رغم إفراج الحكومة عن كافة صيغ استيراد السيارات بدءًا من الجديدة بترقيم 2023، وصولًا إلى المستعملة أقل من ثلاث سنوات، وتوقيعها لعقد إنتاج سيارات "فيات" الإيطالية محليًا مع مجمّع "ستيلانتيس" العالمي متعدد الجنسيات، ومباشرتها مفاوضات لجذب استثمارات جديدة في قطاع الميكانيك خلال المرحلة المقبلة، إلا أن أسعار المركبات في السوق الجزائرية لا تزال تراوح نفسها، حيث شهدت حالة جمود و"ستاتيكو" بات يقلق الجزائريين، ويدفعهم لطرح سؤال: متى ستنخفض الأسعار إلى ما كانت عليه قبل بداية الأزمة التي مر عليها اليوم خمس سنوات؟
يدعو رئيس تكتل الميكانيك عادل بن ساسي في تصريح لـ "الترا جزائر" إلى ضرورة تشديد الرقابة بشكلٍ أكبر في عملية البيع والشراء لضمان عدم انتقال المركبات إلى السماسرة
لم ترتفع أسعار المركبات مجددًا في السوق مثلما دأب عليه الأمر قبل أشهر، رغم بداية عملية البيع بتسجيل الطلبات على "فيات" المستوردة يوم 19 مارس/ آذار المنصرم، أي قبل قرابة ثلاثة أشهر، إلا أنها لم تنخفض أيضًاولم تشهد أزمة السيارات أي انفراج مثلما كان متوقعًا، وبقيت كما كانت عليه في أسواق المركبات المستعملة سنتي 2021 و2022 ومطلع 2023.
شهدت عملية البيع والشراء ركودًا غير مسبوق؛ فالباعة يحاولون الإبقاء على الأسعار نفسها ومقاومة أي مساع لخفضها والزبائن يتريثون إلى غاية دخول أصناف جديدة لبقية الحائزين على الاعتمادات النهائية للبيع، أما المتعاملين المستفيدين من اعتمادات الاستيراد لحد الساعة، فهم "فيات" و"أوبل" و"جاك" الصينية، حيث لم تشرع العلامتان الأخيرتان في عملية البيع إلى اليوم، رغم نيلهما الاعتمادات للاستيراد مطلع شهر مارس/ آذار الماضي.
ويسارع هؤلاء الزمن لاستكمال تجهيز شبكة البيع ولاستقبال المركبات النموذجية على أن تنطلق عملية البيع قبل نهاية السداسي الأول للسنة الجارية، فهل ستنخفض الأسعار بعدها؟
أسباب ارتفاع الأسعار
ويعتقد الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن هنالك عدة أسباب تقف وراء استمرار ارتفاع أسعار السيارات رغم فتح الاستيراد منها الطلب الكبير على المركبات التي ظلت مفقودة منذ سنوات، بسبب الغلق الذي أدّى إلى التهافت الكبير على السيارات خاصّة وأن المعروض حاليا لا يكفي لتغطية الطلب المتزايد.
ومن جهة أخرى يؤكّد الحيدوسي، أن أسعار السيارات مرتفعة في نظر الجزائري، يرجع إلى أنه لا يزال يقارن إلى اليوم بين الأسعار الحالية وتلك التي كانت معتمدة قبل غلق الاستيراد منذ سنوات 2015 و2016 رغم تغير الظروف والمعطيات، إضافة إلى التهاب سعر المركبات عالميا، وهو الارتفاع الذي لا يزال متواصلًا بسبب التضخم الذي بلغ مستويات قياسية قاربت نسبته الـ10 بالمائة في الأسواق الدولية.
كما أن ارتفاع أسعار سلاسل إمداد السيارات التي يتم جلبها من جنوب شرق آسيا وتكلفتها المرتفعة بسبب النقل أثرت على سعر المنتج في الجزائر.
ويتحدث الحيدوسي عن ارتفاع أسعار الرقائق الالكترونية المنتجة في طايوان، ونقص كبير فيها على المستوى العالمي، وبالتالي التكلفة الإضافية التي يتحملها منتجو المركبات إذ تحتل هذه الأخيرة نسبة كبيرة من الإنتاج.
المركبات الجديدة
وبالموازاة مع استمرار ارتفاع أسعار السيارات، كشفت المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، عن تداول بيع عدد كبير من سيارات فيات المستوردة بترقيم سنة 2023 عبر صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع البيع والشراء عبر الانترنت مثل موقع "واد كنيس" الشهير، بسعر يفوق ثمنها الحقيقي بما يزيد عن 200 ألف دينار أي _ 870 دولار، وهو مبلغ هام يعد هامش ربح للوسيط أو السمسار في السيارة الواحدة، بعد استحواذه على كميات كبرى من المركبات الجديدة.
