03-فبراير-2020

انتقلت المعارضة من فكرة المجلس التأسيسي إلى المسار التأسيسي (تصوير: بلال كرامدي/أ.ف.ب)

 يبدو أن كتلة "البديل الديمقراطي"، التي تضمّ مجموعة أحزاب وتنظيمات تقدّمية في الجزائر، تخلّت عن فكرة المجلس التأسيسي التي تمسّكت بها طويلًا خلال الحراك الشعبي، لتُزيح الحجر الذي كان يُعيق بشكل كبيرٍ، تقاربها مع باقي كتل المعارضة من التيّار الوطني والإسلامي، التي تجمّعت سابقًا في مؤتمر عين البنيان بالعاصمة، في السادس تموز/جويلية الماضي، وتفتح الباب أمام إمكانية إعادة التنسيق فيما بينها، لتشكيل رؤية سياسية موحّدة إزاء المسار الديمقراطي ومشروع تعديل الدستور.

تبدو آفاق التقارب السياسي بين كتل المعارضة السياسية في الجزائر، أكثر انفتاحًا في الوقت الحالي

السياسة لا تقبل الفراغ

تبدو آفاق التقارب السياسي بين كتل المعارضة السياسية في الجزائر، أكثر انفتاحًا في الوقت الحالي، في نظر متابعين للشأن السياسي في الجزائر، وذلك بعد "حدوث تطوّرٍ لافتٍ في مواقفها في الأيّام الأخيرة"، يقول الناشط السياسي المحامي عز الدين بوزرمان لـ "الترا جزائر". مضيفًا أن الكتلة الديمقراطية تغيّر موقفها بشأن استبدال مطالبتها بمجلس تأسيسي، يتولّى صياغة الدستور والتأسيس لمسار الانتقال الديمقراطي، بمطلب مسارٍ تأسيسيٍ يتضمّن بدء حوارٍ يُفضي إلى الإلغاء الفوري لجميع القوانين التي تحدّ من الحرّيات العامة، وإلغاء قوانين الأحزاب والجمعيات والإعلام الحالية، وينتهي إلى عقد ندوة وطنية شاملة، تجمع كلّ القوى الناشطة في المجتمع، ومناقشة فترة الانتقال الديمقراطي والقواعد التوافقية، والطرُق والمواعيد النهائية للانتقال والمسار التأسيسي السيّد، على حدّ قوله.

اقرأ/ي أيضًا: "البديل الديمقراطي" يُعلن عن تنظيم جلسات وطنية ردًا على دعوة تبون

 كما أوضح بوزرمان في هذا السياق، أن مطالب "البديل الديمقراطي"، هدفها "صياغة توافقات لقضايا النظام السياسي، وتنظيم الدولة والعدالة والاقتصاد والتربية والطاقة ودور الجيش"، كما "تتولّى صياغة أبرز المحدّدات التي يتمّ تضمينها كلوائح في مشروع دستور جديد". وهو ما يأخذ بعين الاعتبار، كل مطالب الشعب التي عبّر عنها في الحراك الشعبي منذ شبّاط/فيفري الماضي، قبل عرضه على استفتاء شعبي حرّ، على حدّ تعبيره.

ويُقصد بالكتلة الديمقراطية؛ قوى جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر، وحزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، والاتحاد من أجل التغيير، والاتحاد الديمقراطي، والحركة الديمقراطية الاجتماعية، وحزب العمال اليساري، وحزب العمال الاشتراكي، والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، وعدد من الشخصيات المستقلّة، وناشطين في المجتمع المدني.

 نحو صيغة توافقية

وتُجري القوى الديمقراطية عشية الذكرى الأولى لحراك الـ 22 شبّاط/فبراير، مناقشات جدّية ومشاورات سياسية مع قوى وطنية وإسلامية، للبحث عن صيغة توافقية، حول الوثيقة والخلاصات التي انتهى إليها المؤتمر الذي عقدته الكتلة الديمقراطية قبل أيّام، خاصّة ما يتعلّق بطرحها لمفهوم جديد "للمرحلة التأسيسية التي تعقب الثورة الشعبية".

