يتضمن مشروع قانون العقوبات الجديد المتواجد عل طاولة البرلمان، والمنتظر طرحه للنقاش في الدورة التشريعية المقبلة، تشديد أقصى العقوبات ضدّ المتورطين في مختلف الأفعال الإجرامية والتجاوزات الأخلاقية بالجزائر.
النائب كمال بن خلوف لـ"الترا جزائر": تعديل قانون العقوبات لا يعكس الرؤية الفعلية لواقع المجتمع، وإنّما محاولة لمعاقبة السلوك في حدّ ذاته وهذا خطأ
يسعى الجهاز التنفيذي من إقرار إجراءات ردعيّة صارمة إلى وضع حد للتجاوزات المفسدة للمجتمع، كالتزوير وسرقة الكوابل والتعرض إلى خصوصيات المواطنين والابتزاز والتهديد، كما أن تشديد العقوبات لا يستثني أيضًا أولئك المتورطين في المساس بالأمن والسيادة الوطنيين.
وتُضاف هذه الإجراءات إلى تلك التي تضمنتها نصوص أخرى، كقانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، الصادر سنة 2021، والذي يفرض أقصى سنوات السجن ضدّ المتورطين في الندرة، لتصل إلى 30 عامًا، وكذا قوانين تبييض الأموال والاتجار بالبشر وحماية الغابات ومكافحة المخدرات، والتي تضمنت عقوبات غير مسبوقة.
وفي وقت يرى المشرع الجزائري أنّ سنّ قوانين صارمة وتشديد العقوبات وتسليط أقصى درجاتها من شأنه تنظيم المجتمع وردع الجريمة، التي شهدت تفشيًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، يعتبر آخرون أن الأهم من ذلك هو التوعية والتحسيس وإرشاد المواطنين وتربية الأطفال منذ الصغر في المدارس، على الابتعاد عن الإجرام واحترام القانون.
ويطالب فريق ثالث، بسنّ قوانين صارمة، ولكن مع مراعاة خصوصية كل جريمة ودراستها حالة بحالة، ومنح بعض السلطة التقديرية للقضاة، تفاديًا لإصدار أحكام جائرة في حالات استثنائية، أيّ الفصل في الجرائم بقوة القانون مع مراعاة الظروف والأوضاع المحيطة بالجريمة.
ووسط كل هذا الجدل، يبقى السؤال الأهم: "هل ستساهم هذه النصوص القانونية الجديدة في وضع حد للجريمة في الجزائر؟، أم أن الأمر أكبر من ذلك، ويفرض إصلاحات تربوية وأخلاقية وتكريس القيم والمبادئ وسط المجتمع قبل معاقبة المجرم؟
عقوبات منتظرة
وإضافة إلى قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، يفرض النص الخاص بتبييض الأموال أقصى العقوبات لحماية المال العام، كما يقرّ قانون حماية الغابات أعلى درجات السجن ضد المتورطين في حرقها، والتي تصل إلى السجن المؤبد، في حين تم إدراج عقوبات صارمة وغير مسبوقة في جل أصناف الجرائم عبر مشروع قانون العقوبات الجديد.
ووفق ما تتضمنه نسخة لمشروع قانون العقوبات المتواجد على طاولة المجلس الشعبي الوطني، والذي تحصل موقع "الترا جزائر" على نسخة منه، تحضّر السلطات لفرض أقصى العقوبات ضد مرتكبي عدد كبير من الجرائم يتقدمها "المساس بالمصلحة الوطنية والمصلحة العليا وزعزعة الاستقرار الوطني، وبث صور أو منشورات إلكترونية أو مكالمات هاتفية أو تسجيلات صوتية أو توزيع أو بيع أو عرض لأنظار الجمهور منشورات أو فيديوهات أو تسجيلات من شأنها إلحاق الضرر بالوطن".
وينص مشروع القانون على "مضاعفة عقوبات المعتدين على الأئمة وأسلاك الأمن والقضاة وأفراد الجيش الوطني الشعبي والأساتذة ونواب البرلمان".
ويهدف مشروع القانون المعدل لقانون العقوبات حسب ديباجته إلى "حماية خصوصية المواطن، ومنع الأزواج أو الخاطبين من نشر خصوصيات أزواجهم، أو التهديد بذلك".
و"يتم فرض غرامات مالية تتراوح من 100 ألف دينار (754 دولار) إلى 500 ألف دينار (3670 دولار)، ضدّ الذين يثبت في حقهم إهانة أو سب أو قذف يمس البرلمان أو الجهات القضائية أو الجيش، عن طريق كتابة أو الرسم أو التصريح أو بأيّ آلية لبث الصورة أو باستخدام وسيلة إلكترونية" حسب نص القانون.
قانون العقوبات الجديد: الحبس من 5 إلى 10 سنوات ضدّ كل زوج أو خطيب أذاع أو نشر بأي وسيلة صورًا خادشة للزوجة أو خطيبته أو هدّدها بذلك
و"يعاقب بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات وبغرامة مالية من 20 ألف دينار (147 دولار) إلى 500 ألف دينار (3670 دولار)، كل من يتعدي بالعنف أو القوة على قاض أو موظف أو ضابط عمومي أثناء ممارسة مهامه، كما تشدد العقوبة إذا ترتب عن العنف إسالة دماء أو جرح أو مرض، ويشمل الأمر بالدرجة الأولى الأئمة أو أسلاك الأمن"، وفق ذات الوثيقة.