وتتساءل منظمة حماية المستهلك عن كيفية وصول المركبات الجديدة إلى هؤلاء السماسرة وفق تصريح رئيسها مصطفى زبدي عبر صفحته الرسمية في الفايسبوك، رغم أن دفتر الشروط الجديد الصادر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 يتيح لكل مواطن اقتناء سيارة واحدة كل خمس سنوات لمنع المضاربة.
ويقترح الحيدوسي من أجل تطويق المضاربة غير المشروعة في أسعار السيارات، والتي باتت تؤثر على إمداد السوق، نتيجة احتكار سماسرة ومضاربين للمركبات المستوردة، تدخل الحكومة من أجل وضع حد لهذه الجماعات، عبر تخصيص منصة رقمية لتحديد المشترين، وتأكيد هل هذا الزبون نهائي أم لا، وهل اشترى أكثر من سيارة، وفي هذه الحالة يكون قد مارس مضاربة غير مشروعة، من شأنها التأثير على إمدادات السوق والأسعار، وبالتالي يتم فرض عليه قانون المضاربة ضده الذي يفرض عقوبات مشددة تصل 30 سنة سجنًا في أقصى الحالات.
ويعتقد المتحدث أن تطبيق مقاربة الرقمنة يمكن أن تحد من المضاربة، كما دعا في سياق آخر إلى أخلقة العملية التجارية ككل، فمن غير المعقول حسبه، تنظيم العملية فقط من خلال القوانين والإجراءات، بل يجب أن تكون هناك أخلقة تجارية قبل كل شئ، من أجل ان تكون العملية سلسلة بين التاجر والزبون.
الحلول
وغير بعيد عن ذلك يدعو رئيس تكتل الميكانيك عادل بن ساسي في تصريح لـ "الترا جزائر" إلى ضرورة تشديد الرقابة بشكلٍ أكبر في عملية البيع والشراء لضمان عدم انتقال المركبات إلى السماسرة، وهو ما سيزيد وضعية السوق سوءًا بدل تحقيق الانفراج المنتظر، مشددًا على وجود بعض الأطراف التي تسعى إلى اليوم، لإبقاء سعر السيارات مرتفعًا،رغم دخول المركبات المستوردة سواءً الجديدة أو المستعملة.
ويتوقع بالمقابل بن ساسي بداية انفراج السوق قريبًا وتراجع نسبي في أسعار السيارات نهاية شهر جوان/حزيران المقبل بعد وصول مركبات أوبل وجاك للسوق وانطلاق عملية البيع رسميًا للزبائن.
ويؤكّد رئيس تجمع الميكانيك أن تداول ثلاث علامات رسميًا في السوق الجزائرية من بلدان مختلفة سيتيح للزبون الاختيار بين 15 صنف من السيارات على الأقل بين النفعية والسياحية، ويؤدي إلى زيادة العرض مقارنة مع الطلب ما سيترتب عنه انخفاض تدريجي في الأسعار، إلى أن تصل إلى مستوى معقول قبل نهاية السنة، خاصّة مع بداية عرض المركبات المصنعة محليًا ويتعلّق الأمر بسيارات فيات المنتجة بمصنع وهران.
ويتزامن ذلك حسب بن ساسي، مع إقبال متزايد على سيارات أقل من ثلاث سنوات، التي تحظى بطلب كبير مؤخرًا وأيضًا التفاوض مع مصانع جديدة للسيارات لتقتحم السوق الجزائرية للتصنيع من جنسيات مختلفة، كما سبق وأن أعلن مسؤولو وزارة الصناعة عن التحضير لمنح اعتمادات جديدة لمستوردين جدد في السوق قريبًا، ناهيك عن بداية مصنع رونو التحضير للعودة للانتاج والاستيراد أيضًا، إذ يرتقب أن تنطلق العملية بشكلٍ رسمي خلال سنة 2024.
تتساءل منظمة حماية المستهلك عن كيفية وصول المركبات الجديدة إلى هؤلاء السماسرة رغم أن دفتر الشروط الجديد يتيح لكل مواطن اقتناء سيارة واحدة كل خمس سنوات
وختم بن ساسي حديثه: "كل هذه العوامل ستؤدي إلى منحى تنازلي لأسعار السيارات في الجزائر، خاصّة إذا تدخلت السلطات الرسمية على رأسها وزارتي التجارة وترقية الصادرات والداخلية والجماعات المحلية وتهيئة الإقليم لضبط عملية البيع والشراء وتطويق المضاربة وقمع التجاوزات".