وسط الجزائر لـ "الترا جزائر" أن علاج المدمنين ممكن إن تضافرت جهود الأسرة أولًا والأطباء المعالجين والمتابعين النفسانيين، مشدّدة على أن خضوعهم للمتابعة الطبية لإزالة التسمم حسب درجة التعاطي والفترة التي قضاها في ذلك.

يشار أن المتابعة الطبية تستمر غالبًا أو "المراقبة على العلاج" لفترة تتجاوز سنة كاملة، إلى غاية إعادة تأهيله ليعود لحضن الأسرة والمجتمع، واعتبرت الأمر مرهقًا للمدمن ولعائلته، فهناك من تمكن من المرور بسلام من هذه المرحلة بعد فترة أطول قد تتجاوز حتى ثلاث سنوات.