وتأتي خطوة المسار التأسيسي، بعد الصدّ السياسي الكبير، الذي لاقته فكرة إنشاء مجلس تأسيسي، يتولّى صياغة مسودّة دستور جديد للبلاد على مستويين؛ مستوى السلطة السياسية التي تعتبر أن فتح الباب أمام مرحلة انتقالية ومجلس التأسيسي ينطوي على مخاطر سياسية، تفتح الباب أمام إمكانية إحداث مراجعة شاملة للنصوص والمبادئ المؤسّسة للدولة الجزائرية. ومستوى سياسي عبرت عنه قوى المعارضة الوطنية الإسلامية والمحافظة، والتي تتخوّف من جهتها، أن يفتح المجلس التأسيسي الباب، على مناقشة قضايا الهويّة، وموقع الشريعة الإسلامية واللغة العربية والنظام الفدرالي وغيرها.

في قراءة لخلفية هذا الموقف الجديد، عقدت كتلة كبيرة من القوى الوطنية والإسلامية، وتنظيمات مدنية وشخصيات مستقلّة، مؤتمرًا مشتركًا في السادس تمّوز/يوليو الماضي، انتهى إلى نتائج سياسية؛ تتضمّن المقاربات الجديدة التي تطرحها قوى الكتلة الديمقراطية. ولافتٌ أن هذه الأخيرة كانت قاطعت ذلك المؤتمر لرفضها النتائج الأوّلية، قبل أن تعود إليها مؤخرًا، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد، أن هناك تطوّرًا في تقديرات الموقف السياسي للكتلة الديمقراطية.

تقارب حزبي

ومع هذا التطوّر الجديد، يبقى السؤال الأهم، مرتبطًا بمدى مساهمته في إحداث تقارب جدّي وعودة التنسيق بين مجمل كتل المعارضة، بالطريقة التي ساهمت في إنجاز وثيقة مؤتمر حزيران/جوان 2014، والذي جمع كل قوى المعارضة ومثل محطة استثنائية في تنسيق المعارضة السياسية والمدنية في الجزائر، وقدرتها على تجاوز خلافاتها وتأجيل صراعها السياسي إلى وقت لاحق، ويفسّر إطلاق رئيس التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس قبل أيام لنداء لقوى المعارضة للعودة إلى "وثيقة مزفران"، وجود رغبة في إعادة التوحد والتنسيق لمواجهة السلطة التي نجحت حتى الآن في فرض خياراتها السياسية ومسار إصلاح دستوري متدرّج.

سيكون من اللافت الإشارة، إلى تزامن تطور موقف الكتلة الديمقراطية وإطلاق نداء للعودة إلى تفاهمات يونيو 2014، مع دعوات السلطة الحالية، برئاسة عبد المجيد تبون، ومباشرتها عمليا لصياغة مسودّة دستور جديد، سيُطرح لاحقًا للتشاور السياسي والاستفتاء الشعبي، إذ يعتقد المتابعون للتطوّرات السياسية في الجزائر، أن محاولة الكتلة الديمقراطية العودة للبحث عن نقاط تقارب من كتل المعارضة الأخرى له علاقة بذلك، وبالسعي لتشكيل موقفٍ وطنيٍّ موحّد، بشأن كبرى المحاور الرئيسة للمسألة الديمقراطية، وطبيعة النظام السياسي الذي سيتضمّنه الدستور المقبل .

توجد أحزاب معارضة أخرى اقتنعت بالمسار السياسي الذي تقترحه السلطة

في مقابل مسعى الكتلة الديمقراطية للتقارب، تبدو مواقف قوى المعارضة الأخرى أنها تسير في اتجاهين؛ ثمّة قوى مازالت لديها الرغبة في التعاون والتنسيق مع كلّ الكتل السياسية في القضايا المرتبطة بالديمقراطية، مثل جبهة العدالة والتنمية، وحركة مجتمع السلم، خاصّة وأن هذين الحزبين لم يشاركا في الانتخابات الرئاسية الماضية، ما يُبقي المسافة بينها وبين التيّار الديمقراطي قريبة جدًا، فيما توجد أحزاب معارضة أخرى اقتنعت بالمسار السياسي الذي تقترحه السلطة، وزاد مشاركتُها في انتخابات 12 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، في إحداث تباعد أكبر بينها وبين الكتلة الديمقراطية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"البديل الديمقراطي" يدعم الإضراب العام في الجزائر

قوى البديل الديمقراطي ترفض مشاورات تبون