26-يونيو-2024

(الصورة: فيسبوك)

يبدو أن جمع التوقيعات للمرور إلى تسليم ملف الترشح للانتخابات الرئاسية في الجزائر هي المرحلة الأصعب في الاستحقاقات القادمة، خصوصا مع إفصاح عدة وجوه عن طموحها في الترشح والبدء في التخطيط لرحلة استيفاء شروط التقدم للمنافسة الانتخابية، كمرحلة تمهيدية ثم التحضير للحملة الانتخابية.

امتحان صعب

إجرائيا، يتضح أن المرشّحين المحتملين للسباق الرئاسي المنتظر في السابع من شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، وبحسب وضعيتهم وإمكانياتهم، منقسمون إلى قسمين اثنين: الأول منهما يتمثّل في مرشّحين لديهم قدرة تنظيمية، تسهلها الهياكل المحلية التي تساعد على استيفاء شرط التوقيعات وجمعها دون اللجوء إلى الحسابات.

تخضع عملية التوقيعات التي تعتبر "تزكية المترشحين الانتخابات الرئاسية" ومساندة من قِبل شخص حاملا لصفة الناخب أو المنتخب في أحد المجالس النيابية،  لجملة من الشروط والإجراءات

وكمثال عن الوجوه التي تدخل تحت مظلّة هذا القسم، فالأول يعني حركة مجتمع السلم، التي قدّمت رئيسها عبد العزيز حساني كمرشّح عنها للاستحقاقات المقبلة، فضلا عن الرئيس عبد المجيد تبون (في انتظار إعلان الترشّح) الذي أعلنت العديد من الأحزاب إعلانها مساندته في الترشح وبالتالي، فكلا الطرفان، أو الشخصيتان لديهما قاعدة جماهيرية وقواعد حزبية تعتمد عليها في هذه الفترة، وبذلك تمكنهما من اجتياز هذه المرحلة بسلام وأريحية إحصائية في علاقة بجمع التوقيعات.

أما القسم الثاني فيتمثّل في مرشّحين آخرين لديهم الهياكل التنظيمية التي يمكنها أن تقدم لها التوقيعات، ولكن في المقابل لديهم صعوبة في جمع 50 ألف توقيع أو صعوبة أيضا في جمع 600 توقيع للمنتخبين.

وفي هذا الإطار، فقانونيا، تخضع عملية التوقيعات التي تعتبر "تزكية المترشحين الانتخابات الرئاسية" ومساندة من قِبل شخص حاملا لصفة الناخب أو المنتخب في أحد المجالس النيابية،  لجملة من الشروط والإجراءات، إذ يتيح المشرع للمترشح المفاضلة بين تزكيته من طرف 600 عضو منتخب في مجالس شعبية بليدة أو ولائية أو برلمانية، عبر 29 ولاية على الأقل ، أو تزكيته من قبل 50 ألف ناخب مسجل في القوائم الانتخابية، موزعين عبر 29 ولاية على الأقل، على أن لا يقلّ العدد الأدنى من التوقيعات المطلوبة في كل ولاية من الولايات المقصودة عن 1200 توقيع.

 وفي علاقة مع هذه الاشتراطات، فإنّ اللافت من خلال هذه المعطيات القانونية أنّ حزب العمال الذي رشح الأمينة العامة لويزة حنون لا يتوفر على العدد الكافي من المنتخبين، وهو ما يفرض عليه جمع الـ 50 ألف توقيع وهي عملية ماتزال غير واضحة المعالم.

وفي هذا المضمار، وجه الحزب شكوى إلى رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات تتعلق بعملية المصادقة على استمارات الترشح، وعدم جاهزية البلديات لاستقبال المواطنين الموقعين على استمارات الترشح، خاصة فيما اتصل بـ"عدم تنظيم مداومات في نهاية الأسبوع وأيام العيد، وتأخر في تعيين الموظفين المخولين قانونا للمصادقة على الاستمارات وتسليمهم الأختام إلى غاية يوم 19 حزيران/ جوان الجاري".

وعلاوة على انقطاع تدفق الإنترنت في علاقته بتنظيم امتحانات شهادة البكالوريا، سجل حزب العمال تأخر في توفير الأدوات اللوجستيكية، في أغلب البلديات بعد مرور 10 أيام من انطلاق عملية جمع التوقيعات.

كما رفضت البلديات المصادقة على الاستمارات، و"إقصاء المواطنين الحاملين لبطاقة تعريف وطنية غير بيو مترية لعدم حملها رقم التعريف الوطني"، معتبرا ذلك "مساس مباشر بحق الترشح للترشيح".

وبالإضافة إلى عملية الاكتتاب بالنسبة لحزب العمال، فإن مرشح جبهة القوى الاشتراكية (الافافاس) يوسف أوشيش يتوفر على إمكانية جمع 600 توقيع للمنتخبين لكنه يواجه مشكلة جزئية تتعلق بالتوزيع الجغرافي للمنتخبين، وذلك بناء على أن القانون يفرض أن يكون المنتخبون موزعة عل 29 ولاية كحد أدنى كما تم ذكره سابقا، فيما يتوفر الحزب على عدد محدود من الولايات خاصة في منطقة القبائل.

