31-مايو-2024
(الصورة: الجزيرة نت)

(الصورة: الجزيرة نت)

ارتفعت قيمة الصادرات السلعية من إسبانيا نحو الجزائر إلى  163 مليون دولارًا في أوّل شهرين من العام الجاري، بينما لم تتجاوز قيمها 17 مليون أورو في الفترة ذاتها من العام الماضي، وفق أرقام نشرتها كتابة الدولة الإسبانية للتجارة الخارجية "منتصف أيار/ماي الجاري،ويبقى هذا الرقم بعيدًا عن الأرقام المحققة في أول شهرين من العام 2022 حيث بلغت 334 مليون أورو.

يريد منتجون إسبان استرجاع حصتهم في السوق الجزائرية والعودة إلى مستويات ما قبل العقوبات التجارية التي فرضتها الجزائر على السلع القادمة من إسبانيا

ورغم هذا التحول الإيجابي، يريد منتجون إسبان المزيد باسترجاع حصتهم في السوق الجزائرية والعودة إلى مستويات ما قبل العقوبات التجارية التي فرضتها الجزائر على السلع القادمة من إسبانيا من تاريخ الثامن من شهر حزيران/جوان 2022، في خضم أزمة عميقة نتجت عن "أحداث درامية" ضمت سحب الحكومة الجزائرية لسفيرها السابق  لدى مدريد وإلغاء اتفاق الشراكة الإستراتيجية احتجاجا إثر ما وُصف بالتقارب الإسباني المغربي.

ويضغط منتجو الخزف على الحكومة الإسبانية لاستخدام ورقة المفوضية الأوربية، لإجبار الجانب الجزائري على التراجع عن إعاقة وصول هذه المنتجات إلى الزبائن الجزائريين، ووضع حد للخسائر التي تكبدوها والمقدرة حسب آخر جرد نشرته جمعية المنتجين 260 مليون يورو.

وقالت المجلة الإلكترونية بيريديكو ميديتيرانيو في تقرير لها، صدر قبل أيام أن منتجين للخزف لا زالوا يأملون في تدخل وزارة الخارجية لدى نظيرتها الجزائرية لتحديد طبيعة المعوقات. فيما تشتبه جمعية المصدرين في منطقة بلنسية بوجود تمديد  لتعليمة تمنع البنوك بتوطين العمليات التجارية وتبادل الخدمات، التي كان يقوم بها رجال الأعمال والناشطون في الاستيراد والتصدير ، من الجزائريين والإسبان في قطاع الخزف ومدخلات صناعة البلاط والسيراميك.

واقعية

إلى هنا ساعد تقييد الواردات من السيراميك الإسباني، من تطوير صناعة محلية "ذات جودة عالية" شارك الأسبان فيها بخبرتهم حسب ما علمته "الترا جزائر" من متدخلين في القطاع، وهو ما نبّه إليه رئيس النادي الجزائري الإسباني للتجارة والصناعة جمال الدين بوعبد الله في تصريحات لصحف إسبانية له حيث قال: "الجزائر تتغير وتريد إنتاج كل ما تقدر عليه داخل الحدود" أي محليًا.

في مقابل ذلك، يؤشر استئناف تدفق البضائع والمنتجات الاسبانية إلى تكيّف السلطات الجزائرية مع الوضع القائم في إسبانيا والذي يتضمن سيناريو استمرار اليسار في السلطة في شبه الجزيرة الأيبيرية أطول فترة مما كانت ترغب فيها، رغم الضغوط المسلطة على رئيس الحكومة بيدرو سانشيز لأجل التنحي من منصبه على خلفية شهاب الفساد التي تلاحق عقيلته .

و كانت الجزائر تراهن على عودة اليمين التقليدي بقيادة الحزب الشعبي إلى السلطة واستعادة العلاقات بين البلدين نسقها السابق، لكن نتائج انتخابات تموز/ جويلية 2023 جاءت مخالفة للتوقعات واستطلاعات الرأي، إذ عجز اليمين عن تحقيق فوز مريح يتيح له العودة للسلطة رغم تحقيقه الأسبقية في عدد المقاعد في الكونغرس الإسباني.