أما بالنسبة لحماية الخصوصيات، فتفرض عقوبات تتمثل في "الحبس من 5 إلى 10 سنوات وبغرامة مالية من 50 ألف دينار (367 دولار) إلى مليون دينار (7355 دولار) كل زوج أو خطيب أو مخطوبة أذاع أو نشر بأي وسيلة صورًا خادشة للزوجة أو خطيبته أو خاطبها أو هدّد بنشرها أو أذاعها، سواء تم ذلك أثناء قيام رابطة الزوجية أو الخطوبة أو بعد انتهائها".
لا إفراط ولا تفريط..
ويرى رئيس كتلة حزب جبهة التحرير الوطني، إبراهيم صعدلي، أنّ مشروع تعديل قانون العقوبات، لا يمكن اختصاره في مجرّد مضاعفة سنوات السجن للمتورطين في الجرائم، إذ جاء النص الجديد، حسبه، بعدة تعديلات إيجابية تخدم المجتمع والاقتصاد الوطني، دون تفريط في العقاب ولا إفراط.
ويتحدث رئيس كتلة "الأفلان" في هذا السياق عن سنّ نصوص تتعلق بتجنيح بعض الجنايات وتحويل بعض الجرائم من جنايات معاقب عليها من 10 إلى 20 سنة سجنًا لتصبح جنحًا، وكذا الجرائم المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات لتصبح جنحا أيضًا.
كما يتحدث صعدلي لـ"الترا جزائر" عن إعادة النظر في الجرائم ذات عقوبة المؤبد وذلك تماشيًا مع الالتزامات الدولية، ويقترح النص حسبه، عقوبات بديلة منها العمل للنفع العام وكذا المراقبة الالكترونية التي لطالما نادى بها النواب، نظرًا لما للسجن من آثار سلبيّة أكثر منها إيجابيّة خاصة بالنسبة لغير المسبوقين، وهو المعمول به في جل دول العالم المتقدم.
وبالمقابل يثمِّن النائب تشديد العقوبات التي تتعلق بالنساء ضحايا العنف الجسدي والمعنوي وكذا الابتزاز، وأيضا منع التقرب من الضحية في المواد 17 مكرر و23 .
ويرى محدث "الترا الجزائر" أن النص التشريعي الجديد يمنع حتى المساس بالاستثمار، أين اقترح المشروع تجريم عرقلة الاستثمار بسوء نيّة، بعقوبة صارمة، قد تصل إلى الحبس لـ12 سنة، إذا ارتكبت الجريمة بغرض المساس بالاقتصاد الوطني وسهلت وظيفة الفاعل ارتكابها، من خلال المادتين 418 و419، متأسفا على ما سجلته السلطات في السنوات الماضية من بروقراطية كبيرة مست ملفات الاستثمار التي كانت حكرا على البعض، متمنيا أن تجسد هذه المواد على أرض الواقع.
وأشاد صعدلي بحماية المشرع الجزائري في النص الجديد للمسير من المتابعة الجزائية خلال ممارسة مهامه، طبقا للمادة 119 مكرر .
أما بخصوص العقوبات المرتبطة بإدراج الجماعات الإجرامية المنظمة في قانون العقوبات وتجريم التزوير للحصول على سكنات وإعانات اجتماعية وأيضا المساس برموز الثورة والنشيد والعلم الوطني، فيعتبرها رئيس كتلة "الأفلان" مستحقة لقمع المجرمين.
نواب ضد..
أما النائب عن حركة البناء الوطني، كمال بن خلوف، فيرى أن النصّ الجديد لقانون العقوبات، تضمّن أحكامًا مبالغًا فيها؛ تتعلق بالسجن، وجاء كردّ فعل عن الجرائم المسجلة مؤخرًا، دون دراسة دقيقة للظاهرة.
ويوضح بن خلوف في تصريح لـ"الترا جزائر" أن التعديل جاء بعد استفحال ظواهر غريبة عن المجتمع الجزائري تسببت في تفشي الجريمة وتراكمها، لذلك فإن المتفصح لقانون العقوبات في نسخته الجديدة يرى أنه تضمن عقوبات رادعة.
وفي هذه الحالة يشدّد بن خلوف، على أن التعديل لا يعكس الرؤية الفعلية لواقع المجتمع، وإنما محاولة لمعاقبة السلوك في حدّ ذاته وهذا خطأ، وفقه.
ويقول النائب إنّ "الأصل في القانون أن يعالج الظاهرة والسلوك وهذا العلاج لا يقتضي فقط العقوبة الزاجرة، وإنما أيضًا عقوبة مناسبة للسلوك".
والملاحظ في النص الجديد، حسب بن خلوف، تقليص دائرة الجنايات وتوسيع الجنح، ولكن رغم ذلك الاحتفاظ بنفس العقوبة، لتصل في بعض الجنح إلى 20 سنة سجنًا، وهو أمرٌ صعبُ التطبيق، حسبه.
وذهب النائب البرلماني بن خلوف أبعد من ذلك مصرحا: "إذا كان الهدف من القانون حماية المجتمع، فإنّ هذا التشديد لن يعالج المشكل بل سيؤدي إلى تفاقم الظواهر."
وبالمقابل يرى المتحدث أنّ التعديل الذي مسّ القانون في الجانب المتعلق بفرض عقوبات مشدّدة على المعتدين على بعض فئات المجتمع على غرار الأساتذة والأئمة وأسلاك الأمن أمرٌ مقبول، خاصة وأنّ بعض الفئات تجرّأت وتعوّدت على سبّ وشتم الشرطي أو المعلم في الفترة الأخيرة.