اللحاق بالآجال

السؤال المهم الذي يطرح بخصوص هذه المرحلة التمهيدية، يتعلق بالمدة التي خصصتها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لجمع التوقيعات المحددة بـ 40 يوماً، فهل هي كافية؟ فيما يطرح سؤال آخر، بخصوص إمكانية المرور بسلام من هذه المرحلة ومفاده: هل يمكن أن نشهد في هذه الانتخابات نوع من التضامن الحزبي؟

وبالنسبة للمدة المحدّدة، قد تكون عائق بالنسبة للأحزاب التي أبانت عن نيتها قديم مرشحين، أو مساندة مرشح من حيث الفعل الميداني في جمع التوقيعات والاشتراطات القانونية التي تجعل من الأمر صعبا في الكثير من الدوائر والبلديات.

ويقول النّاشط السياسي السعيد عبادةلـ"الترا جزائر" أن هذه المدة الزمنية كافية للمرشحين المسندين من قواعدهم الحزبية، أو من يمتلكون الحدّ الأدنى من النّاخبين في مستوى المجالس المحلية والنيابية، غير أنّها في المقابل تسبّب صداعاً للمرشّحين الآخرين على اعتبار أن العملية تخضع لشروط وآليات تفرض عليهم المراقبة الشديدة على كل الاستمارات قبل دفعها للهيئة الرسمية المعنية.

وأضاف عبادة أنّه لا يمكن إهمال الظروف التي تجري فيها العملية عموما، أهمها انشغال المواطنين خلال فترة العيد والعطلة التي تزامنت معه، فضلا عن انشغال العائلات بنتائج امتحانات نهاية الدراسة لكل السنوات في مختلف الأطوار، وخاصة منها انتظار نتائج شهادة المتوسط وامتحان الباكالوريا، معتبرا كل هذه الظروف مع فصل الصيف يمكن من خلالها قياس اهتمام المواطنين (الهيئة الناخبة) بالانتخابات.

وجب التأكيد هنا، على أنّ سير عملية جمع التوقيعات ومدى تجاوب النّاخبين مع المرشّحين وأحزابهم في هذه العملية، يمكن أن تفتح الباب أمام المرشحين نحو إيجاد منافذ تحقيق تلك الشروط، ومواجهة التعطيلات المحتملة بسبب أدوات إتمام العملية.

 

تضامن حزبي

إذا كانت ظروف الواقع تفرض على المرشحين عدة عراقيل أثناء تجميع التوقيعات وصعوبات في استكمال الملفات، فإن السؤال الأكثر إلحاحا مفاده:" هل ستشهد الساحة السياسية، عملية تضامنية فيما بين الأحزاب تحسبا للاستحقاقات؟ أو ما يمكنه وصفه بـ"التضامن الحزبي" وتسهيل المهمة أمام المرشحين، خصوصا من الأحزاب التي انبثقت من العائلة الفكرية نفسها، أو من خلال القرب الإيديولوجي، والمناطقي أيضا.

وبالحديث عن ذلك، يؤكد الباحث في العلوم السياسية عبد الله جيار من جامعة الجزائر بأن " العملية الأولية، تستلزم تفاهمات بين الأحزاب، خصوصا وأن المكونات السياسية في البلاد أظهرت تضامنها في انتقادها لمعطى الإغلاق السياسي الذي تشهده الساحة، وبالتالي إيجاد فضاء يجمعها تحت مسمى الدفاع عن الحريات، يبدأ من التضامن فيما بينها في تسهيل مهمة العبور نحو الحملة الانتخابية، لافتا إلى أنّ التضامن الحزبي يظهر في مثل هذه الفرصة الانتخابية التي تعني أعلى منصب في الدولة.

الباحث في العلوم السياسية عبد الله جيار لـ "الترا جزائر": العملية الأولية، تستلزم تفاهمات بين الأحزاب، خصوصا وأن المكونات السياسية في البلاد أظهرت تضامنها في انتقادها لمعطى الإغلاق السياسي الذي تشهده الساحة

وأضاف الأستاذ جيار في إفادته لـ"الترا جزائر" أن نوعية الانتخابات القادمة من شأنها أن تعطي المجال للأحزاب أيضا لتحسس مكانتها في الميدان، خصوصا وأن التضامن في هذه المناسبة الانتخابية يعني تقديم المساعدة في جمع التوقيعات، سواء من المواطنين أو من المنتخبين، وذلك يعني أيضا أن يطلب من الأحزاب أن تعطي لمرشح ما توقيعات ولو توقيع واحد من كل ولاية.

وأشار في هذا السياق إلى أن الانتخابات الرئاسية تختلف عن المنافسة الانتخابية في التشريعيات والمحليات من حيث طبيعة المنافسة ومتطلباتهاحول منصب واحد، فضلا عن تدابير الاستعدادات لها وبرامجها أيضا.

عموما وعلى المستوى الميداني دائما فإنّ العملية يمكن أن تقدم صورة ولو مبدئية حول تجاوب الناخبين مع المسار الانتخابي ككل، خاصة وأن الحملة الانتخابية ستكون في فترة الذروة الصيفية مع العطلة والدخول الاجتماعي.