وينبه هذا التوجه إلى التحوّلات في مدركات السلطات الجزائرية للعلاقات مع أحد أهم شركائها الاقتصاديين(تصدر في 2015 قائمة اهم الزبائن)، إذ كان لقرار المقاطعة إثر سلبي بالغ على المتعاملين الجزائريين أنفسهم وهو ما اعترفت به السلطات ،حيث اضطر منتجون محليون للبحث عن أسواق جديدة لتنشيط سلسة الإنتاج المتضررة اصلا من تبعات ازمة الكوفيد ،ومن ذلك الصناعات التحويلية ، حيث كان عليهم الذهاب إلى ألمانيا مثلًا للحصول على مركزات العصائر، أو المرور عبر فرنسا أو البرتغال للحصول على السلع المتعاقد عليها مع منتجين إسبان بتكاليف أعلى من السابق.

اعتماد متبادل

يعترف جزائريون ولو بشكل غير علني، بأن إسبانيا توفر خدمات ومنتجات تتطابق مع مقاييس الاتحاد الأوروبي المتشددة في مجال النوعية وحماية البيئة والصحة العامة وبأسعار معتدلة، زيادة عن عامل القرب الجغرافي، الذي يقلّل من تكاليف الشحن.

إلى هنا، توقع الخبير الاقتصادي الجزائري فريد بن يحي بلوغ المبادلات التجارية بين البلدين مستوياتها السابقة بشكل تدريجي.وأفاد في تصريح لـ "التر جزائر" السلطات الجزائرية على علم بالتبعات السلبية لقرار العقوبات الاقتصادية على المتعاملين وأبناء الجالية المقيمين على الأراضي الإسبانية ومقتنعة بأن الوضع يجب ألا يستمر، زيادة عن كون إسبانيا أحد الزبائن الرئيسيين والدائمين للموارد الطاقوية جزائرية المنشأ" ، حيث تصدرت المرتبة الأولى قائمة موردي الغاز لإسبانيا في شهر نيسان/أفريل المنصرم. فيما علق رئيس لجنة الصداقة البرلمانية الجزائرية الإسبانية بالمجلس الشعبي الوطني سليمان زرقاني على هذه التحوّلات الجارية في العلاقات  الثنائية الجزائرية الإسبانية بالقول "نحن نشهد إعادة ترتيب أوراق و رغبة لدى البلدين للمضي إلى الأمام وتجاوز الخلافات السابقة ومواصلة العمل البيني لمواجهة التحديات التي يواجهانها ". وقال في تصريحه لـ " التر جزائر" إن هناك اعتمادًا متبادلًا قائم بين البلدين منذ سنوات طويلة ،إذ تورد الجزائر لإسبانيا حاجياتها من الموارد الطاقوية ومواد أولية أخرى بينما تحصل منها على تجهيزات مصنعة ونصف مصنعة وبضائع زيادة عن المجالات التعاون الأخرى الثقافية والأمنية". 

 وبدوره أشار البرلماني السابق عن منطقة الهجرة نورالدين بلمداح إلى التطور الإيجابي في العلاقات بين البلدين لافتا  في تصريح لـ "التر جزائر" إلى تعيين دبلوماسي مخضرم أدرى بالشأن الإسباني على رأس السفارة الجزائرية بمدريد  والذي يبذل جهدا حثيثا لإحياء هذه العلاقات". ونبه النائب زرقاني إلى معطى إضافي ساهم في تلطيف الأجواء بين البلدين وهو تقارب وجهات النظر في بعض ملفات السياسة الدولية ، وأوضح السياسية الإسبانية تجاه القضايا العربية عموما ومنها الاعتراف بالدولة الفلسطينية رفقة النرويج وايرلندا تعد عامل مساعد على روح الحيوية في هذه العلاقات. وفي السياق ذاته شدد الخبير فريد بن يحي إلى أن الموقف الاسباني المحترم من القضية الفلسطينية عامل محفز جدًا لتطبيع العلاقات الثنائية وفتح أفاق جديدة رغم الخلافات القائمة في قضايا أخرى.

توقع الخبير الاقتصادي الجزائري فريد بن يحيى بلوغ المبادلات التجارية بين البلدين مستوياتها السابقة بشكل تدريجي

 وكانت إسبانيا أعلنت في 8 أيار/ماي نيتها في الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود نهاية الشهر ذاته للمساعدة في ضمان وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهو ما تحقق فعلًا فيما بعد إلى جانب وإيرلندا والنرويج رسميًا بعد عشرين يوميًا من هذا الإعلان، حيث يلعب التقارب السياسي والأيديولوجي، دورًا مهمًا في تلطيف الأجواء بين البلدين.